ذكر أحد قدماء أعضاء المنظمة الخاصة المجاهد عبد القادر كويني المدعو "ناصر" أن الجزائريين أصروا وتمكنوا من تفجير ثورة الفاتح نوفمبر متحدين الصعاب والمخاطرة التي اكتنفت عملية التلسيح. وقال المجاهد كويني ذي 89 عاما الذي كان ضمن المجموعة التي كلفت بعين تموشنت عشية اندلاع الثورة المظفرة بصناعة القنابل والمتفجرات تحسبا للانطلاق في العمل المسلح "واجهنا صعوبات كثيرة وتحدينا كل العقبات خاصة مسالة التموين بالسلاح وذلك لنكون في الموعد تلبية لنداء الحركة الوطنية ورغبة الشعب الجزائري في استعادة سيادته على وطنه ..." وقد استرجع ناصر في حديثه لوأج الخطوات الأولى التي مهدت لتفجير الثورة وظروف بداية التفكير في الانتقال من العمل السياسي سنة 1948 إلى الكفاح المسلح بعد أن تيقن الشعب بأنه لا جدوى منه خاصة في ظل تعنت المستعمر الفرنسي . وقد تطلب الأمر تأسيس "المنظمة الخاصة" التي كان كويني عبد القادر أحد أعضاء خليتها المحلية بولاية عين تموشنت. ويقول المتحدث في هذا الصدد " لقد تم منذ بداية تأسيس المنظمة الخاصة في 1948 العمل على اختيار أشخاص ذوي حنكة عسكرية أو تجربة في هذا الميدان وقد كنت أنا ضمن المجموعة التي كلفت بتحضير المتفجرات كوني لحاما والعملية تحتاج إلى مثل هذا الاختصاص الحرفي لإنجاز الهياكل الحديدية للقنابل والمتفجرات". كنت رفقة مجموعة بعين تموشنت كان يشرف عليها الشهيد "حمو بوتليليس" قبل أن تتحول هذه المجموعة إلى خلية المتفجرات التي كان لها مهمة تحضير المتفجرات تحسبا لانطلاق الثورة في المنطقة الغربية من الوطن أي الخلية الوحيدة المكلفة بالتموين بهذا النوع من السلاح بكامل الناحية الغربية. في البداية وفي يناير 1949 بادر حمو بوتليليس إلى تنظيم تربص لفائدة ذات المجموعة في مهارات صناعة المتفجرات وقد أشرف عراب محمد المناضل المختص في المجال الذي قدم من الشلف لتأطير هذا التربص الذي نظم بمزرعة ليوم واحد فقط بعين الثريد (ولاية سيدي بلعباس). و"بعد هذا التربص المجاهد ناصر رجعت إلى عين تموشنت وشرعت في قيادة خلية المتفجرات لكننا بعدها بأشهر واجهنا عملية تفكيك المنظمة الخاصة من قبل إدارة الاستعمار التي داهمت جميع مقرات المداومة لحزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية (أم تي أل دي) حيث تم خلال هذه العملية بعين تموشنت حجز سجل كان يضم أسماء أعضاء المنظمة الخاصة بهذه الولاية بالخط الأحمر وتوقيف المناضل مسئول المداومة الذي أقر بهوياتنا تحت وطأة التعذيب". لقد كان ذلك سببا في توقيف معظم أعضاء الخلية من بينهم أنا ورباحي عبد القادر وبوسف بلعوج وميلود أيت أمعمر وبن عودة واضح وغيرهم. "لقد تم اعتقالنا في 12 فيفري 1951 وتمت محاكمتنا في 6 مارس من نفس السنة بتهمة الإخلال بنظام وأمن الدولة حيث تمت أطوار المحاكمة بوهران في حق 47 عضوا للمنظمة الخاصة من مختلف الولايات الغربية معظمهم من ولاية تلمسان". ويتابع قائلا "لقد صدر في حقي حكم بسنة سجن نافذة وخرجت بعدها لاستأنف النضال على مستوى عين تموشنت وتيقنا أنه من الضروري تكثيف العمل لتحضير العمل المسلح وجمع كل الإمكانيات