عانقت النغمة الأوراسية العريقة الإيقاع الشعبي المغربي في رابع سهرة من ليالي مهرجان تيمقاد الدولي الذي يحتضنه ركح مسرح الهواء الطلق الجديد المنجز بالقرب من الموقع الأثري الروماني بمدينة تامقودي. وأبدعت كلا من حورية عايشي بنبرات صوتها الجبلي الأوراسي القوي ( الجزائر) وزينة داودية من المملكة المغربية في تقديم لوحات جمالية رائعة عبرت بصدق عن الروابط الأخوية والثقافية التي تجمع الشعبين الجارين. ولم يبخل الجمهور في البداية بتصفيقاته الحارة على الكوكتيل الغنائي المقدم على الركح لكن حرارة التجاوب بلغت ذروتها مع داودية التي ردد معها الحاضرون كل أغانيها ورقصوا مطولا على الأنغام السحرية المنبعثة من كمانها المميز لتلتهب المدرجات مع أغنية الراحل الشاب حسني "طال غيابك يا غزالي راكي طولتي في الغربة" وكذا أغنية "أعطوني الفيزا و الباسبور". فكان التحاما شبه كلي بين المدرجات و الركح طعمته عبارات الداودية التي لمس فيها الجمهور صدقا كبيرا فجاء التجاوب عفوي وقوي لاسيما وضيفة تيمقاد التي تغني لأول مرة في مهرجان تامقودي الدولي شددت على الكلمات وهي تردد مقاطع "فراقه أنا ما نويتو أشهدوا يا ناس الشاوية عليا" و "يا خوي الجزايري غالي ويبقى في قلبي غالي". وبدورها حورية عايشي التي أطلت في بداية السهرة على محبيها بزي أنيق تزاوج فيه الأرجواني و الأسود أسرت الجمهور بأغانيها الشاوية الأصيلة المستوحاة من الحياة اليومية الأوراسية فأبدعت ب"رعيان الخيل" آخر ألبوماتها. وقالت سيدة الأغنية الشاوية بأنها كانت تود منذ زمن طويل تقديم هذا العمل الذي تعتز به كثيرا للجمهور الأوراسي لأن كل أغانيها مستوحاة من هذه الأرض الطيبة بل هي ملك لها لذا تضيف حورية "تملكني إحساس قوي بالرغبة في إعادة هذا الشيء الثمين والغالي للأوراس الذي علمني هذه الطريقة المميزة في الغناء". وتكلمت ابنة الأوراس في ندوة صحفية عن ارتباطها بالأرض والعادات والتقاليد وخاصة الغناء الشاوي الأصيل وتلك الأجواء الرائعة التي طبعت طفولتها ومن بينها صور "التويزة" وألعاب الخيل التي كانت تحمل أبعادا وقيما أخلاقية واجتماعية لتؤكد "أردت أن أعبر عن كل ذلك وأقدمه للعالم لأن هذه الأجواء خلقت أناسا رائعون". وتطرقت إلى مخزون الأشعار الشعبية التي تستمد منه أعمالها التي جابت معظم مناطق العالم وكيف تحاول البحث فيه لاستنباط كل ما هو رائع وجميل في عاداتنا وتقديمه للآخر بكل فخر واعتزاز لأنه ببساطة يتكلم عن شعب وعن إرث ثقافي لا يموت. وأكدت حورية عايشي بأنها لا تمتنع في التعاون مع أي فنان من داخل الوطن لإنجاز عمل مشترك شريطة أن يكون ذي نوعية ويضيف الجديد للأغنية الأمازيغية وخاصة النوع الذي تؤديه لأن الفنان تقول حورية يحمل رسالة سامية وعليه أن يبحث ويبدع ويكون له أفكار تميز أعماله إلا أن هذا يتطلب التعامل مع مختصين في الميدان. وأمتعت الفنانة عايشي الحضور بأجمل الأغاني التراثية التي تغنت بالأرض والمرأة والجمال والحب وأيضا عبرت عن الحزن و الألم ومنها "الوالي راكب شهبة" و "علجية ولهوا وذرار ز" و "الفارس ذاك الفارس إيناس أولتما وجعتني". لكن أبدعت ابنة الأوراس التي تعيش في الغربة في أغنية "رعيان الخيل" التي قدمتها في صورة راقية لكن دون أن تفقد أصالتها ورقصت على الركح كما كانت تفعل الجدات والأمهات في الأعراس ومواسم الفرح في حركات خفيفة تصور بإيحاء رقصة الفرس. و استطاعت نجمتا الليلة الرابعة من ليالي تيمقاد أن تجعل الجمهور يرقص ويردد بعضا من مقاطع الأغاني المقدمة لأن الكوكتيل كان نابعا من الذات ومن التراث فاستحق وقفة تقدير واحترام.