لم تعد ظاهرة انتشار الفساد الأخلاقي وأوكار الدعارة، حكرا على الشقق الفارغة أو الغابات أو حتى الفنادق، بل تعدتها لتصبح حتى قاعات الشاي، مكانا مفضلا لممارسة الرذيلة المنظمة تحت أعين مسيري هذه الأماكن، الذين على ما يبدو يقومون بتشجيع تلك الممارسات في أوساط مرتادي قاعات الشاي من الشباب البالغ وغير البالغ، وفئات أخرى من المجتمع الجزائري. لما يدره عليهم ذلك من أرباح مضاعفة لا تأخذ بعين الاعتبار أدنى قواعد النزاهة في تعاملاتها التجارية. قاعات الشاي تنتشر كالفطريات هي إذن، قاعات اصطلح عليها ظلما قاعات للشاي، ظاهرها لإشباع البطن وباطنها لإشباع ما تحت البطن، اتسعت رقعتها في السنوات الأخيرة داخل الأحياء الشعبية وفي الشوارع الكبرى لبعض الولايات الكبيرة، كالعاصمة ووهران وعنابة وسطيف وقسنطينة وحتى ولايات الجنوب، كالفطريات، تقدم في حقيقة الأمر شايا، لكنها تساهم أيضا وبطرق سرية في توسيع الانحلال الأخلاقي داخل المجتمع، خاصة مع غياب تام للرقابة، وتستر هذه القاعات وراء عنوان عريض ''تقديم خدمة''. هدوء رومانسي... زاده جمال النادلات بهاء لا يختلف اثنان على الجو الرومانسي الذي تصنعه قاعات الشاي، موسيقى هادئة وديكور جذاب وسط ألوان زاهية، زاده جمال الساهرات على خدمة الزبائن رونقا وبهاء، هكذا وجدت ''البلاد'' أول قاعة للشاي، بساحة اودان وسط العاصمة، لم يكن دخولنا إليها سهلا، خاصة وأن مسير القاعة سن قوانين جائرة، يمنع بموجبها دخول أي شخص بمفرده ما لم يكن مصحوبا بمرافق له، شريطة أن يكون من الجنس الناعم والرقيق، ومن محاسن الصدف أننا كنا رفقة زميلة لنا في المهنة، اتخذنا من إحدى الطاولات المقابلة للباب، مكانا لنا لترقب الأوضاع ورصد الداخل والخارج من وإلى قاعة الشاي هذه، كل الأمور كانت عادية للغاية، شبان من مختلف الأعمار رفقة فتيات من كل الأعمار والأشكال والألوان، قهقهاتهم تملأ المكان، الذي كان مختنقا للغاية بسحب دخان الزبائن، نادلات يسابقن الزمن لخدمة الزبائن، قبل أن تحل عليهن لعنة المسير. السرعة والخفة.. طلباتك أوامر لم نأخذ بعد قسطا من الراحة، حتى جاءت النادلة، التي كانت في حقيقة الأمر آية في الجمال، حيتنا وقالت بابتسامة عريضة، ''مرحبا بكما''، وانتظرت أخذ طلباتنا التفت إلى زميلتي، التي طلبت عصيرا، فقالت النادلة هناك أنواع من العصير، فطلبنا كلانا عصير فواكه طبيعية، بعدها رحت أتجاذب أطراف الحديث مع زميلتي، قبل أن أنتبه إلى النادلة التي مازالت فوقي رأسي واعتذرت مني، قائلة ثم ماذا أيضا، لم أفهم قصدها، قبل أن تضيف ''لابد أن تأخذ مع العصير شيئا آخر''، سألتها عن نوعه مثلا، فأجابت من دون تردد الحلوى مثلا، فقلت لها ''وهل هذا شرط''، فقالت نعم، وكان في هذه الاثناء مسير القاعة يراقب تحاورنا، فأسرع نحونا للاستفهام، فقال هل هناك مشكل، فأجبته ''نعم''، هل يعقل أن يجبرني أحد على تناول شيء لا أرغبه، فقال بنبرة غضب، لست أحسن من هؤلاء، عندها فهمنا أن قانون صاحبنا يسري مفعوله على الجميع، اعتذرنا له، وطلبنا الحلوى رغم أنفنا. السرعة في التنفيذ... وصدمة الأسعار لم تتأخر الحسناء النادلة علينا كثيرا، حتى جاءت بما طلبنا، ثم عادت أدراجها لتجلب لنا ورقة بها ثمن ما طلبناه من عصير وحلوى، لم أنتبه في البداية، قبل أن تطلعني زميلتي على ''المصيبة''، فدققت النظر ووجدت أن ثمن ما نحن بصدد تناوله هو 700دج، لم أهضم هذه السرقة المقننة، فرحت أسأل النادلة التي تحول جمالها في نظري إلى أقبح