واستغلال كافة الوسائل وكانت سنتي 1952 و1953 مرحلة توسيع الاتصال والتعبئة ". وفي أوت 1953 أمرتنا قيادة الحزب بخلق لجان البطالين كخطوة من أجل هز كيان المستعمرونظمنا تجمعا أمام مقر بلدية عين تموشنت حيث اقتحم المحتجون ذات المقر لكن البوليس الاستعماري تمكن من الكشف عن هوياتنا كمدبرين للعملية وألقي القبض علينا وتمت محاكمتنا مجددا في 12 أوت من نفس السنة وحكم علي ب 18 شهرا سجن بتهمة التمرد وتقلصت العقوبة إلى 6 أشهر بعد أن طعنت في الحكم وحولت المحاكمة إلى وهران. "أتممت مدة العقوبة في السجن العسكري بوهران لكنني خرجت في 4 فيفري 1954 وفي عزالأزمة التي كان يعشيها الحزب و عاودت النشاط على مستوى قسمة عين تموشنت وحاولت رفقة عدد من المناضلين إعادة تنظيم الأمور لكن العمل بالمدينة كان شبه مستحيل لنتحول إلى البادية بعدها". لقد تميز هذا الظرف الزمني يضيف المجاهد كويني بالانطلاق الفعلي في التحضير للعمل المسلح كون جميع الجهود كانت في اتجاه تعليم المناضلين المهارات القتالية واستعمال الأسلحة وكيفية الحصول عليها على غرار ضرورة تأسيس المناطق والفصائل. وفي هذا الإطار تم تعييني رفقة الحاج بن علة للذهاب إلى منطقة الخرايسية (البليدة) من أجل تربص تكويني في مجال صناعة المتفجرات حيث أشرف على هذه العملية أنداك الشهيد مصطفى بن بولعيد حيث استغرقت 36 ساعة وفق منهاج تكويني لم يحظى فيه المتربصون الذين جاؤوا من مختلف مناطق الوطن لا بالراحة ولا النوم. وبعد نهاية التربص أمرنا بتكوين مجموعات الفداء والثوريين في المناطق الريفية في مجال صناعة القنابل والمتفجرات وفق المعارف التي تلقيناها في هذا التربص. شرعنا في المهمة لكنه سرعان ما شكلت صعوبة الحصول على السلاح تحديا كبيرا غير أننا في أوت 1954 شرعنا في النشاط داخل ورشة أسسناها في مزرعة لأحد المناضلين تبعد ب 9 كلم عن مدينة عين تموشنت. وبدأت العملية من خلال جمع المناضلين للأنابيب الفولاذية واتخاذ منازلهم مواقع لجمعها وحفظها وانطلقت بالموازاة رحلة البحث عن أسلحة نارية بعد أن تأكدنا أن موعد انطلاق الكفاح المسلح قد اقترب دون أن يكون لدينا أدنى فكرة عن تاريخ هذا الموعد الذي انتظره الشعب بفارغ الصبر. وفي ذات الورشة شرعنا في صناعة أوعية وهياكل القنابل والمتفجرات لكن عملية تلحيم القطع الحديدية لم تتم بالشكل المطلوب في الوهلة الأولى بسبب عدم تحكم المجموعة في مهارات هذه الحرفة بالشكل المطلوب إلى أن جاء الشهيد أحمد زبانة وشارك في العملية بحكم خبرته وكفاءته الكبيرة في ميدان التلحيم وأتم العمل لنصل إلى صناعة 56 قنبلة متفجرة. وأمام قلة الموارد لا سيما المواد الأولية لصناعة المتفجرات اشتريناها بمبلغ معتبرمن وهران وقمنا بحشوها في الهياكل الحديدية ووضع نظمها وتكفل بعدها مسئول منطقة عين تموشنت ( الممتدة من الرمشي بتلمسان والى غاية حاسي الغلة بعين تموشنت) المدعو واضح بن عودة بنلقها إلى قيادة الولاية بوهران التي تتكفل بدورها عشية اندلاع الثورة بتوزيع الحصص على ولايات الناحية. "وتلت هذه الخطوة عملية جرد الإمكانيات والأسلحة التي قد تكون لدى المناضلين