ولدت الحركة الوطنية الجزائرية إبان حقبة الاستعمار الفرنسي و قبيل الحرب العالمية الاولى (1914-1918) في سياق داخلي تميز أساسا بزيادة النمو الديمغرافي للسكان الجزائريين الذين كانوا خاضعين أكثر من أي وقت مضى للهيمنة الفرنسية و يقبعون تحت وطأة الجهل و الفقر المدقع في بلدهم المحتل. برزت أولى بوادر الحركة الوطنية مع بداية القرن العشرين من خلال ظهور -على مستوى الهيئات الاستعمارية المهيمنة- أقلية من الاعيان ممثلي الأهالي كانوا على درجة لا بأس بها من العلم و الثراء بالمقارنة مع اغلبية السكان الاصليين الذين جردوا من اراضيهم واخضعوا لقانون الاهالي المشين. ويحدد المؤرخون فرعين كونا الحركة الوطنية الجزائرية و هما دعاة الإصلاح و دعاة الاستقلال. كان دعاة الإصلاح المتشكلين من الاعيان و ابناءهم المتعلمين و المقيمين بالمدن يدعوون الى ادخال اصلاحات سياسية كما كانوا ينقسمون الى فرعين: البعض منهم يريد الانتساب الى الثقافة الفرنسية بينما كان البعض الاخر بقيادة الامير خالد حفيد الامير عبد القادر يطالبون بحق الشعب في تقرير مصيره. و كان يقود الفرع السياسي لدعاة الاصلاح حركة تعرف ب"الشباب الجزائريين" مكونة أساسا من اعيان و مفكرين مسلمين اسسوا اولى الجمعيات الثقافية و الصحف الجزائرية لممارسة نشاطاتهم . ويتجسد الجناح الادماجي لهذا الفرع من خلال منظمة سياسية ممثلة في المنتخبين المسلمين الذين عقدوا اول مؤتمر لهم سنة 1927 و اسسوا فيما بعد فيديرالية المنتخبين التي سرعان ما اختفت خلال الحرب العالمية الثانية في غياب الاصلاحات السياسية المرجوة لاسيما بسبب تصاعد النزعة القومية. أما الفرع الثاني الخاص بدعاة الاستقلال فقد برز بجلاء ابتداء من سنة 1926 من خلال انشاء في صفوف العمال الجزائريين و المغاربة بفرنسا حركة نجم شمال افريقيا التي طالبت لاول مرة بالاستقلال و كان الامير خالد الرئيس الشرفي لهذه الحركة التي اسسها حاج علي عبد القادر الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي قبل ان يفرض مصالي الحاج نفسه كقائد شعبي. وتوالى على هذا التيار على التوالي كل من حركة نجم شمال افريقيا التي تم فيما بعد حظرها من قبل قيادة الاستعمار الفرنسي ثم حزب الشعب الجزائري المؤسس سنة 1937 و حركة انتصار الحريات الديمقراطية المنشاة سنة 1946 و كلها حركات كان مصالي قائدها الرئيسي. و بالموازاة مع هذ التيار برزت حركات اخرى وصفها المؤرخون ب"المعتدلة" لاسيما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنشاة سنة 1931 من قبل عدة علماء على رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس و الداعية الى اصلاح ديني و ثقافي و كذا الحركة الشيوعية المتمثلة في الحزب الشيوعي الجزائري المنشأ سنة 1936 و الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري لفرحات عباس المؤسس سنة 1947. وضع داخلي ملتهب مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تعقدت وضعية الجزائريين الخاضعين للاستعمار منذ نحو قرن اثر الازمة الاقتصادية الناجمة عن هذا النزاع و التي تميزت بانتشار الجوع في أوساط السكان المسلمين. و تم منح الاهالي المسلمين وضع "فرد فرنسي" محروم من أدنى الحقوق و الحريات التي يضمنها الدستور الفرنسي للمواطنين الفرنسيين. وتجسدت هذه الوضعية من الناحية القانونية بقانون الأهالي و الخدمة العسكرية و الزامية دفع الضرائب و استحالة استفادة المسلمين من الوظائف العمومية كما خضع السكان الأصليون إلى تقييد حرياتهم العامة مثل المشاركة في الاجتماعات و الصحافة و التعليم و حرية التنقل. وأمام وضع الانسداد الذي فرضه الاستعمار ازداد التيار الاستقلالي قوة في الثلاثينات الأمر الذي حمل القائمين على النظام أنذاك على قمع قادته دون هوادة و حظر الحركات السياسية و صحفها التي أصبحت تنشط بسرية إلا أن هذا الوضع ساهم في وعي قادة مختلف الحركات بضرورة توحيد القوى. ويشير المؤرخون إلى أنه في سنة 1943 و في خضم الحرب العالمية الثانية وافق حزب الشعب الجزائري على "بيان الشعب الجزائري" الذي حرره فرحات عباس والذي كرس مبدأ الجزائر المستقلة ليلتحق بذلك بباقي تيارات الحركة الوطنية: علماء و أنصار الاستقلال من أجل حركة أصدقاء البيان و الحرية سنة 1944". حينئذ اعتبر بعض أعضاء حزب الشعب الجزائري أنه حان الوقت للانتقال إلى العمل الميداني واستغلال "ضعف فرنسا" المتورطة في النزاع العالمي. وبعد الحرب العالمية الثانية و انهزام النازية و في الوقت الذي بدأت فيه الحركات التحررية ترى النور عبر العالم و تتطور كان الجزائريون الذين ساهموا في تحرير فرنسا التي كانت تستعمرهم يتتبعون مجرى الأمور. لكن "الوعود" التي قطعتها فرنسا فيما يخص تحرير المستعمرات على النحو الذي انتهجه مستعمرون آخرون لم تتعد مرحلة الوعود الكاذبة. في 8 مايو 1945 خلال الاحتفال بانتصار الحلفاء على النازية نظم مسلمون جزائريون مظاهرات هتفوا خلالها بعدة شعارات تدعو إلى إطلاق سراح مصالي الحاج الذي اعتقل قبلها بسنة في برازافيل و إلى جزائر مستقلة. و تمخضت عن هذه المظاهرات المجازر المأساوية الشهيرة بالشمال القسنطيني التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى و التي تعتبر العامل المفجر لحرب التحرير الوطني قبل الأوان. وبعد مضي سنة على هذه الأحداث حاول مصالي المشاركة في تشريعيات 1946 و أنشأ حركة انتصار الحريات الديمقراطية بصفة قانونية في الوقت الذي أنشأ فيه حزب الشعب الجزائري الذي كان ينشط في السرية المنظمة الخاصة في 1947 من أجل التحضير للكفاح المسلح. و حقق الحزب الجديد فوزا ساحقا خلال الانتخابات البلدية الأمر الذي أقلق كثيرا السلطات الاستعمارية التي قامت بحل المنظمة الخاصة في 1950 في حين ساهم الانقسام في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية في 1953 في تسريع مجرى الأحداث لصالح "المناضلين" المؤيدين للكفاح المسلح من أجل الاستقلال الوطني. وسرعان ما قام هؤلاء بانشاء "مجموعة ال22" ثم "لجنة التسع" التي كانت وراء تفجير ثورة الفاتح نوفمبر 1954 منذ 60 سنة.