اعتبر الدكتور أحسن تليلاني من جامعة سكيكدة، خلال المداخلة التي ألقاها مؤخّرا بقصر ''الثقافة والفنون'' للمدينة، حول توظيف الأسطورة في المجموعة القصصية ''جنية البحر'' للأديبة القاصة جميلة زنير، أنّها تجربة متميّزة في مجال الكتابة القصصية، سواء على مستوى التراكم الإبداعي القصصي الجزائري أو على مستوى تجربتها الأدبية. وأرجع ذلك إلى كونها من الأقلام القليلة التي لها باع كبير في مجال الكتابة، وبالخصوص على الصعيد اللغوي، حيث يتداخل السرد مع الشعر إلى درجة الامتزاج، إلى جانب التجديد الذي تتميّز به على صعيد توظيف الأسطورة، وبرز ذلك جليا - حسب المتدخل - في مجموعتها القصصية ''جنية البحر''، إذ ومنذ البداية يمكن إدراك تقاطع رمزية الأسطورة وهي الجنية مع انزياحية اللغة (جنية البحر) إذ تحطّم تعبير ''عروس البحر''. ويضيف الدكتور تليلاني، أنّ حضور الجنية في المجموعة القصصية يحتل ثلاث قصص كاملة وهي 'جنية البحر' ،' رجل من عالم آخر' و 'القراصنة' ، إذ نلمس بين هذه الأخيرة الكثير من القواسم المشتركة مثل توظيف أسطورة الجنية التي تسكن عقل الإنسان وتتحكّم في عواطفه، فتنقله إلى عوالم سحرية تتجاوز الكائن لتبني الممكن والخرافي. ويرى أنّ الكاتبة لم تنغلق في دائرة إعادة كتابة الأسطورة كما هي معروفة في الخيال الشعبي، بل عمدت إلى استلهامها وتوظيف رموزها ودلالاتها حسب الموضوع وحسب بنية الأحداث، لذا يرى الدكتور أنّ القاصة جميلة زنير لا تهتم بأسطورة الجنية من حيث الحكاية التي ترويها، بل تهتم بها من حيث الرمز والدلالة اللذان توحي إليهما، فأسطورة الجنية كما هي معروفة في الخيال الشعبي كغيرها من الأساطير، عبارة عن تفكير خيالي أساسه الخرافة والطقوس الدينية البدائية، لهذا يرى المتدخل أنّ الجنية ليست حقيقة وإنّما هي أداة لكشف الحقيقة وتعرية الجوانب الاجتماعية والنفسية للشخصيات، لذا، قال بأنّ القاصة نجحت في توظيف أسطورة الجنية وأحسنت استلهامها من التراث الشعبي. مبتعدة في ذلك عن استلهام الأساطير الأجنبية، لأنّ الرموز المستعارة أو المنقولة لا تعدّ رموزا، إضافة إلى أنّ المجموعة القصصية غنية بالدلالات... وخلص الدكتور تليلاني في الأخير، إلى أنّ جميلة زنير تعدّ من أبرز كاتبات القصة القصيرة في الوطن العربي، على الرغم من أنّ كتاباتها لم تحظ إطلاقا بالعناية وبالمتابعات النقدية الجادة، كما لم تحظ بالدعم الإعلامي كالذي حظيت به أحلام مستغانمي... هذا، وقد رأى المتدخل أمام حضور متواضع جله من الجنس اللطيف، بأنه يرفض مصطلح الأدب النسوي لأنّه مصطلح شائك، كما أنّه حسبه لا توجد به خصائص تميّزه عن غيره من الأدب، فالرقة والإحساس والحب وعلاقة المرأة بالرجل، بما في ذلك ما يصطلح عليه بالإيروسية، كلّها خصائص موجودة في كلّ الكتابات الرجالية أيضا.