فيصل حقي، شاعر وقاص سوري، صاحب دار النشر ''ألم نشرح''، يتحدث في هذا الحوار عن تجربته في الكتابة القصصية، حيث يعتبر الكتابة في هذا النوع الأدبي من أصعب الأجناس الأدبية في الوطن العربي، ويرى أن النقد أداة للتغيير إلى الأفضل· وعن رأيه في الإبداع الجزائري، يؤكد أن الحركة الإبداعية بالجزائر جامدة، كما أن الإبداع بالجزائر غير مستغل استغلالا جيدا، وأرجع ذلك لغياب المدارس النقدية بالجزائر· المعروف أن فيصل حقي متعدد التجارب، قاص وشاعر وصاحب دار نشر، هل بإمكانك أن تحدثنا عن ذلك؟ بما أنني أنتمي إلى عائلة مثقفة تقدس الكتابة إلى أبعد الحدود، فأمر طبيعي أن أكون متعدد المواهب، كما أن والدي يعتبر من الأوائل الذي امتلك مكتبة في محافظة الرق بسوريا، وقد عمل على غرس حب الكتاب لدى جميع أفراد عائلتي، هكذا أصبحنا عائلة تتوارث بشكل طبيعي حب مطالعة الكتب سواء كانت قديمة أو جديدة· وبما أنني ترعرعت في هذا الجو المعرفي، فأول تجربة لي في الكتابة النثرية لم يكن عمري يتجاوز ال 11 سنة، وبعد سنتين حاولت أن أخوض تجربة كتابة الشعر، وعلى إثرها نُشرت لي أول قصيدة في مجلة ثقافية بسوريا· وعلى مدار 25 سنة من الكتابة المتواصلة، أكد لي عصام حقي -أخي الأكبر- وهو في نفس الوقت مدرس وناقد، أنني أكتب الشعر على طريقة القصة، واعتبرني من الأوائل الذين خاضوا في كتابة القصة في الوطن العربي· قلت إنك من الأوائل الذين كتبوا القصة القصيرة في الوطن العربي، كيف ترى حال القصة في الوقت الراهن؟ الحديث عن القصة القصيرة أعتبره من أصعب الأجناس الأدبية كتابة في الوطن العربي، لأن القصة عبارة عن أحداث متلاحقة، وقد تنتهي كتاباتها في فترات وجيزة، عكس الكتابة الروائية التي تطول إلى سنتين أو سنوات· فضّلت كتابة القصة لأنني ربطتها بأحداث سنة 1967 التي كانت تتلاحق بسرعة، وقد بلغ رصيدي في كتابة القصة 12 قصة، 6 منها نالت جوائز شرفية وتشجيعية، في حين الستة قصص الأخرى لم يُسمح بنشرها بسوريا· لماذا لم يسمح لك بنشر قصصك، هل تعتبر من الكتاب المعارضين؟ لست معارضا بمعنى المعارضة، غير أن ما يمكن قوله هو إذا غيّب النقد في البناء الثقافي يكون سهلا للانهيار، فالنقد أعتبره أداء للتغيير إلى الأفضل سواء كان نقدا سياسيا أو اجتماعيا· لم أفكر في سياسة المعارضة مطلقا، غير أن الرفض الذي جاءني من قبل وطني ''سوريا'' يخالف كل النقاد، وأعتقد أن الكاتب الذي يكتب دون أن يثير أي جدل فلا خير فيه، وبدوري إذا لم أترك أثرا في ذهن القارئ فعليّ أن أنسحب من عالم الكتابة بصمت ودون إثارة أي جدل، ثم إن هدفي من وراء الكتابة أن أجعل القارئ يفكر معي بحرية، كما أتعمّد دوما ترك النهاية مفتوحة حتى أترك له المجال واسعا للاقتراب مني· في حديثك سابقا قلت إن الحركة الأدبية الجزائرية تكاد تكون جامدة، كيف تفسر ذلك؟ بالفعل، هذا ما قلته سابقا، وأرجع ذلك إلى سبب رئيسي هو أن الجزائر غنية جدا بالبنى التحتية للفكر، لكن تفتقر بشكل كبير للكتاب· وبما أن دولة كالجزائر لها تجربة من نوع خاص عن ثورتها التي غيّرت المفاهيم في العالم، إلا أنها لم تستغل تجربتها، حيث كانت لها الفرصة في أن تصنع على الأقل 5 آلاف روائي، على عكس روسيا التي استغلت ثورتها بطريقة جيدة ليتولد عن ذلك مبدعين حقيقيين، حيث من المتعارف عليه عالميا أن أجمل الإبداع الروائي في العالم هو الإبداع الروسي· وبالنسبة للجزائر، العيب الوحيد فيها هو غياب المدارس النقدية، كما أن كل نشر يخضع لاعتبارات شخصية، والأخطر من ذلك دور الإعلام الذي يعطي أهمية لأي شخص يمسك بالقلم دون أن يدرك قيمة هذا الكاتب وقدرته على الكتابة· وما لاحظته بالجزائر أن هناك أعمالا إبداعية رديئة، غير أنها نشرت، أعتقد أن الكفاية ليس في صنع رقم وفقط· وماذا عن الإبداع السوري في الوقت الراهن؟ الإبداع الأدبي تراجع أيضا، ويعود ذلك لعدة أسباب، خاصة وأن الحياة طغى عليها الجانب المادي، مما أدى إلى تدهور الوضع الثقافي هناك، وخير مثال على ذلك أن محافظة الرق كانت تملك سنة 1956 حوالي 56 كاتب قصة قصيرة، بينما خلال هذه سنة عدد الكتاب لم يتجاوز العشرة، ما يجعل باب التساؤل مفتوحا· برأيك، هل بإمكان الأدباء في الوقت الراهن أن يساهموا في الخروج من الركود والانبطاح السياسي الذي يعيشه العالم العربي؟ في الوقت الحالي، لا أعتقد ذلك، لأنه يوجد خلل تعود إرهاصاته إلى سنوات السبعينيات، كما أن هذا التراجع ممنهج ومدروس لإيصال الإنسان العربي إلى هذا الوضع، وبالتالي يدفعه ذلك إلى افتقاد تاريخه وذاكرته وحتى أرضه· وحسب اعتقادي، هذا ما يبحث عنه الأعداء، فمثلا التحالف الذي يجري بين شيخ الجامع والسلطة، فبمجرد أن يُنتقد هذا الأخير، سواء يكفر أو يخون أو يؤديان إلى إعدامه، كل ذلك يدفع بالمبدع العربي أن يعيش في حالة لا توازن، وبالتالي يصبح فاقدا لكل شيء، ومن تم لا يستطيع أن يساهم في التغيير· أعتقد أن الكاتب عبارة عن الوجه الحضاري للعالم، لكن بوجود الإعلام بأنواعه الآلي والمرئي والمسموع، أضحى الكاتب لا قيمة له في ظل هذا الزخم الإعلامي، كما أصبح الكاتب يصنف ضمن ثلاثة أنواع، إما كاتب منبطح تحت عباءة الحاكم، وإما كاتب معارض، وقد يكون إما منفي أو مقتول اقتصاديا، وإما أن يكون منزويا في بيته، وبالتالي يصبح التغيير من المستحيلات، وعليه لا يمكن أن نحمّل الكاتب فوق طاقته، فمثلا مجرد أن يفكر هذا المثقف في الترشح يفقد كل عشيرته· من هم الكتاب الجزائريون الذين قرأت لهم؟ أنا أقرأ دون توقف، كما أنني أقرأ القديم والحديث، بالنسبة للكتاب الجزائريين قرأت لواسيني الأعرج، طاهر وطار وكاتب ياسين، ووجدت في كتابة هؤلاء أنها تميزها مبادئ وأصول الثورة الجزائرية· بعد مرور عقود من الزمن في عالم الكتابة، ما يلاحظ هو انعدام رواد آخرين بعد نجيب محفوظ وطه حسين··· وغيرهم، لماذا هذا التراجع؟ بالفعل، هناك عملية انحدار، فمنذ السبعينيات هناك انهيار وانعدام شامل للكتابة، والسبب يرجع إلى الاحتلال· ومن المتعارف عليه أن بعد عملية السقوط تبدأ عملية استرجاع الأنفاس والتوازن لقراءة كيفية السقوط، وخلال هذه المرحلة تبدأ الكتابة، وعليه نحن كمبدعين عرب لا نزال نعيش تحت أشلاء السقوط، غير أنه في سنة 2006 بدأت عملية الاستقرار، وهذا بعد هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان، ومن ثمة بدأ الشارع العربي والمواطن والمفكر العربي يراجع حساباته· إذا تحدثنا عن النصوص المسرحية وجدنا جل الأعمال مقتبسة من النصوص الأوربية، هل برأيك الكتّاب العرب غير مؤهلين لذلك؟ لا أوافقك الرأي، عندنا كتاب لمسرح من النوع الرفيع، غير المسرح حاليا أصبح مكلف ماديا، وهو يحتاج إلى شيئين أساسيين هما النص الجيد وممثلين قادرين، إلى جانب قاعة عرض واسعة· إلا أن الملاحظ أن التلفزيون أصبح ينقل كل شيء، وبالتالي توقفت الكتابة، وعليه التلفزيون غيّب الكتابة المسرحية·