تعثر مسار التسوية في ليبيا سنة 2019 بفعل العدوان العسكري الذي تشنه المجموعات المسلحة بقيادة الضابط المتقاعد خليفة حفتر منذ شهر أبريل على العاصمة, طرابلس, مما وجه ضربة موجعة لكل المساعي الوطنية و الدولية لإخراج البلاد من الازمة التي تعصف بها منذ 2011 . ففي الوقت الذي علقت فيه الآمال لتحقيق هذا الانفراج في خضم بوادر التوافق الكبير بين أطراف الازمة لتنظيم حوار وطني شامل وتثمين بنود الاتفاق السياسي لسنة 2015 وكذا الجهود الدولية والتوجه إلى انتخابات عامة في البلاد, عاش الليبيون خيبة أمل خلال السنة المنصرمة بفعل هذه الحرب المفاجئة التي أرجعت عقارب الساعة الى الوراء وأغرقت البلاد في وضع معقد, صعب من رسم ملامح مخطط الحل النهائي. وبعد التقدم الايجابي المحرز في الملف الليبي سنتي 2017 و2018, جاء الهجوم العسكري على طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا, برئاسة فايز السراج, ليفشل كل خيار سياسي سلمي انخرطت فيه الاطراف الليبية برعاية الاممالمتحدة وبدعم من دول الجوار. وهو ما أدى الى تأجيل المؤتمر الوطني الجامع الذي كان سيطرح مبادرة سياسية لتعديل الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 2015 واعادة توزيع السلطات بين الطرفين لا سيما في العاصمة طرابلس تحت قيادة حكومة الوفاق وبرلمان طبرق (شرق البلاد) في اطار توحيد مؤسسات الدولة. == أجندات دولية وراء تدهور الوضع وتأكيد على الدور الافريقي == إن المتتبع للأوضاع في ليبيا, يدرك أن الحرب قائمة بتأثير أجندات إقليمية ودولية تحوم كلها حول" نهب الخيرات الطبيعية للبلد" على رأسها النفط والغاز والمعادن المنجمية (اليورانيوم), حيث تسعى كل واحدة منهم لحشد الدعم الدولي لنظرتها في إدارة الصراع, و تسعى لايجاد موطأ قدم لها على ارض ليبيا الغد. ومع نهاية 2019, احتدم الصراع بين الأطراف الفاعلة في هذا البلد بعد ظهور دولا جديدة مؤثرة, على الساحة, كروسيا التي تسعى من جهتها للرمي بثقلها في الملف الليبي, بينما بقيت الولاياتالمتحدة حاضرة من خلال اعتماد سياسة "التهدئة" والتحفظ في اتصالاتها مع اطراف الازمة, لكن الكل, ظاهريا, يدعو لمسار تسوية وفق بنود الاتفاق السياسي الموقع عليه تحت مظلة الاممالمتحدة في 2015. ولم تهدأ الحرب بعد, لتظهر تركيا في المشهد الليبي من خلال توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الامني مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا, في 27 نوفمبر الماضي, مما أثار انتقادات دولية كون هذا "سيفتح الباب الليبي أمام أنقرة وبالتالي تأجيج الصراع الليبي". ويرى الملاحظون, من جهة أخرى, في خضم هذه التطورات, انه من الضروري الاخذ بدور دول الجوار (الجزائر وتونس ومصر) وعلى رأسها الجزائر- التي رافعت منذ البداية من أجل "عدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية" وعلى انه "لا حل عسكري للازمة" و "لا بد من ايجاد حل ليبي-ليبي". وهو الامر الذي يدعمه الاتحاد الافريقي, إذ أكد مرارا على انه لا حل للازمة الليبية الا من "خلال مشاركة دول المنطقة" ودعا الى ضرورة تغيير المقاربة المعمول بها في معالجة الاوضاع في هذا البلد حيث