التعامل بين المواطن والشركات الاقتصادية التي تقدم له مختلف الخدمات يكاد يكون مستحيلا عندنا خارج إطار قاعدة السوق الكبرى ''البيع والشراء''، فالتواصل بينهما لا يكون إلا حول كم تأخذ، كم تدفع، متى تدفع·· أو كم أدفع، كيف أدفع··· وحتى في المعارض التي تنظم باستمرار لا نكاد نرى نشاطا خارج المغزى الاقتصادي، ولهذا فإن المبادرة التي قامت بها شركة ''كيندي للتكنولوجيا'' الناشطة في مجال خدمات الإعلام الآلي والتكنولوجيا، أمس، تعد سابقة مهمة في محاولة فتح قنوات جديدة للتواصل مع الزبائن، ومحاولة جذبهم في إطار اجتماعي وليس اقتصادي، وهي لذلك تستحق الكثير من التشجيع، حيث أرادت الشركة أن تكون هذه المبادرة التوعوية تحت شعار حماية الطفل من أخطار الأنترنت، والوقت في الحقيقة أكثر من مناسب، لأن الأولياء يتعاملون مع الأمر بسطحية دون أن يعطوا الأخطار الناجمة عنها حقها، ففي جولة بالعاصمة، أمس، اكتشفنا أن معظم القصر الذين يترددون على مقاهي الأنترنت التي يعتبر الخطر فيها أكبر من استخدام الشبكة العنكبوتية في المنزل، لأنهم يكونون بمفردهم والأولياء لا يرون في ذلك مخاطر عليهم، في حين قامت شركة كيندي الناشطة في مجال التكنولوجيا بتنبيههم إلى الأمر، حيث أكدت في الدورة الإرشادية لوقاية الأطفال، على التزايد المستمر لاستعمال هذه الفئة للأنترنت، حيث بلغ لدى القصر ما بين 8 إلى 13 سنة 77 بالمائة، وهي نسبة خطيرة خاصة إذا ما علمنا أن أغلب هؤلاء يتعاملون مع شبكة المعلوماتية بدون رقابة ولا توجيه، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على عدة مستويات بالغة الحساسية كهوية الطفل وسلامته النفسية وحتى الجسدية أحيانا·· خصوصا مع السهولة الفائقة في الوصول إلى مختلف المواقع التي بلغ عددها أكثر من 2 مليون، وتعتبر المواقع الإباحية الأكثر سهولة بينها، بل يمكن الوصول إليها عبر عدة قنوات كالدردشة برامج الاقتسام·· حسب تقرير شركة كيندي، التي ركزت في طرحها أيضا على المحتويات الصادمة والعنف، هذه المواد التي تنتشر بشكل مخيف في الشبكة العنكبوتية، التي لا تخضع لأية رقابة كالمواد التي تباع في السوق أو تلك التي تعرض على القنوات التلفزيونية والتي كثيرا ما تلجأ إلى الخيال، في حين أن الكثير من المعروضات في النت تكون أشياء حقيقية تبعث الرعب والاضطراب في أحيان كثيرة·· ولم تغفل المبادرة الحديث عن ظاهرة التضليل التي يتحول فيها الطفل إلى مستقبل جيد وخصب لكمّ هائل من المعلومات المغلوطة التي قد تؤثر في تفكيره وتشوه ثقافته، وهنا يكون الطفل أكثر عرضة للاستغلال وبأشكال مختلفة تصل أحيانا إلى الدعارة، السرقة وحتى الإرهاب··· عبر برامج التعارف والدردشة التي تؤدي إلى اللقاءات والتحرش الجنسي وغيرها من المشاكل الناجمة عن الاحتكاك بأشخاص مجهولي الوجهة والهوية·· كما لم يغفل تقرير كيندي مخاطر وتأثيرات الولوج المبالغ للأطفال في هذا العالم على الدراسة بسبب الارتباط المبالغ بالعالم الافتراضي الذي يتحول إلى حلقة الحياة بالنسبة للطفل وبذلك تفقد الدراسة مكانتها الحقيقية في يومياته لأنه يفقد التمييز بين الأشياء المهمة والأكثر أهمية، كل هذا علاوة على المضار الصحية التي قد يعاني منها الطفل كمشاكل البصر، صداع الرأس وآلام الظهر، فقدان الشهية وتذبذب النوم··· ولهذا كله جاءت كيندي لتنصح الأولياء وتفتح أعينهم على هذه الأخطار التي قد يواجهها الأبناء جراء عدم الرقابة والتوجيه، ولذلك نصح أصحاب المبادرة الأولياء بضرورة التكوين والبحث في هذا العالم ولو بشكل بسيط لحماية أطفالهم·· وهذا هو السلوك الحضاري الذي يجب أن يتحول إلى تقليد لدى المؤسسات المحترمة لتدفع الزبون إلى حماية نفسه وأطفاله قبل الاقتناء·