الصور، فقالت لا تلمني، أنا مجرد خادمة، نظر إلينا المسير مجددا، وإحساسي يقول لي إنه يحضر نفسه ليطلق عليا وزميلتي ''قنبلة''، فتداركت الأمور، وقلت للنادلة ''على كل حال شكرا''، فانصرفت، بعدها تناولنا ما طلبناه من عصير وحلوى، وقلبي يعتصر من جراء هذا الاستغلال البشع لزبائن قاعة الشاي هذه. سوق تجارة الجنس كانت قاعة الشاي، شبيهة بسوق مصغر للتجارة في الجنس، فتيات من مختلف الأعمار على طاولات ينتظرن فقط إشارة الرجال، كل شيء هنا قابل للبيع والشراء، المهم أن يتوافق العرض والطلب، ويتوفر المال، لغة العينين هنا تلعب الدور الكبير، والفاهم يفهم. هنا، تعرض فتيات أجساد أخريات للبيع، مقابل دريهمات معدودة، والكل فرح بهذه المهمة، كما أن المكان طريق آخر لاصطياد ضحايا جدد... في الجهة المقابلة كانت فتيات في جلسة حميمية مع رجلين، كان الهاتف في رحلة التواصل بينهم وبين طرف آخر، اتضح لنا بعد دقائق معدودة أنها فتاة، أو زبونة، اتصلت بها صديقة لها بعدما ربطت لها موعد غراميات مع أحد الرجال الذي كان رفقتهم، كانت ملابسه توحي أنه من رجال المال والأعمال فالفرصة لا تعوض، والوقت يداهم الجميع، وسرعان ما عقدت الصفقة ليرحل صاحبنا رفقة فتاته إلى وجهة مجهولة، في وقت انشغلت الفتاة الوسيطة، بعد مبلغ الصفقة التي عقدتها... قاعات شاي... أم أوكار للدعارة يقول المثل ''إذا عرف السبب بطل العجب''، فبمجرد أن فهمنا ما يحدث في قاعة الشاي هذه، زالت دهشتنا وزادت علامات الاستفهام، بعدما اكتشفت أمورا يندى لها الجبين تحدث داخل مرحاض هذه القاعة أو في الطابق تحت الأرضي، عدت أدراجي لأطلب من زميلتي الانصراف من القاعة حتى أكمل عملي، رحت على عجالة نحو المرحاض لقضاء حاجتي، وليس قصدي ذلك، فاندهشت وأنا أرى أمامي شاب مع فتاة يخرجون مع بعض من المرحاض، وعرفت عندها لماذا طلب منها أحد الزبائن الذي كان رفقة فتاة أخرى السماح له بدخول المرحاض مكاني لأنه مستعجل، عندها هممت بالرجوع وعرجت قبل ذلك على الطابق تحت الأرضي، فوجدت الطامة الكبرى، ظننت للوهلة الأولى أنني في إحدى الدول الأوربية، قبل أن أعود إلى رشدي بعدما أيقظني اصطدام نادلة بي، وهي تخبرني أنه لا يجوز لي أن أدخل إلى هنا بمفردي. صعدت مجددا نحو الأعلى وفي يدي الورقة التي تحوي ثمن ما استهلكته، دفعت 700دج للمسير، فقال لي ''اسمح لنا''، نظرت إليه مجيبا إياه بتحريك رأسي، وخرجت أبحث عن هواء نقي. قاعات شاي حرام عليك دخولها لوحدك.. حلال برفقة حسناء عدت في اليوم الموالي، إلى قاعة شاي بإحدى الشوارع المشهورة وسط العاصمة، لم يكن دخولي إليها بمفردي سهلا، بعدما منعني في البداية مسير القاعة من الدخول، مؤكدا لي بكل صراحة أنه لن أدخل إلا بصحبة فتاة، وبعدما أقنعته أو هكذا خيل لي، بأنني انتظر إحدى مدعواتي، أشار إلى نادل بيده وطلب منه بعد أن سمح لي بالدخول أن يجلسني في إحدى الطاولات، وبعدما رضخت للأمر، نصحني النادل بأن لا أتحرك من طاولتي إلا إذا وصلت مدعوتي، وعندها يحق لي أن ألتحق بالطابق العلوي للقاعة. متجلببات وكاسيات عاريات في مجالس أبو جهل لم أجد من حيلة للصعود إلى هذه القاعة اللغز، إلا الاستنجاد بإحدى الفتيات من اللواتي كن في الطابق الأرضي، بعدما عرفتها عن نفسي، طالبا منها إجراء مقابلة صحفية حول رؤيتها للواقع الجزائري سابقا وحاضرا، في البداية الصعود إلى الأعلى، وبعد إصرار كبير مني رافقتني، لأعود أدراجي نحو الأسفل بعدما وقعت عيناي على جريمة في حق الأخلاق، لأنه من