ما الإبداع؟! هو أن ترسم ذلك العالم الخفي الذي بداخلك حتى تراه العين، أو تنصت إليه الأذن، ثم تحدث اللذة، وتحدث كل تلك الأشياء التي تتجاوز حدود اللذة، ويكون ثمة ذلك المرض الخطير الذي اسمه شهرة· أن تبدع أغنية، رواية، شعرا، صورة، فيلما أو أي شيء من هذا القبيل، لكن هل هذا هو الإبداع؟! نحن عندما نفتح أعيننا، تلقننا أن هذا الشيء هو الإبداع، ومن خلاله اختلف ذلك العالم المتوسط، العالم المتفق على قيمه، وعلى رسوماته·· أقول مثل هذا الكلام، عندما وجدتني أتناقش مع صديق على عمل فني، أم إن شئت حول ميلاد عمل فني، من ذا الذي يشعر بلحظة الميلاد، هو ذلك الخلاق المبدع، وقد ينجح في لحظة خاصة وقد لا ينجح، ثم تمر تلك اللحظة ليعيش لحظة أخرى، وهي لحظة ما بعد الخلق، وقد تكون هذه اللحظة مصدر سعادة للمبدع أو مصدر شقاء، في حين تتجاوز الإبداع مثل هاتين اللحظتين، لأنه مطلق، متحرر من كل القيود، ومن كل الأصداء، ومن كل الأشكال المتعارف عليها، ومن كل النقاط التي تعيد خلق المبدع في فضاء آخر، أو تدمره، طبعا السؤال القديم وقد تناولته عدة فلسفات، لكن برغم قدامته يبقى السؤال حيا وحيويا ومتجددا، وهو بقدر ما يثير إشكاليات يجند الخوض فيها الكثير من المثقفين والمبدعين، فهو يثير ذلك الحزن الخطير الذي لا يعرفه سوى المبدع، ذلك المكتوي بلظى لحظة الخلق· -2- وبمحض الصدفة اشتريت اليوم روايتين، الأولى للطاهر وطار، تحت عنوان '' قصيد في التذلل'' عن منشورات الفضاء الحر، والثانية لرشيد بوجدرة عن دار البرزخ تحت عنوان ''de barbarie les figuieres '' وقلت لنفسي، ها هي عودة لكاتبين جميلين تركا أثرهما في المشهد الروائي الجزائري·· تصفحت الروايتين وأنا رفقة صديقي نور الدين، قال صديقي نور الدين، أن رشيد بوجدرة مات، وسألته مستغربا، لماذا؟! فقال لي، أنه لم يجد بوجدرة الجديد في عمله الأخير، أنا احتفظت برأيي إلى لحظة بعد قراءة روايته الجديدة، لكن أكبر ما خشيته، هو عندما أمضيت بعض الوقت مع رواية الطاهر وطار، انتظرت الجديد، انتظرت النفس الجديد لروائي كبير، لكن ما أزعجني وأنا ألهث عبر سطور الرواية، أنني وجدت نفس الهيكل التقليدي ونفس الحبكة ونفس الشخوص، ومع ذلك إني أتمنع عن قول رأيي في الرواية إلا بعد أن أجلس طويلا إلى عمل الطاهر وطار الأخير··· -3- جملة من التذلل·· هذه التجربة أيها السادة والسيدات مهداة للسيد مدير الثقافة، وإلى كل أحبابه وعلى رأسهم السيد الكبير··