تجاوز "صدى الأقلام"، مساء الأحد، جدران المسرح الوطني محيي الدين بشطارزي، إلى صدى ذاكرة مخضرمة فطنة لم تتعبها السنون، استغنت عن الورق واستجابت لنور العقل والروح، لتصنع الكلمة أمسية شعرية شعبية جمعت بين شهرة ضيف الجزائر الشاعر المصري الكبير، أحمد فؤاد نجم، وبين وجع الكلمة التائهة بين واقع العرب وحكامهم. * رغم استحالة تحقيق معادلة العرب وحكامهم، فإن نجم حرص على إعطاء كل منهما المساحة الكافية، فأماط القناع بجرأته المعهودة. ولم تسلم الشعوب من معاتبته في محاولة لإيقاظها وشحذ هممها، وفي الوقت نفسه خص الحكام بهجاء عرى كراسيهم من كل دبلوماسية وبهرجة. * مباشرة بعد استقباله رسالة رئيس بيت الشعر الفلسطيني، فضل أن يبدأ "الفاجومي"، الذي استغنى في قراءاته الشعرية عن الورق، بقصيدة "كل من ورق"، المرفوعة إلى المناضلة الفلسطينية الكبيرة، فلم ترحم الواقع وسلخته، على ضحكات الحضور من أسلوبه الساخر اللاذع، حيث اعتبر الحكام من ورق والشعوب من ورق وحتى الأحلام من ورق. * رحلتهم كانت في قبضة قبطان ذكي، فبعد أن ذكر بخيبة الآمال عاد ليبعث بقطرات الأمل من خلال "دعاء الكروان"، التي استقبلها جمهور بشطارزي بأحضان مفتوحة وآذان صاغية، وهي التي لم تكف عن تذكير الشعب بأحقيته في الملك، وإن طال الأمد. * ومن خلال قراءة "بستنظرك" المليئة بالأمل في غد أفضل، وبإرادة كبيرة في تخطي عتبة الواقع المزري الذي أضحى يتخبط فيه المواطن المصري، عاد بمن شاركوه الرحلة عبر الزمن إلى إشراقة المستقبل، وإلى اليسر الذي سيأتي حتما بعد كل عسر. * عرج نجم على قصيدة "عبد الودود" التي كانت تبكي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقرأها على جمهور المسرح الوطني، هذا الأخير فاجأ الضيف بتسجيل يعود إلى الثمانينيات عندما زار الشاعر ورفيق دربه الشيخ إمام الجزائر، وأحيا حفلا بها، فكانت فرصة لمشاهدة الشيخ إمام وصديقه في انسجام إبداعي ذاع صيته وصنع شهرة اخترقت الحدود الجغرافية. * بعد أن غاص شعر نجم بالحضور في محن الشعب ومآسيه، وبعد أن حاول تضميد جراحه بكلمات كالبلسم، وجه سوطه إلى الرئيس حسني مبارك وسلط الضوء على قضية توريث الحكم في "مبروك ياعريسنا" و"بيان هام"، اللتين صدق فيهما المثل القائل "شر البلية ما يضحك". * بعد ارتدائه لبرنوس المسرح الوطني، وتسلمه لوحة المجاهدة جميلة بوحيرد التقى الشاعر بمحبيه ممن كانوا في القاعة، والذين أكبروا فيه جرأته وشجاعته ومواقفه. وتحقق حلمه بلقاء المجاهدة جميلة بوحيرد أيضا والتي خاطبها من على الركح مشيدا ببطولاتها، وأثر نضالها على الشعوب في مختلف أرجاء العالم. * المثقف الطاهر بن عايشة لم يتخلف بدوره عن الحدث، ورافق صديقه الذي لم يلتقه منذ سنين، مؤكدا في تصريحه ل "الشروق" على أن الشاعر المتمرد لم يتغير فيه شيء عدا ملامح كبر السن، وبأنه لا يزال يحتفظ بذاكرته القوية وبشجاعته وجرأته الشعرية في مخاطبة الضمائر والعقول، بكلمات بسيطة متداولة تصل إلى كل شرائح المجتمع.