لقيت السفن التي عرضها الحرفي أحمد قاسمي في المعرض المنظم بالمركز الثقافي بالأبيار مؤخرا، بمناسبة اليوم الوطني للصناعات التقليدية، إقبالا كبيرا نظرا لدقة الإنجاز، كونها تعتبر تصميما مصغرا للسفن الحقيقية القديمة، على غرار السفينة التابعة للأسطول الجزائري في الدولة العثمانية، والتي برع في إظهار جمالها بطريقة يخيل للناظر أنها حقيقة تعود إلى العهود الغابرة. يعود اهتمام الحرفي أحمد بصناعة السفن التي كان لديها دور في صناعة التاريخ إلى الموهبة التي عانقت أنامله وهو طفل، حيث كان يحب استغلال وقت فراغه في صناعة بعض التحف بالاعتماد على ورق الكارطون، وبعد أن اكتشف ميله إلى صناعة السفن بكل ما تحمله هذه الأخيرة من تفاصيل، رغب في تطوير هذه الموهبة عن طريق البحث في الكتب عن السفن التي كان لديها وزن أثناء الحروب، أو تلك التي دخلت التاريخ من بابه الواسع، بالنظر إلى كبرها أو جمالها أو دقة صناعتها. وحسب الحرفي أحمد، فإن الموهبة لا تكفي وحدها لإعداد عمل مميز، لذا دأب في كل مرة كان يحاول فيها صناعة سفينة، على الاطلاع على تاريخها وفيما استخدمت، بعدها يعتمد في تصميمها على الرواية ويقوم بإعداد نموذج مصغر لها، يعرض لدى مشاركته ببعض المعارض، مرفق بنص عنها قصد تثقيف الجمهور، وهو بالفعل ما وقفت عنده “المساء” لدى تفحصها للسفن التي تفنن فيها، وما زاد من دهشتنا أن هذه الأخيرة يعتمد فيها من البداية إلى النهاية على المجهود العضلي واليدوي، ولا يستخدم مطلقا الآلة، ، مما زاد من جمالية عمله المنفرد. من بين الأعمال الحرفية التي صنعها عمي أحمد ولقيت إقبالا عليها؛ سفينة “تيتانيك” المشهورة التي كان لها صدى كبير لدى الجمهور، إلى جانب سفينة “كريستوف كلومبس” التي بواسطتها اكتشف أمريكا، والسفينة الجزائرية في العهد العثماني، حيث تعكس قوة وشموخ الأسطول الجزائري، إلى جانب سفينة الملك “بازا” التي تعود إلى سنة 1628 والسفينة الفرنسية التي تعود إلى القرن 17م. في رصيد الحرفي أحمد 15 سفينة تاريخية، ويتطلع إلى إنجاز المزيد منها، رغم الجهد الكبير الذي يبذله في سبيل تشييد نموذج مصغر واحد من السفن التاريخية، إلا أنه يقول بأن متعته تكون كبيرة حينما يطالع نصا من نصوص التاريخ، يروي معركة معينة على متن سفينة ما أو لدى تصفحه لتاريخ أسطول بحري معين، فيحمله الحماس ويبدأ في وضع التصور الأولي الذي يعتمد عليه لإنجازها، والتي يؤكد بأن كل التفاصيل الدقيقة التي تعد من مكملات السفينة، مثل الحبال، الأبواب الصغيرة، الخيوط والمرساة وما إلى ذلك من لواحق يقوم بصناعتها يدويا، ويعمد إلى تغيير لونها باستخدام “ماء الرومان” حتى تكون قديمة، ومنه تقترب السفينة التي يعدها من الأصلية. وحسب عمي أحمد، فبمجرد شعوره بالتعب أو الإرهاق ينصرف خارج ورشته الصغيرة الكائنة ببئر خادم، لأخذ نصيب من الراحة، لأنه على يقين من أن التعب الذي يناله ينعكس سلبا على تحفته، ومنه يقرر تركها ليعود إليها بحماس كبير، وعموما تختلف مدة إعداد السفينة بالنظر إلى حجمها، فقد يمضي فيها أشهرا بغية إنهائها. موهبة الحرفي أحمد لم تتوقف عند صناعة السفن فحسب، إنما برع في صناعة بعض اللوحات على شكل قوارب يتم تزيين المنازل بها، من فرط جمالها يظن الناظر إليها أنه على متن سفينة في عرض البحر. ينوي الحرفي أحمد عرض أعماله الإبداعية على المتحف الوطني، لأنه يرى أنها ترمز للتاريخ، بالتالي فهي لا تقدر بثمن، بينما يقوم بتوجيه باقي السفن الأخرى إلى البيع، حيث ينجز أعماله بناء على الطلب، غير أنه يتطلع إلى الحصول على ورشة يحولها إلى مدرسة صغيرة يقدم بها دروسا في فن صناعة السفن التاريخية للشباب الراغب في التعلم، وبهذه الطريقة، يقول، نعرض تاريخ السفن الجزائرية في شكل مجسمات تترجمها السفن الكبيرة والصغيرة لكل عشاق البحرية.