اتخذت الأزمة السياسية التي تعيش على وقعها فنزويلا منذ فترة، منعرجا خطيرا منذ إعلان السلطات الانتخابية عن تعليق جمع التوقيعات لتنظيم استفتاء حول إقالة الرئيس نيكولاس مادورو من منصبه، الأمر الذي رأت فيه المعارضة "انتهاكا للدستور" وطالبت على خلفيته الجماهير، بالخروج في مظاهرات حاشدة ودعت إلى إضراب عام غدا الجمعة في كافة مؤسسات البلاد. فقد تسبب قرار السلطات الانتخابية الفنزويلية تعليق عملية جمع التواقيع لتنظيم استفتاء حول إقالة الرئيس إلى أجل غير مسمى، وإعلان القضاء عن منع زعيم المعارضة إنريكي كابريليس، وسبعة قياديين آخرين من مغادرة البلاد، في إذكاء التوتر القائم بين السلطة والمعارضة منذ فترة على خلفية الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها البلاد والتي تعجز الحكومة عن إيجاد مخرج لها. فكان يفترض أن تقوم المعارضة، المجتمعة حول طاولة الوحدة الديمقراطية، في 26 و27 و28 أكتوبر الجاري، بجمع تواقيع 4 ملايين شخص، أي 20 بالمائة من الناخبين، لتنظيم استفتاء حول إقالة الرئيس من منصبه، الأمر الذي رأت المعارضة في إلغائه "انتهاكا للدستور" وطالب البرلمان -الذي تشغل المعارضة أغلب مقاعده - على إثره بفتح محاكمة سياسية للرئيس مادورو بتهمة "التعدي على النظام الدستوري للبلاد"، وهو ما وصفه مادورو ب"الانقلاب البرلماني". ومن أجل إيجاد مخرج للأزمات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها فنزويلا، إتفقت الحكومة وأحزاب المعارضة على عقد جلسة محادثات عامة يوم 30 أكتوبر في جزيرة مارغريتا. مظاهرات حاشدة ودعوات لتنظيم إضراب عام احتجاجا على إلغاء الاستفتاء واستجابة لدعوات المعارضة، خرج مئات المتظاهرين في فنزويلا للمطالبة برحيل مادورو عن السلطة، في احتجاجات شابتها أعمال عنف متفرقة تسببت في مقتل شرطي وإصابة 20 متظاهرا إلى جانب اعتقال 80 آخرين حسب التقارير الميدانية. وتهدف المعارضة من هذه المظاهرات الحصول على تأييد شعبي لصالح بدء الإجراءات ضد مادورو للنظر في مسؤوليته الجنائية والسياسية، والتقصير في أداء واجبه. ومن أجل حشد دعم أكبر، دعت المعارضة إلى تنظيم إضراب عما يوم غد الجمعة لمدة 12 ساعة، هدد الجيش الفنزويلي بإفشاله. وفي هذا الصدد أكد النائب ورئيس الحزب الاشتراكي الفنزويلي، دويسدادو كابيو أن أي شركة تتوقف سيسيطر عليها العمال والقوات المسلحة. وتتهم السلطات والرئيس مادورو الشركات بالتحالف مع المعارضة "اليمينية" لزعزعة استقرار الحكومة في إطار "حرب اقتصادية". وبهدف تهدئة الوضع، دعا مادورو مجلس الدفاع الوطني - باعتباره أعلى هيئة استشارية في الدولة لتخطيط وتقييم المسائل المتعلقة بالدفاع عن البلاد- إلى إيجاد حل للأزمات السياسية والإقتصادية والاجتماعية على "أساس دائم". كما دعا كافة الأطراف إلى المشاركة في المرحلة الأولى من الحوار بين الحكومة والمعارضة والمقرر يوم الأحد المقبل بجزيرة مارغريتا. شبح الانهيار الاقتصادي يحوم على عملاق النفط اللاتيني المتتبعون للوضع في فنزويلا يقدرون أن المشكلات التي يمر بها هذا البلد، ترجع إلى فشل النموذج الإقتصادي الذي تقوده الدولة والسياسيات الاقتصادية الفاشلة المتبعة من قبل السلطة، والقائمة على عائدات النفط التي تشكل 96 بالمائة من إجمالي الإيرادات. ومع انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، تجد السلطات الفنزويلية صعوبة في إعادة دفع العجلة الإقتصادية للبلاد، الأمر الذي اضطر الرئيس مادورو إلى إجراء عدة جولات خارجية، بهدف إقناع الدول المنتجة للنفط بالعمل من أجل إعادة الاستقرار لأسواق النفط. وتشير التقديرات إلى ارتفاع معدل التضخم في هذا البلد اللاتيني الذي يمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم، إلى 500 بالمائة خلال العام الجاري مع توقع بلوغها 1600 بالمائة في 2017. ويواجه السكان نقصا خطيرا في مواد أساسية وغذائية إلى جانب فقدان أكثر من 70 بالمائة من الأدوية، مع استهلاك احتياطي العملات الأجنبية المخصص للاستيراد، ما يدفع بالشعب إلى الوقوف في طوابير طويلة لساعات لشراء احتياجاتهم من المتاجر. ووفقا للتقارير فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق في السوق السوداء في ظل استمرار نقص المنتجات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة. ويعاني المواطنون في فنزويلا من انقطاعات متكررة في الإمدادات بالكهرباء والمياه، ببسبب محاولة الحكومة خفض فاتورة استهلاك الكهرباء والمياه. ومن تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية، إنخفاض قيمة البوليفار الفنزويلي -العملة الرئيسية لفنزويلا- بشكل حاد حيث فقد تقريبا كل قيمته أمام الدولار الأميركي. فمنذ بداية العام 2012 وحسب أسعار السوق السوداء، فإن البوليفار انخفض بنسبة 99 بالمائة أمام الدولار الأميركي، حسب تقديرات المختصين.