سيتجدد موعد مدينة قسنطينة العريقة و مهد الحضارة مع التاريخ الخميس المقبل و هو اليوم الذي ستتوج فيه للمرة الأولى و لمدة سنة كاملة عاصمة للثقافة العربية. و لم تنل هذه المدينة التي ولد بها الإمام عبد الحميد بن باديس هذا الشرف من قبيل الصدفة و لا بسبب مكانتها المعروفة لدى الجميع كقطب ثقافي من الطراز الأول فحسب و إنما أيضا بسبب ثرائها التاريخي و مسار رحلتها عبر العصور. لقد قطعت هذه المدينة رحلة حافلة بالأحداث كانت في بعض الأحيان صاخبة و غالبا ما تخللتها أحداث تاريخية تستحق التقدير مليئة بالمواقف الشجاعة و الأعمال البطولية الناجمة عن الرفض القاطع لجميع أشكال الاستعباد. ففي الواقع و حتى و إن كان الحديث عن مدينة عريقة يزيد عمرها عن ألفي سنة يجلب إلى الذهن لا محالة اسم مدينة قسنطينة إلا أن تاريخ مدينة الصخر العتيق يعود إلى مليون سنة مثلما تؤكده التحف الدائرية الشكل التي تم العثور عليها بسطح المنصورة في1945 إضافة إلى وسائل يستعملها الإنسان البدائي. رفض الخضوع و حتى و إن مرت على موقع الصخر فيما بعد عدة حضارات تركت آثارها من خلفها: نوميديون و فينيقيون و رومانيون و بيزنطيون و عرب و أتراك و فرنسيون إلا أنه كان أيضا أرضا خصبة لعديد المقاومات مثل مقاومة الحاج أحمد باي في 1836 و رجال الفداء (من بإمكانه نسيان مسعود بوجريو و رفاقه في الكفاح ) و زيغود يوسف و مقاومة جميع القسنطينيين و القسنطينيات الذين رفضوا مثل جميع أبناء هذا الوطن الخضوع و الاستسلام. كما تعد مدينة قسنطينة التي تقبع على صخرة كبيرة و التي أحسنت المقاومة على مر العصور أرضا للمفكرين. و سيكون من الصعب ذكر جميع المفكرين لأن استحضار قسنطينة يجعل ذهن الجميع يتجه على الفور لعبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين و أحد الشخصيات البارزة في الإصلاح الإسلامي بالبلاد فابن باديس الرجل ذو الأصول البربرية التي تعود للزيريين و الذي كتب في أحد أيام شهر أبريل من سنة 1936 "الأمة الجزائرية ليست فرنسا و لا يمكنها أن تكون فرنسا و لا تريد أن تكون فرنسا". كما يؤدي ذكر اسم قسنطينة إلى استحضار كل من ماسينيسا ابن قاية و هو الملك الموحد المحبوب و قسطنطين الأول الأكبر الذي تحمل مدينة الصخر العتيق اسمه و رضا حوحو أب الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية و مالك حداد و كاتب ياسين ومحمد الطاهر فرقاني و أحلام مستغانمي و بنيامين ستورا و توفيق بسطانجي و ريمون ليريس و أيضا الكثير من الجيل الجديد مثل حسيبة بولمرقة و علي سعيدي سياف و آخرون. القلب النابض للعالم العربي في غضون الساعات القادمة ستكون قسنطينة القلب النابض للوطن العربي بأكمله و حتى تكون المدينة جاهزة في اليوم المحدد و حتى تكون في مستوى التطلعات و تشرف الجزائر عمل بكد و جد رجال و نساء ليلا و نهارا في محيط لم يكن دوما ملائم بل كان في بعض الأحيان غير مقدر و صعب للغاية. من المؤكد لن يكون كل شيء مثالي حيث سيجد الكثير ما يقولونه حول كل بناية من البنايات المشيدة بمناسبة هذا الحدث حيث لا تزال هذه التظاهرة الكبرى الأكثر أهمية بالنسبة لقسنطينة التي لم يسبق لها تنظيمها و لا معايشتها- محل مهاترات كلامية. لكن التاريخ سيذكر بأن قسنطينةالمدينة الأثرية التي ستجدد موعدها مع التاريخ يوم 16 أبريل ستتخطى جميع التقلبات و العقبات بنفس الطريقة التي عبرت بها جسورها وادي الرمال كما سترفع التحدي بفضل إرادة و عزم الرجال.