على الرغم من أن بعضها مغلق أمام الزوار لسبب أو لآخر, تبقى المساجد العتيقة بعديد المناطق بباتنة تحفا أثرية تفوح بعبق التاريخ ومنارات كانت تشع بالعلم والمعارف وما زالت إلى اليوم تحتفظ بجاذبيتها رغم حاجتها الماسة إلى التثمين ورد الاعتبار. فهي إلى جانب طابعها العمراني المميز المستمد من تراث الجهة الذي يعتمد على فن العمارة الطوبية والحجرية فإنها كانت إلى زمن قريب صرحا للإشعاع الديني والفكري وكذا الإصلاح الاجتماعي لتجمع بذلك بين أمور الدين والدنيا. وتحصي في هذا السياق مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بالولاية 6 مساجد تاريخية عتيقة بمناطق متفرقة من الولاية, حسب ما أكده لوأج رئيس مكتب الشعائر الدينية والأوقاف, نذير سعادة بذات المديرية. ومن أبرز هذه المعالم التي ما زالت في حالة جيدة وتستقطب إليها المصلين المسجد العتيق بقلب مدينة مدوكال الذي يعود تاريخ بنائه وفق المصدر إلى القرن السادس الهجري أي إلى عهد الولي العربي بن عمر بن حفصي حيث تم تشييده من طرف العائلات التي كانت تشرف على القرى العربية المفتوحة بعد الفتح الإسلامي. وما يزال هذا المسجد المتواجد بقصور مدوكال العتيقة التي قاومت بناياتها الطينية العوامل الطبيعية لقرون عديدة يؤدي وظيفته الروحية و الاجتماعية بعد أن تم ترميمه لعدة مرات بمبادرات محلية لحرص سكان المدينة على المحافظة عليه وباقي معالم القصور التي تم تشييدها داخل واحة خضراء وسط الرمال. أما باقي المساجد الخمسة فقد تم الإبقاء عليها مغلقة للحفاظ عليها من التردي وفي مقدمتها مسجد أولاد سيدي بلعباس الذي يقع بالمكان المسمى "حي دار سيدي الشيخ" غير بعيد عن الدشرة القديمة بمنعة وأسسه على بقايا آثار رومانية الشيخ محمد الأصغر بن سيدي أبو بكر في سنة 1700 ميلادي كامتداد لزاوية بن عباس القادرية التي يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1660 من الميلاد بقدوم منشئها الأول المدعو سيدي بوبكر بن سيدي محمد الأكبر. اقرأ أيضا : تلمسان: مساعي للمحافظة على المساجد التاريخية و يحتفظ المعلمان بمخطوطات قيمة وكذا بجمال فن العمارة المحلية رغم عمليات الترميم المتعددة التي خضعا لها ويوجد بهما مقبرة بها 13 ضريحا منها أضرحة لأبناء أحمد باي آخر بايات قسنطينة الذي لجأ إلى الزاوية العام 1839 بعد عامين من سقوط المدينة حيث شكلا على مر سنوات عديدة معلما سياحيا بامتياز يستقطب سنويا مئات الزوار من الأوراس ومن باقي ولايات الوطن. و يتعلق الأمر أيضا بمسجد "سبع رقود" بمدينة نقاوس الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 4 قرون بالحجارة المصقولة التي تم استقدامها من بنايات رومانية على اعتبار أن المدينة القديمة التي كان يطلق عليها اسم "نيسيفيبوس" كانت في الأصل مدينة رومانية أثرية حيث ما يزال المسجد الذي يعد ملكا وقفيا عتيقا محافظا حسب السيد نذير سعادة على طابعه الأول وكان مستغلا لأداء الصلوات الخمس وصلاة الجمعة إلى أن قامت اللجنة الدينية ببناء مسجد جديد بمحاذاته لتحتفظ بالقديم مغلقا كمعلم تاريخي تراثي. كما يوجد مسجد عتيق آخر بالقرية القديمة بمدينة بوزينة أو "ثاقليعث ثاقذيمت نبوزينة" أي قلعة بوزينة القديمة وهي دشرة سياحية مبنية على تلة صخرية بنظام عمراني قديم, حيث تم تصنيف المكان موقعا تاريخيا حسب نذير سعادة , بناء على قرار صادر عن مصالح وزارة الثقافة مؤرخ في سنة 1968. و يعود تاريخ تشييده لأكثر من 3 قرون, حسب ما ذكره مشايخ القرية الذين أكدوا أنه استغل للتدريس القرآني بالخصوص. مسجد سيدي عيسى بتكوت بني منذ أزيد من 6 قرون و بمدينة تكوت التي تبعد عن باتنة بحوالي 95 كلم يوجد مسجدان عتيقان الأول هو مسجد سيدي عيسى بقرية جارلله الذي تم تشييده منذ أزيد من 6 قرون على ضريح ولي صالح, وفق المصدر, مبينا بأن الثاني ويسمى مسجد سيدي عبد السلام فيعود لأكثر من 4 قرون وبني أيضا على ضريح الولي الصالح, سيدي عبد السلام. و ذكر نذير سعادة بمساعي حثيثة تبذل لتصنيف هذه المساجد التي توجد كلها تحت وصاية مديرية الشؤون الدينية والأوقاف وتحظى بمتابعة خاصة حيث تم إعداد ملفات بشأنها, موضحا بأن أغلبها يقع بمناطق تعد استراتيجية وذات مناظر خلابة مما يضفي عليها أيضا طابعا سياحيا بامتياز. بدوره أكد مدير الثقافة بالولاية, عمر كبور, بأن قائمة تضم عددا من مساجد الولاية العتيقة ذات القيمة التاريخية والروحية أرسلت لوزارة الثقافة و الفنون لاقتراح تصنيفها بناء على قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون القاضي بترميم و إعادة الاعتبار للمساجد العتيقة. اقرأ أيضا : وهران : مساجد عتيقة ارتبطت بالماضي المجيد للمدينة تنتظر الترميم و تتضمن هذه القائمة التي ما زالت مفتوحة يضيف المتحدث المسجد العتيق وجامع سيدي محمد الحاج الذي كان يشكل مكان تجمع وانطلاق الحجاج إلى بيت الله الحرام وكلاهما بقصور مدوكال العتيقة ومسجد سبع رقود بنقاوس وكذا مسجد سيدي عبد السلام بتكوت ومسجد القرية المهجورة بغوفي ببلدية غسيرة. و تتجلى أهمية تصنيف هذه المعالم وترميم التي تدهورت وضعيتها منها, من عوامل الزمن, يضيف المصدر في المحافظة على التراث التاريخي وحمايته على اعتبار أن هذه المساجد جزءا من الذاكرة والموروث المادي واللامادي للجهة فهي معالم روحية دينية في رسالتها وثقافية تراثية وتاريخية من حيث قيمتها المعمارية و ذلك ما يؤهلها لتكون عنصر ترويج هام للوجهة السياحية للمنطقة وما تزخر به من كنوز.