يتصدر الأمن الغذائي والقضاء على نقص التغذية جملة الأهداف الإنمائية المستدامة التي تناضل القارة الإفريقية من أجل تحقيقها بحلول سنة 2015 ، لتكون بذلك في مستوى تطلعات شعوبها التي لازالت تعيش في براثن الجوع والفقر على الرغم من الإمكانيات الهائلة الذي تتوفر عليها القارة. وبالرغم من أن عدد ناقصي التغذية في العالم ما فتئ يتراجع في الفترة ما بين 1990 إلى 2013 ليصل إلى 12 بالمائة، لا تزال إفريقيا القارة التي يسجل فيها أعلى معدل لانتشار نقص التغذية بواقع شخص من أصل خمسة أشخاص ونسبة 21.2 بالمائة مقابل 13.5 بالمائة في القارة الآسيوية و 7 بالمائة في أمريكا اللاتينية و5 بالمائة في الأقاليم المتقدمة حسب تقرير "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم " الصادر سنة 2013 عن منظمة الأغذية و الزراعة "الفاو". كما تتباين مستويات نقص التغذية داخل القارة السمراء نفسها، حيث تسجل منطقة جنوب الصحراء الكبرى أعلى مستوى نقص التغذية بنسبة 24.8 بالمائة مع التقدير بأن واحدا من بين أربعة أفارقة في هذا الإقليم يعانون من الجوع بشكل مستمر في حين يتميز شمال إفريقيا بمعدل أقل بكثير من ذلك (5 بالمائة) حسب ذات التقرير. ووفقا للتقرير الأفريقي للتنمية البشرية (2012) يعاني 55 مليون طفل تقريبا من سوء التغذية ليسجل بذلك ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات العشر الماضية كما أن واحد من بين أربع أفارقة أي 218 مليون شخص يعانون من نقص التغذية. - جملة من العراقيل تعيق وتيرة التنمية في القارة وبناءا على هذه الحقائق تبدو وتيرة التنمية بطيئة لتحقيق الأهداف الدولية الخاصة بالحد من الجوع مثلما حددها مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996 ومخطط الأهداف الإنمائية للألفية لعام 2001 والمتمثلة في خفض نسبة الجياع من عدد السكان الإجمالي إلى النصف أي إلى حوالي 498 مليون شخص بحلول عام 2015 . و يرجح تقرير "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم" لسنة 2013 أن تعجز بلدان كثيرة، لا سيما الإفريقية منها عن تحقيق هذا الهدف فالبلدان التي شهدت نزاعات مسلحة في العقدين الماضيين مرشحة لأن تشهد تراجعا ملحوظا في الحد من الجوع، كما أن البلدان غير الساحلية تواجه باستمرار إشكالية النفاذ إلى الأسواق العالمية، في حين أن البلدان التي تعاني من ضعف في البنى التحتية ستواجه مزيدا من القيود. وتشكل الصراعات المسلحة عائقا حقيقيا للتنمية والأمن الغذائي، حيث شهدت القارة الإفريقية 16 صراعا داخليا من ضمن 35 صراعا من هذا النوع على مستوى العالم في منتصف التسعينيات، وفي عام 1993م وحده نزح نحو 5.2 ملايين لاجئ و 13 مليون مشرد في القارة ما أدى إلى قلة الإنتاج الزراعي بشكل خطير. كما تزيد التغيرات المناخية من معاناة الأفارقة، حيث انخفض مستوى هطول الأمطار جنوب الصحراء الإفريقية أكثر من أي منطقة أخرى خلال العقد الماضي وتضاعف بذلك عدد المتضررين من الجفاف والحرارة الشديدة وحرائق الغابات كما تزايد عدد الفيضانات والعواصف والهجرات الجماعية بثلاث مرات تقريبا حسب التقرير الإفريقي للتنمية البشرية. وتتضاعف هذه التحديات جراء بيئة اقتصادية دولية "غير ملائمة" و"بطء إصلاح" مؤسسات الحكامة الاقتصادية والمالية العالمية حيث أبرزت السنوات الأخيرة "فشل" هذه المؤسسات في تسيير الأزمات العالمية في الوقت الذي يرتفع فيه عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر المدقع في عدة بلدان نامية و إفريقية. كما تضاف أزمة الديون إلى جملة العوائق التنموية حيث زادت الديون الخارجية للدول الإفريقية من حوالي 110 مليارات دولار أمريكي في عام 1980م إلى 350 مليار دولار أمريكي في عام 1998م بما يمثل 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة وتزداد خطورة أزمة الديون مع انهيار أسعار السلع الأساسية والتي تعتمد عليها أغلب الدول الإفريقية بشكل أساسي. - نحو تعزيز الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية المتعلقة بالتغذية وإصرارا على العمل من أجل بلوغ التنمية المطلوبة يعكف القادة الأفارقة على بلورة تصور إستراتيجي من خلال إعداد أجندة عام 2063 للتنمية الرامية بشكل أساسي إلى بناء الاكتفاء الذاتي و تحقيق الأمن الغذائي بالتركيز على التحويل الزراعي. وعليه يتعين على القارة الإفريقية متمثلة في الإتحاد الإفريقي مواجهة تحديات كبيرة أهمها تهيئة بيئة مستقرة وتسيير أحسن للإدارات ومشاركة أكبر من القطاع الخاص وإبلاء اهتمام أكبر لمشاركة المرأة والاستثمار في البحوث والتكنولوجيا لتعزيز إنتاجية المزارعين، ضف إلى ذلك مواجهة الانكماش الاقتصادي الحالي وتقلبات أسعار الأغذية اللذين أعاقا بشكل مباشر وتيرة التنمية. وحرصا منه على استدامة الجهود التنموية أطلق الإتحاد الإفريقي "البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا" التابع للشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا (النيباد) كإطارا لتحقيق النمو الزراعي والتنمية الريفية والأمن الغذائي في الإقليم الأفريقي وقد حظي البرنامج بالمصادقة على مستوى الوزراء الأفارقة المجتمعين في دورة خاصة من مؤتمر المنظمة الإقليمي لأفريقيا بروما سنة 2002. كما تؤكد مفوضة الإتحاد الإفريقي للاقتصاد الريفي و الزراعة السيدة رودها بيس توموسيمي في أكثر من مناسبة على أن القضاء على الفقرو الجوع يبقى أكبر تحدي شامل يواجهه العالم اليوم وتعتبر مطلبا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة مشدة على ان الحد من الفقر يعتبر مهمة معقدة تتطلب تظافر جهود عديد المتدخلين في مختلف المجالات بدا بالاقتصاد و النشاط الاجتماعي مرورا بالمجال السياسي و البيئي في بلدان القارة. ونظرا إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني في العديد من البلدان المتأثرة بسوء التغذية يركز التقرير الإفريقي للتنمية البشرية (2012) على الكيفية التي يمكن بها المضي قدما في بناء الأمن الغذائي في القارة من خلال وضع برامج التنمية الوطنية لزيادة الانتاجية الزراعية بين المزارعين الصغار وتحسين التغذية لدى المرأة والأطفال و بناء نظم معيشية مرنة وتمكين المرأة والفقراء في المناطق الريفية. من جانبه يقترح البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في أول تقاريره عن التنمية البشرية في إفريقيا مركزا على "الأمن الغذائي كوسيلة لتحسين جودة الحياة للجميع" اتخاذ إجراءات فعالة تتمثل في زيادة الإنتاج الزراعي و الاستثمار في مجال البحوث والبنى التحتية والمساهمات والثورة الخضراء في إفريقيا.