غونتر غراس أحد رواد الأدب الألماني المعاصر،شاعر وروائي يعد من أبرز النقاد في ألمانيا له مدرسة أدبية تهتم بعدم مركزية الطرح الروائي أو ما يسمى ب le contrepoint littéraire هذا وتتخذ أغلب أعماله الروائية الطابع العام المتصل بالبحث في المسؤوليات التاريخية لخط سير المجتمع الألماني وبصورة خاصة المسؤوليات التاريخية ذات الطابع الأدبي· ولد سنة 1927 بمدينة دانتزينغ بألمانياالغربية سابقا،إستقبل شبابه كعامل زراعي ثم كمنجمي،ثم إنجذب نحو التطلع إلى الآداب لكنه فضل الإنضمام إلى كلية الفنون الجميلة فدرس فيها واختار الإنتماء إلى مجموعة 1947 الأدبية المعروفة بحرصها على تطهير الأدب الألماني من أفكار الحرب العالمية الموحلة والتشهير لبعض المبادئ والأفكار التفاؤلية بهدف بناء ما تبقى من حطام الوطن المنهزم·نشر له عديد الأعمال بين الشعر والرواية والمسرحية فضلا عن إمتلاكه لحس نقدي عارم تلخص بعضه في مجموع الدراسات والمتابعات النقدية القيمة للأدب الألماني قديمه وحديثه ونال عن بعضها جوائز ومكافآت من أبرز رواياته: الغوغاء يعدون ثورتهم 1954 الطبلة 1959 سنوات الكلب 1963 الشبوط 1977 نقيق الضفادع والقط والفأر· في حديث مقتضب خص به إحدى المجلات الأدبية الألمانية قال غراس: أظن أننا لو إتحدنا،سنؤسس من ذواتنا المتراصة ضميرا واحدا،منسجما ونيرا،وإن لم يحصل هذا،قد يحدث وأننا لن نصل أبدا إلى فهم معنى أوروبا هذه الأم التي تحضننا بين ذراعيها اليوم· أصدر غراس روايته الضيعة في وقت ظن الجميع أن نجم الأديب الألمعي إنطفأ وذاب لكنها أعتبرت بعد صدورها أهم عمل أدبي له بعد روايته الشهيرة الطبلة وأخذ خبر صدور روايته الضيعة بداية التسعينيات من القرن المنصرم حيزا كبيرا من واجهات الصحف والأخبار الأدبية في ألمانيا قاطبة،لكن قبيل صدورها حدث وأن تناست النخبة الأدبية في ألمانيا قيمة هذا الكاتب، خاصة بعد غيابه الطويل وانقطاع أخبار إبداعه لفترة طويلة ووصل بالبعض أن عجّل بإعلان موته أدبيا· فعلى مر سنوات لم يصدر للكاتب العجوز أي عمل وهذه الخلفية بالذات عجلت إلى تأكيد إشاعة موتته الأدبية، لكن بعض النقاد من مواطنيه،تنبأ باستمرارية عطاءه وعلقوا بقولهم أن الرجل حاضر بيننا لكننا لا نراه بأبصارنا··· إنما هو يهيأ لشيء ما في الخفاء· وكان قبلها حقق غراس شهرة واسعة بفضل روايته الطبلة الصادرة سنة 1959 وأسست قوتها لشهرته العالمية ونال من أجلها جائزة نوبل للآداب العام1999 وكان يبلغ من العمر 71 سنة بطل الرواية طفل صغير يضرب على الطبلة ويصرخ بجنون··· إنه الطفل أوسكار ماتزيران الذي إلى غاية يومنا هذا رفض أن يكبر في عقول الكثيرين· سحبت من الرواية حوالي أربعة 04 ملايين نسخة وترجمت إلى أكثر من 20 لغة ولا زالت تعتبر لحد اليوم من روائع الأدب العالمي،لكن هذه الشهرة التي نالتها الرواية أفسدت على