تمر فنزويلا بأزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية لم تر مثلها منذ زمن بعيد وتمر بأسوأ فترة لها في تاريخها، وينقسم الفنزويليون بين مؤيد لمادورو ومعارض له، وهناك مطالبات شعبية لعمل استفتاء للإطاحة بالرئيس، وعمدت المعارضة اليمنية إلى جمع مليوني صوت مطلع الشهر الجاري لبدء إجراءات تقضي باستفتاء نهاية العام الجاري لإقالة الرئيس. وكان مادورو قد أعلن يوم الجمعة 13 ماي حالة الطوارئ في البلاد لمدة 60 يومًا، واتهم في كلمة متلفزة واشنطن أنها تتعاون مع معارضة "اليمين الفاشي" الفنزويلي ليفعلوا نفس "الانقلاب" الذي حدث في البرازيل، واتهمها بأنها تريد إنهاء التيارات التقدمية في أمريكا اللاتينية، علمًا أن البيت الأبيض عبر يوم الاثنين عن قلقه إزاء الوضع السياسي في فنزويلا ودعا الرئيس إلى التحاور مع معارضيه.
وكان آلاف المواطنين تظاهروا في كراكاس ومدن أخرى في فنزويلا تلبية لدعوة المعارضة للمطالبة بإجراء استفتاء لإقالة مادورو وتوجهوا نحو مقرات المجلس الوطني الانتخابي، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات، وعمد المتظاهرون إلى مهاجمة المحال التجارية في العاصمة ونهب الأغذية والمشروبات بذريعة أن "أبناءهم يموتون من الجوع من انعدام الأغذية والأدوية ولا يوجد كهرباء ولا ماء في البيوت ولا يملكون المال لشراء ضرورات الحياة الأساسية".
وتعتمد فنزويلا على إيرادات النفط بمعدل 98% والكارثة حدثت بعد انهيار أسعار النفط في منتصف 2014 إلى مستويات 30 دولارًا للبرميل، إذ تأثر الاقتصاد الفنزويلي كثيرًا وباتت البلاد تعيش أزمة اقتصادية حقيقية أدت لتفشي الجوع والفقر والمرض والفساد والجريمة والحكومة تعيش حالة من الإفلاس منذ أكثر من عام وتعجز عن توفير متطلبات الحياة الضرورية؛ ما أدى لفرض حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد منذ منتصف جانفي، حيث قام مادورو بتمديدها مجددًا لمدة ثلاثة أشهر إضافية بدءًا من الشهر الجاري، وأصدر أوامره للسلطات بوضع يدها على المصانع التي توقفت عن الإنتاج وسجن ملاكها، وقال"سنتخذ كل الخطوات كي يستعيد الاقتصاد عافيته بعد أن أصابه البرجوازيون بالشلل".
وسبق هذا أيضًا مرسومًا في شهر أفريل باعتبار يوم الجمعة عطلة رسمية في البلاد إلى جانب السبت والأحد وبالتالي تقليص أيام العمل إلى أربعة أيام في مسعى منه لتوفير الطاقة في الدولة التي تشهد انقطاعًا متكررًا في الكهرباء وقامت الحكومة كذلك بتقديم الساعة لتوفير الطاقة الكهربائية.
تدفع فنزويلا ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية، وبحسب التقارير الاقتصادية، حيث ان البلد ستكون خلال عامين من الآن بحكم المفلسة.
إذ بدأت الحكومة الفنزويلية منذ شهر فيفري الماضي القيام بإجراءات لتلافي الوقوع في الإفلاس أبرزها رهن كميات كبيرة من احتياطياتها الذهبية للحصول على قروض من بنوك عالمية، حيث قالت مصادر إنه تم نقل 36 طنًا من الذهب إلى سويسرا خلال شهر جانفي الماضي، الجدير بالذكر أن احتياطيات فنزويلا من الذهب تقدر بحوالي 302 طن من الذهب حتى شهر أفريل من العام الماضي، علمًا أنها كانت تقدر ب 366 طنًا من الذهب حتى فيفري عام 2012 من بينها 316 طنًا مخزنة لدى البنك المركزي الفنزويلي في العاصمة كراكاس و50 طنًا مخزنة في لندن لدى بنك إنجلترا المركزي.
وكانت الحكومة الفنزويلية اضطرت في ديسمبر الماضي إلى استئجار 36 طائرة من طراز إير باص لإحضار أوراق العملة الفنزويلية البوليفار من مطابع في سويسرا وبريطانيا وفرنسا، وهي إشارة إلى تراجع قيمة البوليفار كثيرًا وأن المواطن بات يحتاج إلى حقيبة لحمل العملة لشراء حاجياته.
كما أن شركة النفط الوطنية الفنزويلية ذراع الحكومة لإنتاج وتكرير النفط في البلاد تدين بديون ضخمة تصل قيمتها إلى 46 مليار دولار فضلًا عن ديون تجارية تصل إلى 35 مليار دولار، وهذا يصعب من مهمة الحكومة لإنقاذ الشركة وخدمة ديونها في أوقاتها المستحقة في ظل ما تعانيه من شح في إيرادات النفط المورد الأساسي للحكومة، وبحسب الحكومة فإن خزانات المياه البالغ عددها 18 في البلاد تعاني من الجفاف بسبب الظواهر المناخية الحادة التي تعرضت لها البلاد في الفترة الأخيرة، بالتالي فإن توفير المتطلبات الأسياسية للشعب بالنسبة للحكومة ستكون عسيرة.
نشر المصرف المركزي الفنزويلي في منتصف جانفي الماضي أرقامًا تفيد أن معدل التضخم بلغ 144% مقارنة بآخر أرقامه المنشورة في ديسمبر من عام 2014 والتي قدر فيها حجم التضخم بحوالي 68.5%، بينما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي في منتصف ديسمبر أن التضخم في فنزويلا سيبلغ 750% خلال العام الجاري من مستوياته الحالية البالغة 275% أي أن الأسعار ستتضاعف بحدود 8 مرات بنهاية العام الحالي من مستوياتها الحالية، وتعد مستويات التضخم في فنزويلا هي الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500% في عام 2017 حسب بلومبيرغ.
كما أن دخل الفرد انخفض إلى أكثر من 300% بين عام 2013 وعام 2015، أي أنه انخفض من حوالى 12 ألف دولار في السنة إلى أكثر قليلاً من 4 آلاف دولار بحساب القيمة الشرائية، ويلقي المصرف المركزي الفنزويلي باللوم على تجار العملة في السوق السوداء، حيث يقول في تقريره الأخير إن 60% من الزيادة في التضخم تعود إلى تجار العملة، الذين يضاربون على العملة الفنزويلية مقابل الدولار، وهبطت قيمة البوليفار في السوق السوداء إلى مستويات منخفضة جدًا وبحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية أشارت في تقرير سابق أن البوليفار هبط بمقدار 97% منذ 2013 ، حيث يتوفر في الأسواق الفنزويلية سعر الحكومة الرسمي وسعر السوق السوداء ويتضاعف سعر صرف الدولار في السوق السوداء بمعدل 150مرة عن أسعار الصرف الأخرى الموجودة في السوق.
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن معدل الانكماش الأعلى في العالم يعود لفنزويلا إذ بلغ حوالي 10% في العام الماضي بينما بلغ أعلى معدل نمو في العالم لإثيوبيا إذ بلغ 8.7%.