تعد معركة إمزي التي جرت وقائعها بضواحي عين الصفراء بولاية النعامة في مايو 1960 واحدة من الأحداث التاريخية البارزة التي أثبتت إستحالة القضاء على لهيب ثورة التحرير المظفرة. ورغم وصف هذه المعركة بالجحيم كونها شاهدة على بشاعة الإحتلال الفرنسي إلا أنها كانت حدثا نضاليا إضافيا في مسار دعم قضية تحرر شعب مكافح في المحافل الدولية. - معركة إمزي ... مواجهة أكسبت الثورة صدى إعلامي و عسكري وكانت مواجهة عناصر جيش التحرير الوطني بالرغم من قلة عدتهم و عتادهم في هذه المعركة التي تسلسلت أحداثها أيام 6 و 7 و8 مايو 1960 فريدة و استطاعت أن تكسب ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 صدى إعلاميا وعسكريا كبيرا بتصدي المجاهدين الأشاوس لإستراتيجية العدو الرامية إلى قمع الثورة وعزلها. ومن الآثار الإيجابية لهذا الحدث التاريخي في مسيرة الكفاح الثوري التصدي لعمليات شال العسكرية وتنفيذ المجاهدين لخطط عسكرية بدهاء مكنت من توفير دعم معنوي وإسماع صوت و صدى الثورة الجزائرية المنبعث من جبال الأطلس الصحراوي التي لها رمزية تاريخية. وكان جبل إمزي الذي يؤدي إلى سلسلة جبال أخرى بمنطقة الجنوب الغربي للوطن على غرار مرغاد و شماريخ و بوعمود و عيسى من المناطق العسكرية المحرمة على المدنيين منذ إندلاع الثورة التحريرية إلى غاية وقف إطلاق النار و الحصن الحصين لكتائب الثورة التحريرية المباركة وشهد العشرات من المعارك و الكمائن و الإشتباكات وزرعت أراضيه بالعبوات الناسفة التي أربكت العدو و جعلته يعد خطواته قبل أي توغل به كما يؤرخ هذا الجبل لقوافل الشهداء الذين سقوا أراضيه بدمائهم الطاهرة. -إصرار جيش التحرير الوطني على مواجهة وحشية العدو- وخلال معركة إمزي كان رد فعل العدو عنيفا وبوحشية إثر هزيمته و تكبده لخسائر جسيمة ميدانيا واستعمل المستعمر حينها قنابل فتاكة إلا أن ذلك ساهم في إسماع صوت الثورة المسلحة على الساحة الدولية وزاد من إصرار وعزيمة جيش التحرير للتأكيد على العمل المسلح كحل لإسترجاع الحرية و تعطيل تقدم العدو عبر نطاق الشريط الحدودي. وتفيد الشهادات التي قدمها المجاهد خليفي بونوة من عين الصفراء متحدثا ل"وأج" أن المعركة جرت قبيل إستعدادات حثيثة لقيادة المنطقة الثامنة التابعة للولاية التاريخية الخامسة للتوغل في عمق التراب الوطني و محاولة تمركزها بعيدا عن الشريط الحدودي ضمن خطة لإعادة تنظيم العبور والرفع من نشاط التسيير الحربي وتعزيز الإتصال بين القادة سيما بعد سقوط و استشهاد العقيد لطفي قائد المنطقة الثامنة رفقة نائبه الرائد فراج في معركة بشار في 27 مارس 1960 . و ذكر المجاهد بونوة أن حصول فرنسا على وثائق و معلومات مؤكدة عن تحرك جيش التحرير للعبور عبر جبال المنطقة جعلها تجند قوة عسكرية كبيرة على مدى شهرين تم خلالها حشد القوات و تحضير الهجوم على المنطقة لتعطيل تحركات و عبور قوافل المجاهدين وتشتيت خططهم التنظيمية. ووقعت المعركة أثناء تحرك الفيلق الثاني لجيش التحرير الوطني بقيادة حميد بونوار و نائبيه بن نويس عبد القادر و بوشويرب غرمولي الذي كان يتشكل من خمس كتائب عبر مناطق العبور