الكاتب قيمة ما كتبه لاحقا من روايات جعل أغلبها حبيس الظل· وفي روايته الضيعة يعود غونتر غراس ليفتك لنفسه الغلبة على إمتداد 784 صفحة بكل ما تحمله من تلميحات محشورة في التاريخ الألماني بتركته اللغوية ذات النبرة الغنائية وكثير الرموز والإلماعات التي لا يعرف كنهها إلا من إحتك بنصوص هذا الكاتب الذي يعتبر اليوم من أحنك النقاد والمنظرين في الأدب الألماني·و تعتبر الضيعة حصيلة خمس سنوات من العمل المتواصل، بذل الكاتب خلالها كل طاقته لتحليل الوضع الجديد لبلاده· لقد وضعت كل جهدي في هذه الرواية هكذا صرح غراس عقب إنتهائه من كتابة الرواية·ويبدو تأثره واضحا بمواطنه الكاتب تيودور فونتان (1819 1898 ) الذي طالما أشاد بكتاباته والضيعة هي في الأصل عنوان في إحدى روايات فونتان الشهيرة المعنونة إفي دريست ومنها يستعير غراس أيضا أبطاله الرئيسيين وأحدهم هو تيو فوتك الذي يظهر بشارب ضخم وكثيف كشارب غراس وفونتان لكنه ليس كاتبا بل عامل أحيل على التقاعد وهو في كامل نشاطه وحيويته مما يدفعانه إلى إمتهان عمل آخرحيث يظهر بسماحته المعهودة لما تقرر تعيينه في وظيفة حاجب بإحدى الدوائر الحكومية فتراه ينقل الملفات من مكتب إلى آخر ذهابا وإيابا ويبقى الشيء المميز في فيزيونومية هذا الرجل شبهه الكبير بالكاتب الألماني تيودور فونتان من حيث إيماءاته ونبرات صوته·أما الشخصية الثانية في الرواية فهي من عالم الجاسوسية، تتمثل في رجل عميل لدى مصالح الأمن التابعة لألمانياالشرقية سابقا لكن هو الآخر يحال على التقاعد· احداث الرواية تحركها الشخصيتين من وفي مدينة برلين قبل الوحدة الألمانية بشهور وبالضبط بين سنوات 1989 و1991 وهما شخصيتان من الطراز الذي نسيهم التاريخ، هكذا وصفهما غراس بكثير من الإمتنان· وفي غمرة الأحداث تلاقي الأحداث الرجلين فيتخذان لنفسيهما سيارة قديمة من صنع ألماني يسافران على متنها عبر المناظر الخلابة في ألمانيا لكنها في الحقيقة رحلة عبر التاريخ أرادها غراس لتقييم الماضي الألماني ومن ثمة وضع يده على الجراح الممزوجة بنقد صريح لتاريخ ألمانيا فكل من يعرف هذا الروائي أو قرأ إحدى أعماله سيعرف أنه لا يقتنع أبدا بالحكايات البسيطة والحوادث اليسيرة وأن قوة قلمه وحسه الخلاّق أعطيانه مكانة فريدة في التصرف في الأحداث على نحو إرتجالي في بعض الأحيان لكنه يظل إرتجال موضوعي من مبدع إستطاع الولوج إلى أحداث تاريخية شيقة ومهمة وتطويعها بكثير من الحرص والتفصيل والتمحيص والنقد البناء من دون ان تفقد قيمتها كمادة تاريخية قبل كل شيء·و هكذا يبدو أن الكتابة بالنسبة إلى غونتر غراس متسع رحب لا يمكن ضبط معالمه بحدود واضحة برغم أن الوحدة الألمانية نالت قسطا معينا من الرواية إلا أنها لم تشغل بال الرواية ككل بل أغلب الإحداث إنما كان مردها إلى التاريخ وبصورة أدق التاريخ الأدبي لألمانيا·