تحتفي النساء عبر سائر بلدان العالم بعيدهن المصادف للثامن مارس من كل سنة، ولا تفوت هذه المناسبة في بلدنا إلا بتعداد المكاسب التي حققتها النسوة على جميع الأصعدة، باقتحامها مختلف المجالات حتى التي كانت إلى وقت بعيد تعتبر مهنا رجالية، فالمرأة اليوم هي سياسية محنكة تحظى بأعلى المناصب، المرأة اليوم هي قاضية، والية ووزيرة إلى جانب هذا فهي سائقة سيارة، حافلة وحتى قطار وميكانيكية وحرفية من الطراز الأول·· كلها مناصب ومهن صنعت للمرأة مكانتها ودورها في المجتمع، وجعلتها إضافة إلى مربية الأجيال، سندا متينا للرجل تعينه على قسوة المعيشة وغلائها·· كما لا تمر هذه المناسبة دون التعريج على المعاناة التي تطارد المرأة من يوم إلى آخر، حيث تشهد المرأة انحطاطا واضطهادا، ولعل أكثر ما يثير انتباهنا بصفة عامة هو ظاهرة المرأة المشردة، فالأرقام المهولة التي كشفت عنها وزارة التضامن الوطني والأسرة والجالية بالخارج تثير الانتباه وتدفع بالسلطات العليا للبلاد إلى التفكير بالتأسيس لبرنامج وطني يتكفل في القريب العاجل بالمرأة المشردة والبحث عن الداء لوصف العلاج المناسب وفق الحالات المتوفرة، فالأرقام الأخيرة تشير إلى الاكتساح الرهيب من طرف النساء للشوارع، حيث بلغ عددهن 10 آلاف حالة بين مطلقة، فاقدة لصوابها أو التي تعاني من ظروف عائلية صعبة، وتلك التي ارتكبت رذيلة عجزت من خلالها عن العودة إلى البيت، لكن كلهن يتقاسمن المصير المشترك وهو المبيت في العراء· ''الجزائر نيوز'' قضت ليلة في العراء ورصدت واقع النسوة اللاتي دفعتهن قسوة المعيشة إلى افتراش ''الكارطون''، والترصد بإحدى المؤسسات والوزارات بحثا عن الأمن والطمأنينة، وهروبا من خطر الوقوع في الرذيلة عبر المتربصين بهن في كل مكان·· ''حياة'' 33 سنة: أنا شريفة وحياة الذل هي التي دفعتني إلى حياة التشرد لما التقينا ب ''حياة'' في شارع العقيد عميروش، كانت الشرطة قد أيقظتها من المكان الذي كانت تغط فيه في نوم عميق، أيقظتها الشرطة لا لشيء سوى لأنها كانت تتخذ من إحدى أبواب الإدارات الكبرى في هذا الشارع ملاذا وحيدا وآمنا لها، اقتربنا منها حاولنا جرّها للإسترسال في الكلام، وبمجرد استشعارها للأمان فينا، سردت لنا واقعها بكل مرارة·· تحكي تارة وتبكي تارة أخرى، وردة في عز شبابها ''حياة'' تبلغ من العمر 33 سنة تقول إنها ابنة حي ''براقي''، تزوجت قبل عشر سنوات من شخص يقطن بولاية ميلة، تتوفر فيه كل ''ميزات'' النذالة والمناقضة لصفة الرجولة، عشر سنوات من العذاب بجواره، أفقدها كل رغبة في الاستمرار في الحياة· تقول ''حياة'' التي تحمل اسما لا يعكس بتاتا أي طعم للحياة، أنها كانت تضطهد من زوجها العاطل عن العمل منذ أن تزوجت به، ضرب في الليل والنهار لتجد نفسها في الشارع بعد أن قام بإخراجها بالقوة من البيت، تضيف أنها لم تتجه إلى القضاء لأنه قيل لها أنها ستدخل في معركة خاسرة منذ بدايتها لأنها لا تملك أطفالا، وبالتالي فهي لن تحصل على أي حق من حقوقها سواء في السكن أو التعويض لتحمل نفسها وتعود إلى العاصمة، وهنا اصطدمت بالمشاكل العائلية رغم أنها لم تخبرهم بواقع ما جرى معها، إلا أن زوجات إخوانها الثلاثة اضطهدنها ودفعنها نحو حياة الشارع· ''دليلة'' 62 سنة: أولادي سمحوا فيّ والشارع احتضنني ''دليلة'' وجدناها بساحة البريد المركزي، فهي لا تفارق هذا المكان، وبالتالي فكل من يمر عبر البريد المركزي يجدها هناك، اقتربنا منها وجلسنا أمامها، اعتقدت في الوهلة الأولى أننا ممن يتقربون إليها للتحدث لا غير، وبمجرد أن قلنا لها أننا صحافيون حتى رفعت رأسها وتغيرت ملامح وجهها وقالت بنبرة تعيسة ''خير ماجابكم''، قلنا لها أننا نقوم بروبورتاج يسلط الضوء على واقع المرأة في