بحلول الفاتح من شهر ديسمبر, تكون قد مرت 60 سنة على إنشاء وكالة الأنباء الجزائرية (وأج), التي تحيي هذه الذكرى بشعار "من التلغرافيا إلى الإعلام المتعدد الوسائط" وتستحضر بالمناسبة نضال المؤسسين وتضحيات السابقين وتواصل جهودها لتقديم منتوج إعلامي راق, هدفه الخدمة العمومية. وبالمناسبة, تنظم الوكالة غدا الثلاثاء, يوما دراسيا تحت رعاية الوزير الأول, وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن, سيناقش خلاله عدد من المختصين واقع الإعلام وتحديات حرب المعلومات ومجابهة الأخبار الوهمية في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. وفي ذات الإطار, سيتم بعد غد الأربعاء, تدشين متحف الوكالة من طرف وزير الاتصال, محمد بوسليماني. وتسابق الوكالة نفسها وتواصل تطوير مناهج عملها تماشيا مع تغير المشهد الإعلامي وطبيعة العمل الصحفي من جهة, ودخول عناصر جديدة في صناعة الخبر من جهة أخرى, حيث تعمد وأج إلى تحري الأخبار والحقائق وتدقيقها, وتسعى إلى تجسيد خدمة عمومية فعالة تتجاوز الربح التجاري, وإلى تعزيز موثوقية تترفع عن محاولة الانتشار والتأثير والبحث عن السبق الصحفي على حساب الموضوعية. وتراهن الوكالة على المحافظة على مكاسبها ومكانتها الريادية, من خلال إطلاقها لمجموعة من الورشات لتطوير خدمتها العمومية, كما شرعت في تفعيل الآليات المتعددة لليقظة الإعلامية لدحض الأخبار الكاذبة. وقد شهدت وكالة الأنباء الجزائرية منذ تأسيسها في الفاتح ديسمبر 1961 بتونس, بقرار من المجلس الوطني للثورة, تحولات هامة وتكييفا مستمرا لطريقة ووسائل عملها, مواكبة للتطور السريع لمجال إنتاج المعلومات وللتحولات التي عرفها المجتمع الجزائري. ومنذ الاجتماع الأول لمؤسسي الوكالة, ومن بينهم امحمد يزيد وعبد الله شريط وبيار شولي ومسعودي زيتوني وسارج ميشال, ناضلت الوكالة بمكتبيها الاثنين وصحفييها الأربعة, من أجل بث نشرة أسبوعية تتشكل من قصاصات مطبوعة عن طريق آلة "الرونيو" وتحتوي على توجيهات الثورة وتعليقات الصحافة الأجنبية ونشاط جيش التحرير الوطني وشبكات الفدائيين. اقرأ أيضا : وكالة الأنباء الجزائرية تحي يوم الأربعاء المقبل الذكرى الستين لتأسيسها وكانت الوكالة سباقة في الاستثمار في الوسائل التكنولوجية الحديثة وعصرنة تجهيزاتها وتكوين مواردها البشرية, حيث تكيفت في نهاية سنوات ال80 مع تقنية الإعلام الآلي والتخلي عن التيلكس, ودخلت منذ سنوات, باقتدار, معترك الثورة الرقمية انطلاقا من إستراتيجية جديدة تقوم على تنويع وتوسيع باقة خدماتها, حيث تزودت سنة 2017 بأرضية تحريرية جديدة لتسيير مسار إنتاج المعلومة. ومنذ نوفمبر 2018, انطلق رسميا بث شريط وكالة الأنباء الجزائرية عبر القمر الصناعي الجزائري للاتصالات ألكوم سات-1 في سابقة من نوعها تشهدها الجزائر, وتتوفر الوكالة على مراكز بيانات تستجيب لجميع احتياجات استضافة المواقع الالكترونية وتخزين المضامين المعلوماتية. وتحصي الوكالة أربعة مواقع إعلامية باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية, وتقدم منتجات ومضامين مختلفة من خلال مصلحة الوسائط المتعددة, كما تقوم بتعزيز تواجدها في مواقع التواصل الاجتماعي, ويحرص على أداء هذه المهام 455 موظفا, من بينهم 221 صحفيا و27 مترجما, علاوة على الفرق التقنية وقسم السمعي-البصري. وتعتزم الوكالة إعادة نشر مكاتبها بالداخل لتغطية الولايات الجديدة العشر, وبالخارج أيضا وذلك تعزيزا لدورها