بمجرد ما نرى الماء ينزل من بعض العيون النادرة بأزقة قصبة الجزائر بتزيينها الأصلي الذي يعود إلى العهد العثماني نستنتج أن قلب المدينة القديمة لا زال ينبض مذكرا بأن أشغال الترميم تأخرت في الانطلاق. و تمكنت سوى ست عيون من أصل مئتي عين يعود تاريخها إلى القرن ال16 من المقاومة عبر الزمن و لا تزال تزود الناس بالماء الشروب و هي : عين سيدي رمضان و عين مزوقة و عين بئر جباح و عين سيدي امحمد شريف و عين سيدي بنالي و عين بئر شبانة. و لا تزال "مصادر الحياة" العريقة التي تحمل تسمتيها المزخرفة على الخزف أو أعمدة الرخام تنضح و تصنع بهجة السكان و المارة. كما لا زالت هذه المياه الصافية تلقى استحسانا من قبل الكثيرين عبر العصور بالرغم من ربط كافة البيوت بالشبكة العصرية للتزويد بالماء الشروب غير أن صيانتها تستحق اهتماما كبيرا. و تبدو العيون الستة معالم تاريخية صغيرة لولا تصدع مربعات الخزف و تجهيزها بصنابير عصرية لا تليق مع تزيينها الأصلي. و حسب السكان المولودين بالقصبة فإن هذه المعاينة نتيجة "لا مبالاة" السكان الذين يشغلون البيوت التي لا تزال قائمة. و تستعمل هذه المياه ذات المصدر الطبيعي بشكل مفرط في أشغال التنظيف و غيرها من الأشغال حسب الحاج زوبير الذي يرى أنه "فضلا عن ترميم بنايات القصبة فإن تمدن سكانها يبقى سببا في الكثير من الانزعاجات". عيون اندثرت و ذكريات حية ذكر المؤرخ عبد الرحمن خليفة الذي ألف عدة كتب حول المدن الجزائرية أن قصبة الجزائر كانت تعد في الأصل 175 عين مدمجة في نظام ري "جد متطور" و مزينة بكتابات حول تاريخ تأسيسها". و أضاف أن إعادة تشغيل بعض العيون و ترميمها "أمر يسير" لأن الأمر يتعلق بمنشآت "غير معقدة". و في هذا الصدد أكدت المهندسة المعمارية نبيلة شريف التي قامت بدراسة في 2008 حول حمامات و عيون العاصمة خلال العهد العثماني أنه لا توجد أية صعوبة تقنية لترميم العيون حتى و إن استدعى الأمر عملا حرفيا. و من بين الذكريات التي بقيت حية في ذهن الشيخ عبد الرحمان حمو عندما يتحدث عن عين بئر شبانة الواقعة بالقرب من بيته بهذه المدينة حيث ولد في 1927 الإرتواء من الماء البارد و ملء القلال لتزويد العائلات و الإلتقاء بالأصدقاء و الجيران حول منبع من الماء الطبيعي. و قال أن ملء الماء من هذه العين كان من بين الأشغال التي يقوم بها بسرور لدى خروجه من المدرسة دون طابور أو اشتباكات. وبين المنفعة و الفعالية و الجمال و الحنين تستوقف هذه العيون "الحية" بقصبة الجزائر الأنظار حول الحالة المتدهورة لجزء كبير من المدينة القديمة كما تبعث الأمل في رؤية هذا الموقع التاريخي يحيى من جديد.