ابرز مجلس السلم والامن للاتحاد أن الطرق المنتهجة منذ ثمان سنوات بشأن الملف الليبي "لم تأت أكلها", وهو ما "يستدعي وضع مقاربة افريقية وبمشاركة دول المنطقة نفسها" قبل البحث عن اي مساعدة خارجية لحل الازمة. وبقيت المساع الاممية من جهته "تراوح مكانها" بعد عجز ستة مبعوثين أممين الى ليبيا منذ اندلاع الازمة سنة 2011, في احتواء الوضع الامني المتردي في البلد والدفع بالأطراف الليبية للانصياع الى دعوات مواصلة المسار السياسي. وقد شددت البعثة الاممية التي يقودها الوسيط غسان سلامة التأكيد على أنه "لا يوجد حل عسكري للأزمة الليبية في وقت بقيت فيه قوى إقليمية تدعم طرفي النزاع سياسيا وعسكريا رغم تمسك أخرى بضرورة وقف القتال". وفي خضم المواقف المتضاربة عجز مجلس الأمن الدولي عن بلورة حل أو موقف موحد وخاصة بعد تعطيل الولاياتالمتحدة وروسيا وفرنسا مشاريع قرارات تقدمت بها من قبل بريطانيا تصب في هذا المنحى. == مهمة اوروبية مرتقبة مع تواصل المساع الليبية للخروج من النفق == ان التداعيات الخطيرة للازمة الليبية لا سيما الهجرة غير الشرعية التي باتت تهدد عقر الدار الاوروبية والارهاب الذي اصبح خطرا على الامن الدولي دفع اليوم الى ضرورة التفكير في حل الازمة الليبية سلميا بعد ان اكدت كل "الاساليب العسكرية فشلها" وكذلك بالنظر الى المصالح الاوروبية المعطلة في هذا البلد. ويبرز هنا الدور الذي لعبه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني, فائز السراج, الذي كثف من تحركاته الدبلوماسية الى العديد من العواصم الأوروبية بحثا عن حل سلمي لازمة العاصمة طرابلس لا سيما من خلال زيارة ايطالياوفرنسا والمانيا وبريطانيا, باعتبار هذه الدول من البلدان الاكثر تأثيرا في القرار الاوروبي والدولي. ولم يعد الحديث عن الحل السياسي بشكل جدي الا مع انتظام قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في فرنسا نهاية الشهر الماضي, حيث ساهم التوافق الايطالي-الفرنسي في بلورة موقف أوروبي موحد لتنظم اليهما فيما بعد ألمانيا التي بقيت على الهامش طويلا قبل ان تبدو اكثر استعدادا لأداء دور تنسيق جهود جارتيها الاوروبيتين من خلال اقتراح تنظيم مؤتمرا قريبا في برلين للدفع بمسار الحوار السياسي للخروج من الازمة. والى جانب مؤتمر برلين الذي لكم يتم تحديد تاريخ انعقاده بعد, هناك حديث عن تنظيم ملتقى ليبي-ليبي يجمع طرفي النزاع وهو ما اعلنه المبعوث الاممي غسان سلامة, الذي يسعى الى إعادة إحياء مشروع خارطة طريق تسهم في بلوغ الحل السلمي باشراك كل الليبيين, كما تتطلع اليه ايضا دول الجوار. ويجمع الملاحظون اليوم على إن الوصول الى حل في ليبيا يتطلب تكثيف للجهود وتحقيق توافق داخلي, واقتناع كل فئات الشعب الليبي بانه لا جدوى من الحرب وبضرورة الجنوح إلى السلم والتفاوض, والا سينزلق الوضع في البلاد نحو المجهول ويفلت نهائيا من يد الليبيين. والى جانب الخسائر في الارواح وارتفاع عدد المهجرين بفعل الحرب في ليبيا, عرف الاقتصاد تدهورا كبيرا مما صعب من ظروف الحياة و عقد التكفل بالحاجيات الضرورية للمواطنين بالرغم من الجهود التي تبذلها حكومة الوفاق الوطني على كل الاصعدة في ليبيا.