في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد, تماشيا مع الإستراتيجية الجديدة لسياسة الجزائر الخارجية, كما تعتزم إنشاء موقع جديد باللغة الإسبانية قريبا. وخلال المراحل الحساسة التي عاشتها الجزائر, كانت وأج هي القاطرة والمرجعية, لأنها رافعت دائما من أجل مصلحة الوطن وحق المواطن في إعلام نزيه وموثوق, حيث أنها بنور الحقيقة واجهت الظلاميين في فترة التسعينيات, وبالرصانة وصوت الحق, غطت مجريات الحراك الشعبي الأصيل سنة 2019, ونقلت بعناية فائقة مطالب الجزائريين الشرعية وغربلت الهتافات الطائشة والشعارات المدبرة والتحركات المدروسة, وأثبتت أن منطلق خطها التحريري ومآله هو تطلعات المواطن الجزائري. ولم تحد الوكالة عن دورها المحوري الذي بدأ منذ إعداد أول تحقيق لها خلال مفاوضات إيفيان في 18 مارس 1962, حيث نقل مراسلها آنذاك التصريح الأول لرئيس الوفد الجزائري كريم بلقاسم بعد دقائق من هذا الحدث الهام, وصدرت أول نشرة للوكالة مزينة بألوان العلم الوطني نقلتها مختلف الوكالات الأجنبية. شهداء الوطن والواجب..مشعل يستلم باستحقاق ويرفع بالتضحية إن بالمدخل الرئيسي للوكالة سارية للعلم, تسقط عند قاعدتها كل الاعتبارات والتوجهات وتتلاشى حتى المحسنات البديعية, ويبقى الاعتبار الأوحد هو الوطن وقدسية الخبر وصدقية المعلومة, وفي بهوها لوحة تخلد ذكرى المؤسسين ورسالة الرواد وتذكر بأن القلم أيضا سلاح وأن المشعل يستلم باستحقاق ويرفع بالتضحية, وبها معروضات لأولى الآلات التي ساهمت في نقل الأحداث وسجلت بحرص كل المحطات في مسيرة بناء الجزائر المستقلة, بدأت بآلة تيليغراف بسيطة كتبت عليها السيدة سليمة معدني أول برقية أرسلت إلى المقر المركزي للوكالة آنذاك بتونس. وفي مبنى الوكالة الكائن بحي الأخوة بوعدو بالجزائر العاصمة, خلية نحل لا تهدأ أبدا, إلا أن تشيع الوكالة أحد أفرادها, كان آخرهم الصحفيون نجاة فنوش جادور صلاح الدين قدور وكذا جمال الدين بسو الذي رحل العام الماضي, أسبوعا بعد احتفاله مع عائلة وأج بذكرى تأسيسها ال59 وقبل أن يحتفل مع عائلته الصغيرة بميلاده ال53, وهو الذي كان ديدنه بين الزملاء: "سبحوا وأخلصوا وتحروا الصدق..". وسبق هؤلاء, الكثير من شهداء الوطن والواجب من صحفيين وتقنيين وإداريين, وفي مقدمتهم أول مراسلين للوكالة وهم -حسب شهادة سابقة للمجاهد والصحفي الراحل زهير إحدادن- مجاهدو ثورة التحرير المجيدة الذين كانوا ينقلون نشاطاتهم العسكرية ويصفون الوقائع من قلب المعركة لتنشر بعد ذلك عبر البرقيات, ليليهم بعد الاستقلال كل الذين قضوا في مهام رسمية أو خلال المأساة الوطنية. وفقدت الوكالة الراحلين أحمد عبد اللطيف ومحمد طالب اللذين توفيا خلال مرافقتهما للرئيس الراحل هواري بومدين في زيارته لفيتنام سنة 1974, ومولود آيت قاسي الذي كان ضمن ضحايا تحطم طائرة البعثة الجزائرية التي كان يقودها الفقيد محمد بن يحيى سنة 1982 وسيد علي بن مشيش الذي سقط خلال أحداث أكتوبر 1988. كما فقدت وأج خيرة أبنائها خلال العشرية السوداء, على غرار الصحفيين محمد لمين لقوي وإسماعيل زباغدي ومحمد صالح بن عاشور, والإداري أحمد خلفون, والتقني أورهون محمود. رحل هؤلاء وعلموا من خلفهم قيمة التضحية ومبدأ نكران الذات, فصحيح أن الصحفي في برقيات الوكالة هو مجرد رقم يظهر في آخرها, غير أن هذا الرقم هو قيمة ثابتة في معادلة كثيرة المتغيرات, طرفاها المصداقية والخدمة العمومية, وصحيح أنه مجرد رمز تعريفي, غير أنه ينهل من رمزية مؤسسة عريقة عمرها بعمر الجزائر المستقلة.