فوتت عادة الاشتراك في الأضحية بعجل التي انتشرت في مناطق كثيرة من المجتمع الجزائري مند أكثر من عقد لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى على الأطفال بهجة العيد والفرحة بالخرفان ومداعبة الكباش وإخراجها إلى أزقة الحي والتقاط صور تذكارية معها كما جرت العادة ونسج علاقة وجدانية بينهم وبينها على اعتبار أن العجل يذبح عادة بعيدا عن المسكن وفي ظروف خاصة يحبذ أن لايحضرها الأطفال مما دفع بالعديد من الآباء لمراجعة هذه العادة والعودة إلى الأصل بالأضحية الفردية بالضأن تحقيقا لرغبة الأبناء لأن العيد في النهاية عيد الطفولة والمرح مرحها . ف (مصدق .ب) الذي وجدناه رفقة ابنه أكد أن هذا الموسم هو آخر موسم يشترك فيه في الأضحية بعجل رفقة أشقائه لأن أبناءه لم يستمتعوا بالمناسبة كما ينبغي ولم يستشعروا حضور الضيف السنوي ولم يتمكنوا هذا العام من تقديم الكلأ له ليلة العيد والمسح على جبينه بالحناء وهو يسبح لربه تسبيحة النزع الأخير. وهو الشعور ذاته الذي لمسناه عند ابنه (محمد غزالي) الذي قال على استحياء من أبيه إن الأضحية بالكباش أفضل من العجل وهو ما حذا بأبيه إلى وعده بعجل أقرن العام القادم. كما قرر (العيدي .م) أن لا يشترك في الأضحية بعد هذا العام وقال لقد حرمت أبنائي من نشوة رؤية الخروف ومداعبة قرن الكبش وركوبه وملامسة صوفه الناعم فالعيد في النهاية كما يقول هو عيد الأبناء وليس عيد الآباء. بل أكد أنه وبالمنطق الاقتصادي لم يستفد كثيرا على اعتبار أنه ساهم ب 25 ألف د ج من ثمن العجل الذي بلغت تكلفته 100 ألف د ج ومساهمته كانت كافية لشراء كبش متوسط يكفي ويفرح عائلته الصغيرة، غير أنه اعترف أن مشاركته هذا العام كانت تلبية لرغبة أمه لا أكثر. و قد عبرت ابنته (سندس ) عن هذه المشاعر عندما قالت صراحة إننا لم نتمكن من رؤية الأضحية لأنها عجل و الخرفان أفضل بكثير بينما اعترف ( أحمد . خ ) أن سبب تخليه عن الأضحية الفردية بالخرفان هو احتوائها على نسبة كبيرة من الشحوم التي ترفع نسبة الكولسترول في الدم بخلاف الأبقار وهو ما جعله يفضل لحمها ويشترك مع جيرانه في الأضحية بعجل . وفيما دافع البعض عن هذه العادة عندما أكد أن العبرة بكثرة اللحم وقلة التكلفة إذ يمكن للمشتركين في بقرة أو عجل أن يحصل كل واحد منهم على كمية لحم صافي تزن من 30 إلى 40 كلغ ب 25 ألف د ج في حين لن يقل ثمن كبش بهذا الوزن عن ضعف هذا الثمن. قال (أحمد . ب) أنه ضد فكرة الأضحية الجماعية بالأبقار لأنها تفقد العيد مغزاه وتقربه من الاقتناء العادي للحم وهو يفضل خروفا وإن خف وزنه على عجل مشترك وإن ثقل وزنه. ويشاركه في هذه النظرة الكثيرون حيث قال (عثامن.ب ) إن هذه الطريقة حولت العيد إلى زردة وأفقدته كثيرا من بهجته لأن العبرة عنده بفرحة الأبناء وأمهم بالعيد ولايتأتى لهم ذلك إلا بخروف يقفز بين أجنحة البيت ويدوي بصوته ويلتف حوله الأبناء فرحين مبتهجين. وكشف آخر أن زوجته كادت أن تضرب عن لحم العيد لأنه شارك في عجل لذلك وعدها أن لايعود لهذه العادة وببراءة الطفولة قال (أكرم طالب ) إن الأضحية بالكبش أفضل ولا يمكنه قبول العجل والاشتراك فيه وهو الرأي الذي تقبله أبوه بابتسامة عريضة . وبغض النظر عن مشروعية الاشتراك في الأضحية الذي أباحه الحنفية والشافعية والحنابلة وخالفهم المالكية وما تحمله هذه العادة من فوائد جمة صحية واقتصادية واجتماعية ومساهمتها في الحد من ارتفاع أسعار الضأن، إلا أنها فعلا تحرم الأطفال من كثير من المعاني وبالتدريج تحوله إلى مناسبة لاقتناء اللحم فقط ولا ترسخ مهابته وبعده التربوي في نفوس الطفولة الحالية على خلاف ما سار عليه أجدادنا الذين ورثوا محبة العيد وانتظاره والحرص على تقديم الأضحية فيه للأجيال. ولا أدل على ذلك من حرص كثير من المهاجرين والشباب في المهجر على هذه السنة التي تربوا عليها سواء بإقامة شعائرها هناك أو العودة من اجلها لديار الأهل وتوجيه التفكير لكمية اللحم وثمنه أمر تجاوزه الواقع لأن جل الأسر اليوم تجد اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك بشتى الأنواع والأسعار والأحجام في متناولها على مدار العام ولم يعد العيد و المناسبات الدينية والاجتماعية هي الفرصة الوحيدة لتناول اللحوم. لهذا ينبغي الحرص على مشاركة الأطفال في المناسبة والنزول عند رغباتهم وتنافسهم مع الأقران وتلقينهم آداب الرفق بالحيوان ومحبة الحياة والطبيعة لاسيما بالنسبة لأطفال المدن الذين قد لاتتاح لهم فرص الاحتكاك بالأنعام إلا في مثل هذه المناسبة، فتوريث العادات الحسنة للأطفال لن تمحها من ذاكرتهم وسلوكهم الأحداث مهما تشعبت .