لقد ارتبطت مرحلة هامة من حياة الشاعر السياسي المصري احمد فؤاد نجم الذي توفي اليوم الثلاثاء بالجزائر التي حط بها في الثمانينيات وهي "قلعة للثوار"- فملأ الدنيا بأشعاره التي حولها رفيق نضاله الملحن والمغني شيخ امام عيسى الى اغاني ملتزمة تجاوزت قوتها وتأثيرها قوة السلاح. احتضنت الجزائر بصدر رحب الشاعر والمناضل و المعارض السياسي نجم لعدة سنوات بعد خروجه من السجون المصرية ولقي فيها رفقة رفيق دربه الشيخ إمام كل الترحاب والإحترام ففتحت أمامه الفضاءات للتواصل مع اوساط المثقفين حيث كان له التأثير الكبير فعشق الشباب خاصة طلاب الجامعات اشعاره و رددوا بحفاوة اغانيه الثورية. ويحتفظ الشاعر نجم الشهير بالفاجومي بذكريات جميلة عن اقامته بالجزائر حيث كانت له صداقات كثيرة في وسط المثقفين والفنانين وتزوج لفترة من الممثلة والمخرجة المسرحية صونيا. ففي أكثر من مناسبة صرح الشاعر الملتزم عن علاقته بالجزائر قائلا "للجزائر في وجداني وقع خاص فهي قطعة من قلبي ولي فيها ذكريات رائعة لا تنسى". ووصف الراحل في تصريحات صحفية عند عودته للجزائر في 2009 بعد ربع قرن من الغياب الحدث ب"الولادة الجديدة "مضيفا "كأنني خارج للتو من المعتقل وقادم إلى حضن من أحب بشوق كبير". وعلى إثر خبر وفاة الشاعر الذي رحل عن عمريناهز84 عاما اعرب بعض المثقفين الجزائريين من أدباء وممثلين ومسرحيين عن تأثرهم الكبير بفقدان "شخصية ملتزمة من هذا الحجم" ناضلت طيلة حياتها من أجل الكرامة والكلمة الحرة. وبتأثر بليغ اعتبر الروائي أمين الزاوي أن الراحل "الذي احب الجزائر بطريقة عجيبة علم الكثيرين كيفية الربط بين النضالين الفني والسياسي رغم الحساسيات" مضيفا "لقد أخذنا منه صورة المثقف الملتزم البعيد عن برجه العاجي (...) المثقف الذي يجمع ما بين الأحلام والنصوص والواقع فلا أدب من دون سلوك سياسي واجتماعي وهذا كان درسه الكبير". وأشاد من جهته الممثل والمسرحي عبد الحميد رابية بنضال الراحل في سبيل الحرية مذكرا في نفس الوقت بإقامته بالجزائر في الثمانينيات رفقة الشيخ إمام. وعن رحيل أحمد نجم دائما اعرب الممثل سعيد حلمي عن حزنه لفقدان هذه "الشخصية ذات الثقافة الكبيرة" مؤكدا أن وفاة الشاعر المصري "خسارة كبيرة للساحة الثقافية العربية" وهو ماذهب إليه أيضا الممثل والمسرحي زاهير بوزرار الذي ذكر بمباديء الرجل ومناقبه وثقافته الواسعة : "كان إنسانا يعيش بجرح مفتوح ترك بصماته في الشعر والغناء من خلال التزاماته وقناعاته التي بقي وفيا لها إلى آخر لحظة من عمره" يشدد المسرحي. "...لا علاقة لي بالنظام فأنا ضد الأنظمة" ويعتبر الشاعر أحد ثوار الكلمة واسما بارزا في الفن والشعر العربي حيث تمكن من تطويع الكلمة الجميلة لخدمة القضايا العادلة محليا و عربيا محولا الشعر من البلاط و القصور و المحافل الى ساحة معركة الفقراء و المضطهدين مشهرا قصيدته في وجه الطغاة مما عرضه للسجن عدة مرات بسبب مواقفه من الحكومات المتعاقبة وخلافاته السياسية مع كبار المسؤولين في مصر. و لم يثنه ثقل السنين والمرض من مواصلة نضاله متمسكا بعقيدته وأفكاره اليسارية فكان أحد أبرز المشاركين والداعين "لثورة 25 يناير" وقد تنبأ مؤخرا بقيام "ثورة ثالثة في بلاده خلال الشهرين". و تستمد اشعار نجم قوتها من كونها تتحدث عن الواقع و عن هموم و احلام بسطاء الناس لكنها تحمل في نفس الوقت رسائل ذات ابعاد نضالية وسياسية حيث قال النقاد ان اعماله شهادة لصاحبها علي العصر الذي عاش فيه خاصة ذلك المشروع الغنائي الذي حققه مع رفيق دربه و نضاله الشيخ أمام و التي اصبحت وبمثابة تأريخ وارشفة لكل الإحداث الهامة التي عايشتها مصر. و كان الشاعر مقتنعا بما قدم وبموهبته حيث قال "أعرف جيدا أنني شاعر عظيم أثرت في وجدان أمتي وواكبت كل الانتكاسات ولا علاقة لي بالنظام فأنا ضد الأنظمة".