عادت مواضيع الثورة التحريرية مجددا إلى بلاطوهات التصوير في المشاريع السينمائية بالجزائر في الفترة الأخيرة بعد خمسين سنة من الاستقلال لتؤرخ هذه المرة حياة الشهداء وترصد فترة تاريخية حاسمة في مسار الكفاح التحرري وثورة أول نوفمبر المجيدة. وان كان الإرهاصات الأولى للسينما الجزائرية قد جاءت من قلب "الجبل " بعد ان أدرك روادها الأوائل أهمية الصورة و دورها في إيصال صوت الثورة إلى جميع أنحاء العالم الا أنها ظلت مهيمنة على جل الأعمال المنتجة في بداية الاستقلال وذلك قصد "المساهمة في الحفاظ على ذاكرة الشعوب و نقل مآثر الأوائل إلى الجيل الجديد" كما صرح الرعيل الأول من السينمائيين . و قد تناولت مواضيع الأفلام التي أنتجت في تلك السنوات كفاح الشعب و تضحياته من اجل الحرية ونقلت ويلات الاستعمار و بطشه. وساهم القرب الزمني للثورة و استمرار تأثيرها على الناس من إنتاج مجموعة من الأفلام التي لا تزال تشكل العلامات البارزة في مسار هذه السينما. و من بين تلك الأعمال فيلم "معركة الجزائر" (1966) الذي أخرجه الايطالي جيلو بونتي كورفو و الفائز بجائزة "الدب ألذهبي "لمهرجان برلين . و آثار الفليم جدلا حادا بفرنسا التي منعت عرضه في القاعات الى غاية عام 2004 . ومن الأفلام الثورية التي ميزت أيضا تلك الفترة فيلم "العفيون و العصا " لأحمد راشدي المقتبس عن رواية لمولود معمري و"وقائع سنين الجمر" ل لاخضر حامينا الذي منح الجزائر في دورة "كان " عام 1976 السعفة الذهبية الوحيدة إلى اليوم إفريقيا وعربيا . ورغم تعالي بعض الأصوات منتقدة هيمنة موضوع الثورة على السينما الجزائرية لقرابة عقدين من الزمن إلا أن العديد من النقاد يرون عكس ذلك إذ يجب كما صرح المخرج احمد راشدي بمناسبة التحضيرات للاحتفال بخمسينية الاستقلال ان تتواصل الأفلام عن الثورة باعتبارها "عمل على الذاكرة وتمجيد الثورة التحريرية التي مكنت الجزائريين من استعادة صورتهم التي عمل المستعمر على تشويهها بغرض البقاء و الاستمرار ". "حقيقة ان السينمائي ليس مؤرخا إلا انه بفضل قوة و سحر الصور يمكن ان يخلد الإحداث ويرسخها في ذهن المشاهد" يضيف راشدي. لكن ما كان يهم أكثر الجزائر المستقلة قبل الإنتاج هو إقامة هياكل دائمة لدعم المؤسسة السينمائية والتهيئة لميلاد سينما جزائرية متميزة و كان هذا الحلم في تلك الأيام "قريبا" بالنظر للنجاحات التي كانت تسجلها الأفلام الجزائرية في المهرجانات و المحافل الدولية . وقد ظهرت في السنوات الأولى للاستقلال اولى مؤسسة الانتاج السينمائي وهو المركز الجزائري للسينما الذي تحول فيما بعد إلى المركز الجزائري للفنون والصناعة السينمائية( الكاييك) وأيضا المركز الإحداث المصورة الجزائرية الذي كان يحتفظ صور فريدة عن حياة الجزائريين إبان الثورة وعن النضال و الحياة السياسية . كما عرفت الجزائر في سنة 1965 ميلاد متحف السينما " سينماتك "و هي الأولى عربيا و أفريقيا . ولعب هذا الصرح في أوج نشاطه كما قال المخرج والمنتج يزيد خوجة "دورا هاما في تنشيط الحياة السينمائية وكان فضاء مفتوحا لاستقبال السينمائيين من كل أنحاء العالم" ... إلا انه رغم كل هذه الجهود "فلم يتمكن قطاع الفن السابع من إقامة صناعة سينمائية حقيقية حيث لم تشيد مخابر و بقي انجاز الجانب التقني تابع للمخابر الأجنبية" كما لاحظ يزيد خوجة . ومع نهاية الثمانينات بدأ بريق السينما الجزائرية التي أبهرت العالم يخبو وظهرت علامات غير صحية على القطاع كما أكد النقاد الذين ارجعوا الوضع لأسباب عدة في مقدمتها تدهور شبكة التوزيع حيث تقلص عدد القاعات من أكثر من 500 غادة الاستقلال إلى اقل من 30 قاعة و أيضا حل مؤسسات الإنتاج . وتزامن هذا الوضع مع "تغييرات في السلوكيات الاجتماعية و ذهنيات الناس" حيث ضعف التردد على دور العرض خاصة من قبل الأسر و العنصر النسوي بسبب الحالة المزرية التي أضحت عليها القاعات "القليلة" من تدهور وغياب الأمن إضافة إلى شل جهاز الاستيراد بعد حل مؤسسة الكاييك التي كانت تحتكره . فأصبحت جل القاعات تعرض بطريقة غير شرعية أفلام الفيديو المقرصنة . وبالرغم من مطالبة السينمائيين بفتح المجال للمبادرات الخاصة في أواخر ال 90 تزامنا مع حل مؤسسات الإنتاج السينمائي وتشكيل تعاونيات خاصة إلا أن ذلك لم يمنعهم من دعوة السلطات العمومية لمواصلة دعمها للقطاع خاصة في عملية التنظيم. واعتبر