تسبب الوضع المعيشي المتدني للمواطن المغربي وتفاقم نسب البطالة في خلق كثير من المظاهر الاجتماعية التي تحذر منها المواثيق والقوانين الدولية ومن خطورتها على استقرار البلدان وتنميتها، ومنها التسرب المدرسي وظاهرة تشغيل الاطفال الى جانب الهجرة غير الشرعية. فقد كشف عبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في المغرب عن معطيات صادمة عن الهدر الجامعي، حيث قال إن "ما يقارب 50% من الطلبة يغادرون الجامعات دون الحصول على أي شهادة، وهو ما يشكل ارتفاعا كبيرا في نسب الهدر الجامعي". ويؤكد خبراء أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وضعف التوجيه بعد الحصول على البكالوريا، من أهم أسباب الهدر الجامعي. إقرأ أيضا: أزمة قطاع السياحة في المغرب : خسائر فادحة تقدر ب 38.5 مليار درهم وفي هذا الشأن، يقول منير مهدي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ظاهرة العزوف عن التعليم الجامعي منتشرة في المجتمع المغربي لأسباب عدة، على رأسها "الثقافة السائدة في المجتمع المغربي القائمة على أن أهمية التعليم الجامعي تكمن في توفير فرص عمل فقط، دون إدراك أهميته في تكوين شخصية الطالب". و اعتبر من جانبه ايضا ان "الظروف الاقتصادية والاجتماعية أحد أهم الأسباب الرئيسية وراء عزوف الطلاب عن التعليم الجامعي". وبحسب المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، فإن "حملة الشهادات أكثر عرضة للبطالة من أولئك الذين لم ينهوا دراساتهم". كما تحذر وسائل الإعلام المحلية بانتظام من ارتفاع معدل البطالة خصوصا بين الشباب، الأمر الذي يشكل "قنبلة موقوتة" وينمي مشاعر "الاستياء والاحباط". ظروف العيش القاسية وراء ظاهرة الهجرة غير الشرعية وكان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس سكوري، نبه مؤخرا في رده على أسئلة أعضاء مجلس النواب، بخصوص استفحال البطالة في صفوف الشباب المغربي، الى المستوى الذي وصلت إليه البطالة في بعض مناطق المغرب، مشيرا إلى أنها "تمس جميع الأسر بدون استثناء". الى ذلك، تؤكد التقارير الحقوقية المحلية استمرار ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب والتي تثير قلق العديد من الفاعلين الاجتماعيين في المملكة. وفي هذا الشأن، تقول التقارير أن "العديد من الوحدات الإنتاجية المغربية تستقطب الأطفال دون سن الخامسة عشرة، سعيا منها إلى الربح السريع وبأقل تكلفة". و أهم هذه الوحدات هي صناعة التعليب والقطاع الفلاحي والمهن اليدوية وكذلك البيوت التي تشغل الخادمات بأقل سعر وبدون أية حقوق أو ضمانات. هذه المعضلة التي اجمعت المواثيق الدولية على أنها تحط من كرامة الطفل وتضر بنموه الطبيعي والجسدي والنفسي، وتعرضه للأذى الصحي والنفسي والعنف اللفظي والبدني، و أحيانا للتحرش الجنسي والاغتصاب، حذرت منها مؤخرا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي أبدت "خشيتها من ارتفاع عدد عمالة الأطفال بسبب الانقطاع الطويل عن الدراسة، وفشل التعليم عن بعد، وغياب مقاربة للاهتمام بحقوق الطفل عموما في ظل الجائحة". إقرأ أيضا: المغرب: الدعوة الى فتح تحقيقات حول فضيحة "الابتزاز الجنسي للطالبات" كما نبهت إلى أن فقدان العمل لفئات واسعة من أرباب الأسر، خاصة العاملة في القطاع غير المهيكل والاقتصاد الموسمي، "سيقوي عمالة الأطفال والفتيات". ولازالت هذه الظاهرة، المحظورة بموجب التشريعات في جميع انحاء العالم، تشغل الرأي العام وجمعيات المجتمع المدني بالمملكة، باعتبارها تنتهك اتفاقية حقوق الطفل ومجموعة من الاتفاقيات الدولية، كما تحرم الطفل من أبسط حقوقه في التمدرس والتعليم واللعب والترفيه. جبهة اخرى من الآفات التي استشرت في المجتمع المغربي وهي ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي رتبتها أسباب، منها مستوى التعليم المتدني من جهة والفقر والهشاشة التي تزايدت مع جائحة كورونا من جهة أخرى، وهو ما دفع بالأطفال والشباب لمغادرة التراب المغربي. وعن هذا يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة "محمد الأول" في مدينة وجدة، محمدي البكاي، إن "جزء كبيرا من ظاهرة الهجرة بشكل عام و بالخصوص غير الشرعية، مرده ظروف العيش القاسية التي زادت من حدتها العوامل المناخية الصعبة والأزمة الاقتصادية". ولا يزال المغرب دولة غير متكافئة إلى حد كبير، حيث أن ما يقرب من واحد من كل اثنين من المغاربة يعتبر نفسه فقيرا، وفقا لدراسة أجراها المرصد الوطني المغربي للتنمية البشرية، الذي يقيس مستوى الفقر في المملكة. جاء ذلك في المسح الذي غطى فترة 2012-2019 و الذي لم يأخذ في الاعتبار جائحة كوفيد-19، التي ضربت البلاد بشدة و زادت من هذا الشعور. وينتاب الشعور بالفقر سكان المناطق الريفية خاصة، حيث يعتبر ما يقرب من 60 بالمائة من هؤلاء السكان أنفسهم فقراء، كما أن حوالي 64 بالمائة من سكان الريف لا يحصلون على مياه الشرب، 40 بالمائة منهم في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة (شمال) التي كانت مسرحا لحراك اجتماعي كبير (حراك الريف) في عامي 2016 و 2017. وتضاعف معدل الفقر في المغرب بمقدار 7 مرات أثناء الحجر الصحي و انتقلت نسبة الفقر من 17.1 بالمائة عام 2019 إلى 19،87 بالمائة عام 2020 (لم يصدر إحصاء 2021 بعد) بسبب تداعيات جائحة كورونا، حيث أن ما يفوق ثلث الساكنة النشيطة فقدت مصدر الدخل بسبب توقف أنشطتها أثناء الحجر الصحي، استنادا لآخر التقارير الرسمية. وفي هذا الصدد، يقول علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للحق في الحياة ان جائحة كورونا كشفت عن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها العديد من الأسر المغربية، والتي لا يمكن تجاهلها في هذه الظرفية الصعبة، التي ستزداد آثارها و انعكاساتها السلبية حدة في 2022، إذا لم تتخذ إجراءات وتدابير إصلاحية جذرية عميقة للمنظومة.