لا تكاد خيمة من خيم سكان البادية بالأغواط تخلو من إناء أو قدح واحد على الأقل معبأ بالمشروب المحلي المعروف ب "القطع البارد" لما يوفره هذا المشروب التقليدي من قدرة لمستهلكيه على مقاومة العطش وقلة الطلب على الماء حتى أصبح علامة مسجلة باسمهم ومشروبهم الأول الأكثر رواجا بينهم بدون منازع. وتتمثل وصفة إعداد هذا المشروب اليدوي البسيط في خلط مستخلص التمر أو( الغرس) بالمشمش المجفف (الهرماس) إلى أن يشكلا سائلا أشبه ما يكون بالعصير تضاف إليه نبتة برية يطلق عليها "ألتقفت" لتعطيه طعما لذيذا ومذاقا منعشا. ويقترن تحضير وتناول هذا المشروب لدى العائلة البدوية الأغواطية بحلول فصل الصيف غير أن تزامن أيام شهر رمضان المعظم في السنوات القليلة الماضية وموجات الحرارة جعل منه مشروبا رئيسيا يتداول على احتسائه أفراد الأسرة مع كل موعد فطور و سحور أيضا. ومما أفرزه الشغف بعصير " القطع البارد" هو التخلي عن أطباق رمضانية أخرى كان من المستحيل التنازل عنها فيما مضى إذ أنه حل محل " الحريرة " وحجز لنفسه مكانا عقب تناول التمر والحليب في فترة الإفطار. وفي فصله الطبيعي أي فصل الصيف يستعمل المشروب المذكور مع طبق الكسكسي كبديل للحليب أو المرق فما من مأدبة أو مناسبة فرح أ و قرح إلا وكان حاضرا على موائدها الأمر الذي يفسر رواج مادتي التمر و الهرماس بالجهة في هذا الفصل بالذات. وتذكر الحاجة سعدية ( 65 سنة ) من منطقة وادي مرة كيف كان الرجال يأخذون معهم " القطع البارد " في رحلات الصيد البعيدة وعند قيامهم بأعمال الحصاد والدرس بعدما يحفظونه داخل قارورات مغلفة بالقماش لأيام عديدة دون أن تتسرب إليه الحرارة. وتروي نفس المتحدثة أيضا تجربتها مع هذا العصير لما لهذا المشروب من نجاعة "فعالة " في قطع العطش وحفظ البرودة وما يعطيه لمستهلكيه من حيوية ونشاط طيلة اليوم وهذا بالإضافة إلى أنه علاج ناجع لحالات " التخمة " و"الغثيان " و " دوار الرأس. للإشارة، فإن الشهرة الواسعة التي اكتسبها "القطع البارد" مكنته من أن يحتل صدارة اهتمام بعض سكان المدينة أيضا لكنه لا زال يحضر في مناسبات معينة و يستهلك على نطاق محدود عندهم على عكس سكان البادية الذين يعتبرونه جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية بل وأصبح الرجال منهم يتفننون في إعداده بعدما كان تحضيره حكرا على النساء فقط.