الناقد السينمائي الجزائري ومدير مهرجان باريس مولود ميمون أن إنعاش السينما الجزائرية "لا يكتمل إلا بإشراك السلطات العمومية من خلال وضع إستراتيجية تركز أساسا على التكوين وبناء مدارس لمهن السينما وإعادة فتح قاعات السينما وإنشاء هيئات للإنتاج و النشر". و قال أن السينمائي أصبح "يجري بمشروعه بين المؤسسات العامة والخاصة بحثا عن التمويل في ظل وضعية شبكتي العرض و التوزيع وإلغاء مداخل الشبابيك التي كانت تسمح بمد صندوق الدعم و التمويل السينمائي." وكان للفترة التي مرت بها البلاد في التسعينات اثر سلبي على قطاع الفن السابع فضلا عن الوضعية المادية للسينما المتدهورة التي أضعفت الإنتاج وجعلت المبدع في وضعية بطالة. وأمام هذا الوضع اضطر الكثير من السينمائيين الذين كانوا محل تهديدات واغتيالات إلى الهجرة ل"مواصلة" العمل. لكن مع ذلك فان بعض من الذين اختاروا البقاء رفعوا التحدي وأنجزوا أعمالا مميزة. — سينما نهاية ال90 و بداية الالفية الثانية بين التحديات الداخلية و ضغوطات التمويل الاجنبي — تميزت فترة التسعينات بظهور الكثير من الأعمال الجزائرية المنتجة بالخارج خاصة في فرنسا وهي نوعين أفلام السينمائيين المقيمين أو المولودين في المهجر و تلك التي أنجزها اولئك الذين أجبرتهم الظروف على الهجرة . و بفضل تلك الأعمال تواصلت السينما الجزائرية كما يؤكد بوجمعة كراش المدير الأسبق للسينماتك في مختلف المناسبات مثل أعمال علواش التي تطرقت لأوضاع الهجرة و أيضا الارهاب كما في "أهلا يا ابن العم "و "باب الواد سيتي " و أيضا أفلام محمد زموري الكوميدية مثل "100%ارابيكا " مع نجمي الري خالد و مامي و فيلمه "ازرق ابيض و احمر" الذي استقى موضوعه من لقاء كروي ودي بين الفريقين الجزائري و الفرنسي. كما تصنف في هذه الخانة أيضا أفلام عبد الكريم بهلول وان كان هذا الأخير قد تناول مسائل ذات أبعاد عالمية وإنسانية مثل "ليلة القدر " بمشاركة الفنان المصري جميل راتب لكنه رجع للمواضيع الاجتماعية في فيلمه "رحلة إلى الجزائر العاصمة " الفائز بالتانيت الفضي لمهرجان قرطاج . في الحقبة الممتدة من اواخر التسعينات الى اليوم أنتجت العديد الافلام التي يمكن وضعها في خانة سينما المهجر و كان للعديد منها رواج و نجاحا تجاريا و في المهرجانات مثل "مسخرة" لالياس سليم و أيضا افلام رشيد بلحاج المقيم بايطاليا و أعمال سعيد ولد خليقة مثل "شاي آنيا " و القائمة طويلة حتى الوصول الى فيلمي رشيد بوشارب "انديجان " الفائزة بجائزة التمثيل لأبطاله الثلاث في مهرجان" كان" و "خارجون عن القانون " الذي ألهب "كان "بعد مشاركته في المسابقة الرسمية ل 2010 لفرضه من قبل اليمين المتطرف بسبب موضوعه . و يسجل بوشارب الذي انتقل بعد فيلم "شاب "(1991) الى أفلام تناولت مواضيع ذات أبعاد عالمية مثل " ليتل سينغال " عودته للحديث عن الجزائر لكن هذه المرة من الجانب التاريخي و النضالي. لكن تبقى هذه الأعمال رغم اتهام البعض لها بالتركيز على مواضيع معينة استجابة لرغبة المنتج الأجنبي مثل موضوعي المرأة و الإرهاب أفلام جزائرية ساهمت بطريقتها في استمرار الإنتاج و تأكيد بقاء السينما الجزائرية التي مرت بظروف صعبة. و يقول كراش الذي ظل طيلة تلك الفترة يدعو الجمهور لمشاهدة الأفلام لإنقاذ السينما في الجزائر ان "الفيلم يحمل جنسية مخرجه". ولم يستسلم المبدعون الذين آثروا البقاء في الجزائر وواصلوا العمل متحدين كل الإخطار و تمكنوا بإمكانيات ضئيلة من تقديم أفلام رائعة جسدت الواقع على الشاشة مثل "المنارة " لبلقاسم حجاج و " جبل باية " للمرحوم عز الدين مدور و " الجارة" للغوتي بن ددوش و " القلعة "و " دوار النساء " لمحمد شويخ و أيضا فيلم "رشيدة"لأمينة بشير شويخ. وقد أعادت هذه الأفلام الثقة لدى السينمائيين الذين تأقلموا مع أساليب الإنتاج الجديدة بعد زوال احتكار الدولة للقطاع وظهر سينمائيون شباب وشركات انتاج وتوزيع مما خلق جوا من المنافسة والارادة في العمل و تحقيق طموحاتهم في زمن اصبحت فيه صناعة الافلام مجهود شركات و تعاون متعدد الاطراف واجنسيات . وفي ظل هذه المتغيرات عاد الفيلم الثوري بقوة إلى الواجهة فبعد فيلم "بن بولعيد" لأحمد راشدي(2009 )هناك عدة مشاريع بمناسبة الخمسينية حيث منها فيلم ثاني لراشدي "كريم بلقاسم " في طور التحضير و"العربي بن مهيدي " من انتاج المخرج و المنتج بشير درايس .