تعد دائرة رأس الواد بولاية برج بوعريريج المعزولة جغرافيا والبعيدة عن المحاور الكبرى للطرقات من بين المناطق النادرة بشمال البلاد التي بقيت "متعافية" من كل نشاط صناعي و"وفية "بالكامل لطابعها الفلاحي و الرعوي محولة بذلك عزلتها الى ورقة رابحة . وربما أصبحت عزلة رأس الواد في طريقها لأن تصبح من مسببات تنمية هذه المنطقة حيث تمثل تضاريس هذه الدائرة وخاصة منها جبل نشار ذلك الحاجز الطبيعي الممتد على طول 10 كلم "سدا منيعا" أمام كل محاولات انفتاحها على محيطها. و تدفع تلك العزلة سكان هذه المنطقة المنتمية للبيبان إلى البقاء و أرجلهم مثبتة بأراضيهم مما يجعلهم يخدمون بساتينهم وحدائقهم ويفتخرون بكونهم يوفرون لأبنائهم جل ما يستهلكونه من غذاء. ففي كل الشعب الفلاحية و الرعوية تحتل دائرة راس الواد صدارة الترتيب على مستوى الولاية كما تفيد بذلك إحصائيات مديرية المصالح الفلاحية . ويأتي إنتاج الحليب في مقدمة منتجات هذه المنطقة التي تتوفر على 9 آلاف رأسا من الأبقار الحلوب إذ تمثل 55 بالمائة من مجموع الإنتاج السنوي للحليب بالولاية و الذي يناهز 46 مليون لتر. و تقدم دائرة راس الواد سنويا إضافة لذلك نحو 11 ألف قنطار من اللحوم البيضاء للسوق إلى جانب 20 مليون بيضة . 40 بالمائة من منتوج الحبوب بالولاية ولا تقابل باقي الشعب الفلاحية بالتجاهل من قبل المنتجين كما هو واضح بهذه المنطقة التي لا تترك إلا القليل من القطع الأرضية في حالة راحة إذ يستغل بها أزيد من 22 ألف هكتار من أصل 24 ألف تتوفر عليها الدائرة حسب الإحصائيات المحلية . وتنتج راس الواد في هذا السياق قرابة 40 بالمائة من غلال الحبوب الشتوية لولاية برج بوعريريج سنويا و المقدرة ب1,2 مليون قنطار كما تحتل المرتبة الأولى بمنطقة البيبان في مجال إنتاج الخضر و الفواكه و التي تتسم بنوعيتها المطلوبة . وتظل المصالح الفلاحية بالولاية مقتنعة بأن راس الواد هي أكثر المناطق غنى و ملاءمة مع هدف تطوير الفلاحة المكثفة و التربية الحيوانية و تنمية باقي الشعب الفلاحية الأخرى بولاية البيبان. وبغض النظر عما يمكن أن يقوله شباب مركز الدائرة الحالم كثيرهم لرؤية وحدات صناعية تتمركز عندهم من أجل فتح مناصب شغل مدرة للرزق بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية و تحصيل المهارة التكنولوجية التي تسمح بولوج المنطقة لعالم التقدم فإن الطابع الفلاحي لراس الواد يمكن أن يصبح مصدر ثراء غير مقدر بثمن كما يؤكد الكثيرون. و من البديهي أن يشعر الشباب المحلي -الذي حصلت أغلبيته على عكس أسلافه الذين أخذوا طريق الهجرة نحو فرنسا خاصة في وقت كانت الهجرة فيه بمثابة معاناة- بخيبة ما حينما يرون مستثمرين من المنطقة على غرار بن حمادي صاحب مطاحن تحمل نفس الاسم وكذا مركب هام للإلكترونيك لا يستقرون باستثماراتهم في راس الواد رغم كونها ثاني مدينة كبرى بالولاية بسبب افتقادها خاصة لشبكة وطرق الاتصالات. وبالفعل فإن راس الواد البعيدة عن الطرقات الوطنية و الطريق السيار شرق-غرب و كذا السكة الحديدية ب38 كلم تظل غير مرتاحة رغم كل التجهيزات العمومية التي زودت بها لحد الآن ومن أهما ملعب ب5.400 مقعد و مسبح نصف أولمبي . ويمنع جبل نشار الممتد على طول عشرة كيلومترات كما هو واضح المنطقة من إنجاز رواق طرقي يمكنه تحقيق التواصل مع بلديات ولايتين مجاورتين ومنها أولاد تبان بولاية سطيف و مغرة بالمسيلة ومن خلالها السماح ببلوغ ولاية باتنة . و يقول بعض الشباب بنوع من النكتة "يجب أن تعرفوا بأن راس الواد ليست روما لأن لها طريق واحد و وحيد يؤدي إليها أو يسمح بمغادرتها" .وفعلا هناك مخرج واحد ينقسم إلى طريقين على بعد 3 كيلومترات شمال المدينة أحدهما يؤدي إلى مدينة برج بوعريريج و الآخر نحو بلدية عين ولمان باتجاه سطيف. وعبر هذا الطريق يتنقل يوميا عند كل صباح الآلاف من الشباب وهم يغادرون المدينة باتجاه المصانع و الإدارات و المراكز الجامعية في كل من برج بوعريريجوسطيف و العلمة و عين ولمان فيما يظل براس الواد باقي السكان وهم في غالبتهم فلاحون و مربون و تجار ومتقاعدون . وحسب مصالح مديرية المناجم و الصناعة فقد تم برمجة إنشاء منطقة صناعية و منطقة للنشاطات بهذه الدائرة فيما انطلقت الدراسات من أجل تمركز زهاء خمسين مشروعا على علاقة بالطابع الفلاحي للجهة. مصير سطره الرومان وفي الوقت الراهن فإن منطقة راس الواد تبدو غير مستعدة للابتعاد عن مصير سطره قديما الرومان الذين استثمروا كل المصادر المحلية كما أسسوا مدينة اتخذت من "ثامالولة" اسما بربريا لها . وما زالت معالم هذه المدينة القديمة بارزة إلى اليوم على غرار بقايا القلعة البيزانطية التي تعاني الضياع و الإهمال. وقبل أن يظهر التجمع الراهن لراس الواد الذي يعني بداية الوادي كانت راس الواد خلال فترة الاحتلال الفرنسي قرية استعمارية مسماة ب" طوكفيل" التي أسسها الفرنسيون سنة 1892 . ويزخر تراب الجهة بثروات معتبرة منها منجم للطين أنجزت بالقرب منه في ثمانينيات القرن الماضي وحدة للآجر ببلدية أولاد براهم قبل أن يتم إهماله . ويسكن راس الواد 47.884 نسمة موزعين على 3 بلديات هي راس الواد وأولاد براهم وعين تسارة تزخر كلها بإقليم فلاحي شاسع و ثروة بشرية أهمها الشباب.وبالتأكيد فإن ولاية برج برج بوعريريج التي ستنطلق مستقبلا في إنتاج فلاحي "بيو" ستجد في راس الواد -بأوديتها الجارية و قدرات التساقط بها وتجربة فلاحيها ذوى الخبرة و الاستعداد العازم -خير سند وداعم في احتلال مكانة الصدارة لاسيما في الشعب المرتبطة بالفلاحة الغذائية السليمة . ووقتها لن تكون رأس الواد مجرد بداية واد "لكن مطلعا لكل الآمال و الأمنيات".