يومها العالمي، ''دليلة'' أو ''الحاجة'' كما يروق للكثيرين مناداتها، قالت ''وش من يوم''، كل الأيام ''كيف كيف'' فلا يتغير شيء، أنا على هذا الحال منذ سنوات لا جديد يذكر لا القوانين غيرت حياتي ولا تداول الرؤساء والحكومات، فبعدما فرط فلذة أبنائي فيّ، لم أجد سوى الشارع لقتل ما تبقى من عمري، فلا دور الشيخوخة وجدت فيها الهدوء المنشود ولا مراكز الإسعاف الاجتماعي، أما عن لقمة العيش فالله هو الرزاق يوم عند الهلال الأحمر و يوم أمام المقاهي والمطاعم ويوم آخر في المطاعم الجامعية وهي كثيرة·· مراكز الإسعاف الاجتماعي 3 ليالٍ لا أكثر ولا أقل لما سألنا ''حياة'' عن عدم توجهها لأحد مراكز الإسعاف الاجتماعي التي تضعها وزارة التضامن تحت تصرف المسعفات، ردّت أنها أمضت ثلاثة أيام، ليتم رميها بعدها مباشرة في الشارع، رغم أن القوانين تقول إن من حقهن البقاء تحت تكفل المركز لمدة شهر قبل أن يتم توجيههم لمراكز أخرى حسب كل حالة·· كما يبقى في هذا الصدد التساؤل مطروحا حول مدى تقدم المشاريع التي باشرت الوزارة في بنائها في إطار المشروع الذي جاء في سنة 2008 بقرار من الحكومة، والهادف إلى القضاء نهائيا على المتشردين عبر كبريات كل المدن، حيث أعطيت تعليمات للولاة بالتنسيق مع مديريات النشاط الاجتماعي، وقد صدر مرسوم تنفيذي في هذا الصدد يقضي بإنشاء مصلحة المساعدة الاجتماعية الاستعجالية المتنقلة، حيث ستتكفل هذه المؤسسة الإدارية بالفئة المشردة من دون مأوى، والتي تعاني من وضعية هشة، وقال أن هذه المصلحة ستتكفل بنقل هؤلاء لمراكز الإيواء، قبل أن تتكفل بوضعيتهم خلال المرحلة الانتقالية ما بين جمعهم من الشوارع وضمان إيوائهم بالمراكز المخصصة لذلك· وجبة الفطور من المحسنين··· الغداء في المطعم الجامعي والعشاء لدى الهلال الأحمر تستمر تساؤلاتنا التي في كل مرة تجد أجوبة عند النسوة بدون مأوى، حيث تطابقت تصريحات كل من ''حياة'' و''دليلة'' في كيفية توفير القوت اليومي، حيث تقول كل منهما أن الإفطار صباحا يكون عن طريق ما يتبرع به المحسنون أمام المقاهي والمخابز ومحطات توقف الحافلات وغيرها، أما الغداء فهو غالبا ما يكون في المطاعم الجامعية إن أشفق عليهن الحراس، أما العشاء فينتظرن كالعادة سيارات الإسعاف الاجتماعي أو يتوجهن نحو الهلال الأحمر وحالهن يقلن إنه حال كل من لا يملك مأوى يلجأ إليه· الشرطة تترصد كل شخص يقترب منهن وتفرض شبه حماية عليهن ما أثار انتباهنا هو الطوق الأمني الذي تفرضه الشرطة، واليقظة التي تبديها في التعامل مع المتشردين، خاصة منهم فئة النساء، فبمجرد اقتراب أحد الغرباء منهن حتى يسارع نحوك رجال الشرطة لتقصي الأمر والاستفسار عن سر اقترابك منهن، ويعود هذا الإجراء إلى تعليمات تفرض على الشرطة حفظ الأمن ووقف أي تحرشات قد تحصل ضدهن، كما تقوم الشرطة بدوريات للوقوف على المناطق التي يغيب عنها رجال الشرطة· استغاثة إلى ولد عباس·· غرفة تحفظ لنا كرامتنا نداء واحد ووحيد، فرغم رفض العديد منهن التكلم في خصوصيتهن والخوض في الحديث حول حياتهن، والأسباب التي دفعت بهن إلى الشارع، فكلهن لا ينتظرن سوى التفاتة صغيرة من وزارة التضامن أو الحكومة للتكفل بهن وتوفير مأوى يضمن لهن كرامة العيش ما تبقى من الحياة، وتجد معظمهن يرفضن أن تلفق إليهن تهم تمس العرض والشرف بمجرد أنهن يبتن في العراء، فالدافع الذي قاد بأكثر من 36 ألف جزائري يبيت في العراء، هو نفس الدافع الذي كان وراء افتراشهن للكارطون، فهل ستلتفت يوما وزارة ولد عباس إلى المتشردين للحد من انتشار هذه الظاهرة في شوارعنا، أم أنها ستكتفي بلعب دور المتفرج في وقت تعرف الأرقام ارتفاعا من سنة إلى أخرى، والإحصائيات المتوفرة لدى هذه الوزارة خير دليل وأصدق برهان··