بالعوين الزرقة و منطقة الحاج ميمون للمرور نحو جبل خروبة ثم إلى جبل بوعمود من أجل إتاحة مرور بقية الكتائب بإزالة الأسلاك الشائكة على مستوى واد العريشة. و بعد بلوغ واد بني أحمد وقطع مسالك وعرة بمنطقة بوشطوف على ظهور الدواب و بتوجيه من السكان المحليين على دراية بمسالك المنطقة الوعرة تم تأمين الطريق وتحضير الدخول بقوة و احتمال التصدي للإصطدام بالعدو وذلك بإعداد المجاهدين لنظام دفاع دائري وبوضعيات مختلفة للكتائب وحماية للقادة في وسطها حسب تلك الشهادة. -إستشهاد العديد من رفقاء السلاح تحت وابل من قذائف النابالم الحارقة- وفي فجر يوم 6 مايو 1960 بدأ تطويق العدو للمنطقة بالطلعات الجوية و تحرك عدد هائل لقواته وتبع سقوط أولى قذائف القصف المروحي لجبل إمزي زحف بري لعساكر فرنسا غير أن ثبات و حسن تمركز المجاهدين مكن من القضاء على عدد كبير منهم وفي اليوم الموالي شهدت المعركة معاودة قصف كثيف حول مرتفعات الجبل إلى لهيب وكانت الصواريخ الحارقة لقنابل النبالم المصحوبة بالغازات السامة تتهاطل على الجبل وفقا لشهادات المجاهد خليفي بنوة. و يتذكر هذا المجاهد الذي كان متواجدا في جبهة القتال بأن عددا كبيرا من أفراد الكتائب الثلاثة لمجاهدي جيش التحرير الوطني وخصوصا الفيلق الثاني وبقية العناصر التي شاركت في هذه المعركة تعرضوا لحروق جراء قنابل النابالم الحارقة. كما تدخلت المدرعات والطيران لتشتعل المعركة أكثر فأكثر مما أسفر عن استشهاد العديد من المجاهدين والسلاح في أيديهم . -عزيمة وصمود حتى الإستشهاد في سبيل إسماع صوت الحرية و الإستقلال--- غير أن ذلك لم يثن من عزيمة وإستماتة وصمود هؤلاء الأشاوس وهم من المقاتلين و المسبلين الذين آثروا الإستشهاد من أجل نيل الحرية و الإستقلال وتمكنوا بذلك من قتل عشرات الجنود الفرنسيين وهذا قبل انسحاب ما بقي من ثوار جيش التحرير الوطني من الناجين من القصف الهمجي وإلتحاقهم بمواقع أكثر أمنا و تمكن بعضهم الآخر من الإفلات من عملية التطويق بعد غروب الشمس وانتشار ظلمة الليل. وكانت حصيلة مجريات ثلاثة أيام من تصدي المجاهدين لغطرسة الإحتلال في هذه المعركة 101 شهيدا و 74 جريحا و 46 مجاهدا أسرهم العدو إلا أن المجاهدين تمكنوا من إسقاط ست (6) طائرات حربية للعدو وألحقوا خسائر كبيرة في العتاد وقتلوا عشرات الجنود الفرنسيين . وقد نفذ الهجوم البري أكثر من 2.400 عسكري فرنسي بغطاء جوي ضمنته 60 طائرة و مروحية حربية التي قصفت بالصواريخ و قنابل ناسفة لعدة مواقع بجبل إمزي حسب الأرقام التي قدمها ذات المجاهد الذي لا يزال يحتفظ بذاكرة قوية و هو يروي هذه الأحداث بدموع وبافتخار وحب لهذا الوطن . وإختتم المجاهد بونوة قوله "لقد حققت ثورة التحرير المظفرة الإنتصارات المتتالية التي أفقدت العدو الفرنسي صوابه آنذاك فلجأ إلى الإنتقام باستعماله هذه الأسلحة الفتاكة وزرع الرعب في أوساط السكان بالإستعمال المكثف للقنابل الحارقة (نابالم) ضد مواقع جيش التحرير الوطني حيث لا يزال عديد المجاهدين على قيد الحياة يحملون آثار الحروق الناتجة عن استعمال هذا السلاح الحربي المحظور بموجب اتفاقيات دولية.