إن ذكر سوق أهراس يقود حتما إلى الحديث عن تلك المدينة التي "ترهب القديسون تحت أسوارها" فكان القديس سانت أوغستين يطل عليها من تلته العالية فكانت شجرة الزيتون المطلة مثل "منارة" من أعلى هضبة زاوية "سيدي مسعود" دليل حبه للحياة والبئر المحاذية لها برهان تمسكه بها. وكانت هذه المدينة "الساقطة" بجبالها ووديانها من جنات الفردوس الخالدة مصدر عشق الروائيون للولادة فيها على غرار أبوليوس المادوري وكاتب ياسين والراحل الطاهر وطار. ولا تزال شجرة زيتون "سانت أوغستين" تحتل ومنذ أجيال عديدة مكانة هامة في قلوب وذاكرة السوقهراسيين وحتى لأناس من وراء البحار وهي الشجرة التي تم اكتشافها من طرف بعثات فرنسية العام 1843 وتمثل اليوم عنوانا لهبة الله خاصة وأنه على الرغم من عدم رعايتها وزبرها إلا أنها دائمة الاخضرار والنمو. وفضلا عن ذلك، فإن هذه الشجرة التي تعتبر رمزا للسلام والوئام ولطول العمر والأمل والوفاء تمثل فعلا رمز لسوق أهراس وروح هذه المدينة التاريخية التي أعطت الكثير للحضارة البشرية حيث منحت هذه المدينة التي تعايشت فيها الأديان -البشرية بأكملها أبرز أبنائها مثل أبوليوس المادوري والأكثر كاثوليكية سانطا مونيكا وابنها العبقري الفيلسوف الكبير أوغستين والحكيم أليبيوس وصولا إلى كاتب ياسين ومصطفى كاتب وسيدي مسعود وشهاب الدين التيفاشي إلى الشهيد باجي مختار. وحسب بعض الروايات فإن أوغستين (354-430) ابن سوق أهراس كان يجلس تحت هذه الشجرة لأوقات طويلة للتعبد وللتأمل وكتابة مذكراته ومؤلفاته حيث بقيت هذه الزيتونة رمزا لهذا الفيلسوف وهو ما تؤكده وفود باحثين ومؤرخين ومهتمين بحياة هذه الشخصية ما فتئوا يتوافدون على هذا الموقع. معلم سياحي بامتياز واستنادا لمصدر بمديرية السياحة فإن هذه الزيتونة تمثل "معلما سياحيا" تحج إليه سنويا عديد الوفود الأجنبية من مختلف الجنسيات الإيطالية والفرنسية والولايات المتحدةالأمريكية والبرتغال وحتى الأقدام السوداء. وأضاف ذات المصدر، بأنه ومنذ انعقاد الملتقى الدولي حول حياة القديس أوغستين تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة العام 2001 الذي تناول وعرف بسانت أوغستين كجزائري الجنسية وبربري الأصل والمنحدر من مدينة طاغاست شرعت عديد الوكالات السياحية المختصة في السياحة الثقافية في جلب واستقدام السياح من خلال استغلال المنتوج السياحي الثقافي الخاص بهذه الشخصية حيث بلغ عددهم منذ جانفي 2010 إلى الآن حوالي 500 سائح. وخلال عدة عقود قبل وبعد الاستقلال حسب بعض الروايات- كانت بعض الأمهات هنا بسوق أهراس تدفن بزاوية سيدي مسعود وتحت زيتونة سانت أوغستن الذي كان رجل دين كبير قاوم في حياته وبكل قوة الوثنية والأصنام "قلفة الختان" أي الجلدة الزائدة لذكور أبنائها إثر كل عملية ختان كما كن يدعين لكي يكون أبنائهن في مثل ذكاء أوغستين والأدهى من ذلك أن الأكثر مالا من بينهن كن يتبرعن بمواد غذائية في هذا الموقع حسب عديد الروايات . وكثيرا ما أرهقت جملة من التساؤلات أذهان السوقهراسيين تدور معظمها حول ما إذا كانت هذه الزيتونة تنتمي بالفعل إلى سانت أوغستين وهل غرسها بيديه ليحضر التاريخ ببصماته وحكمه القاطع في هذا المجال. وبرأي رئيس جمعية نادي الفكر والمبادرة لسوق أهراس السيد بدري لوجاني فإن هذه الزيتونة كانت موجودة قبل مجئ أوغستين حيث ترعرع تحت أغصانها ما ولد حنينا بداخله تجاه هذه الشجرة التي أصبح يتعبد تحتها. دعوة لإجراء دراسة لتحديد عمر هذه الشجرة وتصنيفها وحسب مديرة المواقع الأثرية، دليلة زبدة، فإنه لا يمضي يوما واحدا بدون أن تظهر مواضيع وكتابات حول هذا القديس عبر وسائل الإعلام والإصدارات الجديدة داعية بالمناسبة إلى إجراء دراسة "دوندروكرونولوجية" لتحديد عمر هذه الشجرة وذلك لدحض وتفادي كل المغالطات حول تاريخ هذه الزيتونة التي ترى بعض الدراسات أن عمرها يصل إلى حوالي 2.900 سنة. واستنادا لذات المصدر فإن هذه الشجرة كانت العام 2005 محل عملية إعادة تأهيل واسعة بالتنسيق مع بلدية أوستي بإيطاليا أين دفنت والدة سانت أوغسان "مونيكا" شملت تهيئة محيطها وإنجاز متحف صغير يضم ألواحا للقديس وعائلته ورفاقه جسدها بتقنية معمارية جذابة فريق من المختصين في المجال. ودعت مديرة المواقع الأثرية بالمناسبة إلى ضرورة تصنيف هذه الزيتونة كمعلم وتراث وطني مثل شجرة الدردار للأمير عبد القادر بمعسكر ودول أخرى صنفت أشجارا لها ضمن تراثها الثقافي على غرار أمريكا واليابان. وأوضح أحد أعضاء نادي التفكير والمبادرة السيد عمار جابو ربي بأن معظم الأفواج الأجنبية التي تستقدم إلى هذا المعلم عادة ما تشرف عليها وكالات سياحية تونسية داعيا إلى توجيه هذه البعثات السياحية نحو الجزائر دون العبور عن طريق وكالات تونسية خاصة وأن مدينة عنابة المجاورة التي تضم بازيليك سانت أوغستين بها جميع المرافق المؤهلة لاستقبال الوفود الزائرة ما يعطي دفعا ثمينا للنهوض بالقطاع السياحي. ومهما يكن من أمر فإن شجرة الزيتون تمثل رمزا للخير والعطاء استنادا للأستاذ جلال خشاب باحث في التراث الشعبي بالمركز الجامعي لسوق أهراس مضيفا بأن أغلب المزارات في المعتقد الشعبي عبارة عن أشجار زيتون على غرار "أم الشلايق" أي (القطع الصغيرة من القماش) بمنطقة مزغيش بسوق أهراس. وأوضح ذات الأستاذ بأنه عادة ما يعمد بعض الناس إلى تعليق تلك القطع بعد أن يضمنوها آلامهم ومعاناتهم ودعواتهم ويأخذون بدلها الصحة والعافية وسداد الدعوات في حين أن هناك من يضع يديه على جذع شجرة الزيتون ويقدم الدعوات مشيرا إلى أن الجيش في زمن الإغريق والرومان يحملون الزيتون عند العودة بعد الانتصار كما كان يوضع إكليل من الزهور على رأس الفائز في المسابقات الذهبية يعوض بعدها بالذهب.