يملك بذرة من الأخلاق لا يقبل بالمنكر الذي يحدث في هذا المكان، قبلات متبادلة، بين فتيات متحجبات ومتجلببات وأخريات كاسيات عاريات، في وضعيات مخلة، ورجال من مختلف الأعمار شباب وكهول وحتى شيوخ لم يبق لهم إلا الكفن الأبيض، يعانقن الفتيات في جو أشبه بمجالس أبو جهل، في العصور الغابرة، ولكم أن تتصوروا البقية.. أدخل وحدي في غالب الأحيان ولا يمنعني عدت مسرعا رفقة مرافقتي إلى الطابق الأرضي بعدما اعتذرت عما قاسمتني من مشاهد، جلست في طاولتي، وجاء النادل قائلا ''آه لقد جاءت صديقتك''، لم أجبه وطلبت منه شاي وقارورة عصير، وطلبت بالمثل لمستنجدتي، ذهب وجاء بطلبياتي، سابقت الزمن في شرب الشاي والعصير، ورحت اسأل الفتاة إن كانت تأتي إلى هنا باستمرار فأجابت بنعم، وأضافت بأن المكان هادئ هنا، منكرة في الوقت نفسه ما يحدث في الطابق العلوي، وسألتها مرة ثانية، إن كان صاحب قاعة الشاي هذه يمنعها إذا ما دخلت وحدها إلى القاعة من دون مرافق، مثلما حدث معي في البداية، فأجابت بالنفي، قائلة أدخل وحدي في غالب الأحيان ولا يمنعني، عندها عرفت السبب، وطلبت من النادل أن يخبرني بثمن ما استهلكته، عندها أخرج قلما ودفترا صغيرا، وأجابني بعد أن قام بعملية حسابية، وقال عندك 400دج. تدفع 100دج لتصطاد فريستها من الرجال لم يكن علي أن أفوت الفرصة، فرحت أسأل الفتاة عن طريقتها للوصول إلى مبتغاها، فقالت عندما أحدد الهدف، وأكتب رقم هاتفي، على ورقة وأطلب من النادل أن يقدمها لفريستي، وأنتظر بعد ذلك اتصالا منه، وأضافت أنها كثيرا ما تنجح في اصطياد الفريسة، في حين يذهب مسعاها هباء منثورا، وتخسر بعد ذلك 200دج، بعد أن تدفعها للنادل خفية للقيام بالمهمة. وأشارت الفتاة إلى أن جل الفتيات اللائي كنا في قاعة الشاي تلك صيادات الرجال، يقمن بدفع 100دج في كل يوم، لصاحب القاعة، خارج ما يتناولنه من مأكولات أو مشروبات، نظير بقائهن في القاعة في انتظار الفريسة. قاعات شاي.. نهارا للعشاق وليلا للرشاق!! لم تتوقف قاعات الشاي عند هذا الحد من الخروقات وإنما تجاوزته إلى أبعد الحدود، بعدما أصبحت هذه القاعات تستقبل نهارا العشاق فاتحة لهم الباب بمصراعيه لممارسة كل انواع الرذيلة والفساد الاخلاقي، وليلا للقمار، وهو ما اطلعت عليه ''البلاد'' في إحدى قاعات الشاي بالعاصمة، والتي تسقبل ليلا أصحاب الكروش المنتفخة ممن يستهويهم القمار، طلبا للربح السريع. رغم أنفك.. زيادات في الأسعار تفوق 300بالمائة في غياب تام للمراقبة، لم تكلف قاعات الشاي نفسها عناء الإشهار لأسعار المستهلكات من الأكل أو الشرب، وهو الأمر الذي يعاقب عليه القانون. ورغم علم أصحاب ومسيري قاعات الشاي بذلك، إلا أنهم يتعمدون ذلك، حتى يتمكنوا من حين لآخر من مفاجأة الزبون بمبلغ لم يكن ينتظره لأنه تناول عصير أو أكل حلوى، لا تكلفه خارجا إلا حوالي 60دج، إلا أنه سيجبر رغم أنفه على دفع أضعاف ذلك المبلغ الذي قد يتخيله، قد يصل إلى حوالي 400بالمائة، ولا حق لأي شخص أن يندد بذلك، ومن لم يعجبه الأمر فليفعل ما يشاء. ويروي في هذا السياق أحد مرتادي قاعة شاي بساحة اودان، أنه دخل في أحد الايام لتناول وجبة الفطور، فطلب من النادلة حليبا وقهوة وهلالية وكأس عصير، وبعد دقائق أحضرت طلبيتي، وبعدما تناولت ما طلبت مررت بالصندوق لأدفع، وكنت أظن أنه في أحسن الأحوال لن يتجاوز ثمنها 120دج، غير أنني كنت أحلم، فصدمني مسير قاعة الشاي بعدما طلب مني دفع 360دج، ولم يكن أمامي من حيلة إلا أن أدفعها..