والمواقع التي يفترض أنها تحتوي على المواد الأولية للمتفجرات والقنابل وإبلاغها للقيادة ثم اجتمعنا بعدها ببيت برحو قادة بمنطقة المالح حتى نقترح الأهداف الإستراتيجية بالمنطقة لضربها في عملية بداية العمل المسلح حيث حرصت القيادة على أن يكون ذلك باقتراح من القاعدة" يشير كويني وهو يتحدث عن الأسابيع الأخيرة التي سبقت اندلاع الثورة المظفرة. لكننا وبعد جهد مضني يقول المتحدث لم نتحصل سوى على مسدسين آليين من نوع (7\65) وبندقية مزودة بنحو 47 خرطوشة كانت لدى مناضل شارك في حرب 1945 حيث كانت هذه الصعوبات عائقا حال دون تحقيق أدنى الأهداف في عملية جمع الأسلحة. وقد زادت الخيبة بعد أن شرع في توزيع القنابل والمتفجرات من وهران نحو الولايات المجاورة ومنها عين تموشنت التي تحصلت على حصتها من القنابل منقوصة من اللواحق التي لا يمكن بدون وجودها من تنفيذ العملية. ويتحدث هنا المجاهد كويني عن خدعة جعلت من القنابل الموزعة في 29 أكتوبر أي يومين قبل الموعد دون فعالية في غياب كبسولاتها وأقفالها التي سرقت في مكان ما بوهران. ووجدنا بالموازاة أيضا صعوبات في جمع المال إلى أن جاء عون الاتصال كرارمة بن عودة في اليوم الموالي بخبر موعد اندلاع الثورة بأمر من مسئول الولاية العربي بن مهيدي وأتى أيضا بالمناشير التي تحتوي على رسالة الثورة التي وجهتها القيادة إلى الشعب الجزائري. في وقت تفجير الثورة كنت ضمن مجموعة تضم 12 عنصرا خرجنا ليلتها من مدينة عين تموشنت وتوقفنا عند الجبل المتاخم لشاطئ سيدي جلول وكنا ننتظر المجموعة الأخرى التي كانت قادمة من المالح أملا في أن تكون مزودة بالسلاح الكافي لضرب الأهداف منها محطة الوقود وبعض النقاط العسكرية للمستعمر. ولكن مجموعة المالح وبسبب عدم تمكنها من الأسلحة قامت ليلة شعلة نوفمبر بمشاركة العملية بطريقتها متحدية صعاب توفر السلاح حيث قامت بوضع الصخور على خط السكة الحديدة بموقع شعبة اللحم بعين تموشنت لعرقلة سير حركة القطار ودفعه إلى الانحراف كتسجيل محلي لبداية العملية التي بدأت في مختلف أرجاء البلاد. وتابع يقول "وبعد ذلك علقنا أمالنا على مجموعة وهران بقيادة شريط علي شريف الذي خطط لمداهمة الثكنة العسكرية ليلتها بوسط مدينة وهران بغرض استغلال فرصة انهماك المستعمر بمختلف الضربات التي قام بها المجاهدين في مختلف المناطق لكن مجموعة شريط لم تعثر على السلاح كون المستعمر قد سبق بتحويل الذخيرة والسلاح وإخفاءها". وذكر المجاهد كويني أن العمل الميداني لم يتوقف على الرغم من شح الوسائل والأسلحة وإنما استمر بالعزيمة والإرادة وفطنة المجاهدين وذكاءهم البارع بتحدى كل هذه الصعاب التي تلاشت مع أكتوبر 1955 بعد أن شرعت قيادة الثورة في شراء الأسلحة من الخارج حيث بدأ الانفراج وخطت الثورة نحو مراحل كفاح وبطولات كبيرة. ويرى المتحدث أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة الغربية المسطحة والطوق الأمني الذي وضعه المستعمر ما بين الجهات كانا أيضا من أبرز أسباب قلة موارد السلاح نحو المناطق الغربية للوطن وبعدها عن منطقة الأوراس التي حظيت بتوفر الأسلحة منذ فجر الثورة.