كانت القضية تتعلق بمحاكمة منتسب قديم إلى جماعة الهجرة والتكفير التي كانت تنشط بداية تسعينيات الماضي انطلاقا من مسجد صلاح الدين الأيوبي بحي بلوزداد، تحت مسمى ''جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر''· لكن الشخص الذي يقف أمام المحكمة لا يكاد يكون هو الذي اتهم بحرق ضريح سيدي امحمد، وقضايا أخرى تتعلق بإنشاء جماعة إرهابية تهدف إلى تغيير النظام بالقوة ونشر التخريب والتقتيل بين الناس·· لقد مرّ على ذلك الأمر حوالي عشرين سنة كاملة، وذلك الشاب العشريني صاحب اللحية السوداء واللباس الأفغاني تحول إلى رجل ناضج بشعر رأس أبيض شبه حليق، ووجه حليق تماما وبشرة ناصعة البياض، فاجأت حتى أقرب أقربائه وكادوا لا يصدقون أن (رضوان· ب) الذي اختفى عن أنظارهم كل تلك الفترة هو نفسه هذا الشخص بملامح أقرب إلى الأوروبيين، وحتى طريقة كلامه وقسماته لا توحي بأنه ينتمي بأي حال من الأحوال إلى تلك الجماعة التكفيرية، وهو القادم من ألمانيا التي قضى فيها كل تلك المدة وتزوج هناك ألمانية وأنجب معها أطفالا وقطع كل صلة له بحياته القديمة التي كان فيها على حاله الأول، قبل أن يغادر البلاد -كما يقول- نهاية سنة 1991 والبلاد تدخل شيئا فشيئا إلى النفق المظلم بعد إلغاء نتيجة الدور الأول للتشريعيات بداية جانفي .1992 وسافر ساعتها عبر مطار هواري بومدين إلى إيطاليا، وهناك تخلى عن جواز سفره وكل وثائقه التي تركها عد أحد أصدقائه وسافر إلى فرنسا أولا، ثم استقر بألمانيا، حيث أقام كل تلك الفترة قبل أن يتقدم في المدة الأخيرة إلى مصالح السفارة الجزائرية في ألمانيا طالبا وثيقة مرور إلى الجزائر، ليتم توقيفه بعدها في مطار هواري بومدين ويحول إلى سجن الحراش، لأن حكم عشرين سنة سجنا نافذا كان في انتظاره، وعن طريق المحامي تمكن من الاتصال بأهله الذين لم يتعرفوا عليه بسهولة بسبب التغير الشامل لملامحه، ولم يكن يعلم أن منزل العائلة الذي كان في بئر توتة انهار بالكامل، ولم يعد له في المكان أي شيء يمكن أن يعيد له ذكرياته البعيدة· وكان لا بد من استئناف الحكم الغيابي الذي صدر ضده بعشرين سنة سجنا نافذا، ومازلت التهم القديمة موجهة إليه، وقد تم القبض قبل سنين طويلة على زملائه السابقين في التنظيم واعترفوا أنه شاركهم في تفجير ضريح سيدي امحمد بوسط الجزائر العاصمة في شهر مارس ,1991 وبمسؤولية في وقائع كثيرة بعد أن تم ضبط كمية 100 كيلو غرام من التي كانت مخزنة عند مسجد صلاح الدين الأيوبي في حي بلكور، وكميات أخرى من السلاح استعملها ذلك التنظيم الذي يوجد من بين أعضائه أشخاص من دول أجنبية، لكن (رضوان· ر) وببرودة أعصاب ولغة واثقة، أنكر كل التهم الموجهة إليه، وقال إن تهم الانخراط في جماعة مسلحة ونشر القتل بين الناس والمؤامرة ضد نظام الحكم من أجل تغييره بالعنف وحرق ضريح سيدي امحمد كلها تهم برأتها منه محكمة سيدي امحمد في وقت سابق دون أن يقدم أي محضر يثبت ذلك، وطلب من مجلس القضاء التأكد من الأمر في أرشيف المحكمة، وفي الوقت الذي يصر فيه على أنه غادر الجزائر من مطار هواري بومدين في نهاية سنة 1991 ومعظم التهم الموجهة إليه جرت وقائعها في زمن لاحق لغيابه، إلا أنه لم يتمكن من إثبات ذلك وجواز السفر الذي من شأنه أن يوضح ذلك كان قد تركه قبل تسع عشرة سنة في عهدة ''صديق في إيطاليا''، ولا يوجد أي شيء يمكن أن يدينه إلا شهادة زميله السابق في التنظيم وصديقه القديم (حسين· ع) الذي قاله بأن (رضوان· ر) كان شاركهم في كل شيء، وقد حوكم أعضاء التنظيم ساعتها وحكم على الحاضرين بين عشرة سنوات وخمسة سنين سجنا نافذا، لكن دفاع المتهم قال إنه من غير المنطقي ولا القانوني أن يشهد متهم ضد متهم آخر ليطالب بالبراءة ولا شيء يدل على أن موكله قد قام بتلك الأفعال المنسوبة إليه· وبعد مرور تلك الأحداث الدموية، بقي يعيش في ألمانيا مع زوجته وأولاده وعاد إلى البلاد بعد انطفاء نار الفتنة من أجل تسوية وضعيته وتجديد عهده بعائلته وأقاربه· وحتى تهمة ضبطه بلباس عسكري في مسجد صلاح الدين الأيوبي التي ذكرت في قرار الإحالة لا يمكن إدانتها ولا قانون يعاقب عليها، وذكر المحامي حادثة علي بن حاج الذي ارتدى لباسا عسكريا وذهب إلى وزارة الدفاع الوطني سنة 1991 في أجواء حرب الخليج الثانية، حيث استقبله وزير الدفاع حينها اللواء خالد نزار ولم يحاكم بسبب ذلك· ومع انعدام وجود أي دليل يمكن أن يستند عليه الحكم، تم توجيه سؤال إضافي إلى المتهم، وتكيفت القضية من تأسيس والانتماء إلى جماعة إرهابية إلى ''مساعدة جماعة إرهابية''، وينطق أخيرا بالحكم سنتين سجنا نافذا مع غرامة مالية قدرها 5 الاف دينار جزائري، وهنا ظهر انقباض وجه المتهم وارتباكه وكأنه لم يكن يصدق ذلك الحكم·