زالت منذ الدقائق الأولى التي أعقبت الزلزال، كل الخلافات التاريخية التي كانت بين بلدية بني يلمان وونوغة بسبب الاتهامات التي طالت أهل ملوزة التابعة للبلدية الثانية، بالتعامل مع السلطات الفرنسية خلال الاحتلال· ورغم أن المصاب واحد والألم واحد إلا أن الضرر غير البالغ على النحو الذي أصيبت به بني يلمان جعل أبناء ونوغة بدواريها ملوزة وأهل الوادي يكونون في نجدة أهلهم بالغطاء والأكل قبل أي جهة أخرى كانت في ولاية المسيلة، سواء مواطنين كانوا أم سلطات· وقال لجدل لخضر، وهو مقاول ومن أعيان بني يلمان ل ''الجزائر نيوز'' إن أبناء ونوغة وملوزة أحرار وشبابهم شهم وذو فضل ولنترك التاريخ للذين عايشوه وأرادوا أن يورثوا لنا ضغائنهم نحن الجيل الجديد''· هذا مظهر واحد فقط من بين العشرات من مظاهر التضامن الكبير الذي يسود بين أبناء المنطقة المنكوبة، الذين سرعان ما تكاتفت قوى تضامنهم واتحدوا في احتجاجاتهم ضد السلطات المحلية من المنتخبين والمسؤولين الإداريين··· بني يلمان بالأمس عاشت اليوم الأول من الغضب والثاني هو مرشح بأن يشهد تصعيدا كون المنطقة في حاجة لنحو 1500 خيمة، حسب رئيس المجلس الشعبي البلدي أوعيل قدور، بينما الذي وصل المنكوبين لا يتعدى ال 129 وحدة·· بني يلمان·· 24 ساعة بعد الزلزال وصلنا إلى المنطقة التي أرعدها الزلزال في حدود الثامنة صباحا، كان بعض أهل المنطقة لا يزالون يفترشون الطريق ويغطون في النوم·· بل قد لا يكون كذلك بقدر ما هو غفوة صغيرة عن تعب جسدي وخوف نفسي لم يفارق أبدانهم منذ الواحدة والنصف زوالا من جمعة الأسبوع الماضي··· كان المنكوبون يلازمون أحياءهم خوفا على أملاكهم، لكننا عندما تنقلنا إلى مركز قيادة العمليات بوسط بني يلمان، تفاجأنا بالأمواج الغفيرة التي تحاصر المركز وتطالب رئيس البلدية الذي كان لاجئا بداخله، بحل أزمة اسمها الخيم·· بدأ المنكوبون يضيقون ذرعا من أول ليلة باتوا خلالها مع أهلهم وذويهم وأطفالهم في العراء، حيث زادت زخات المطر التي تساقطت على المنطقة من استياء المنكوبين وتأجيج الشعور بالسخط والاستياء من وضعهم·· لم يكن صعبا على المنكوبين الاكتشاف بأننا من الصحافة الوطنية، لقد كان رقم المركبة الإداري المرقم عن العاصمة، عاملا مباشرا في التعرّف علينا بسهولة، ثم إن كاميرات مصورنا استهوت العديد من المحتجين الذين رفضوا أن نسبق في استقاء المعلومات والإحصائيات من الإدارة·· ''الصحيح تجدونه عندنا وليس عند هؤلاء سيكذبون عليكم، والحقيقة تجدونها عند السكان فقط''·· كانت تلك الكلمات أولى الحوارات التي قابلنا بها أهل بني يلمان· لم يكن اختراقهم للوصول إلى مركز قيادة عمليات الإغاثة بالأمر السهل، بعد طمأنتهم بنقل انشغالاتهم عبر الجريدة·· القوم لم يعودوا يثقون في أحد بعد أن عجزت في نظرهم السلطات المحلية عن توفير الخيم لكل المنكوبين منذ الليلة الأولى للزلزال·· ''عددنا لا يتجاوز 8 آلاف في بني يلمان والمنكوبون بيننا أقل من ذلك بكثير وقدرات الجزائر ليس لها أي تقدير، فكيف تفسرون هذا العجز ؟''·· منذ الوهلة الأولى أدركنا أن التيار لم يعد يمر بين هؤلاء وهؤلاء· المير: مشكلتنا الخيم وهيجان المنكوبين؟ تحت الخيمة المنصبة قبالة المركز الثقافي لبني يلمان، كتب أعلاها مركز قيادة العمليات·· يعج عدد غير ثابت بفعل الدخول والخروج من المسؤولين والمنتخبين المحليين وقيادات الأمن والحماية المدنية، كانت الأرقام تتغير بسرعة على اللوح الذي كان موضعا تحت الخيمة·· وكذلك كانت تتغير درجات الهزات الارتدادية التي كانت ترد عبر الفاكس من العاصمة إلى تلك الخيمة المحاصرة من طرف المئات من المنكوبين والأصوات المزمجرة·· كُتب على اللوح بأن بني يلمان بها 8741 نسمة تتربع على مساحة 125 كلم2 وكانت عدد الهزات الارتدادية التي سجلت إلى غاية اللحظة التي دخلنا الخيمة فيها بعد ترخيص لنا من قبل قيادات الأمن والإدارة لعملية الإغاثة، لا تقل عن 22 هزة منها من قارب الخمس درجات·· وكان مركز الهزة الأم قد تم تحديده·· سبعة كيلومترات شمال غرب ونوغة كانت تتوسط جبال وهضبات كل من الخرط وتامازيغت ومجوط وشرشارة ومحازم·· الأضرار المادية والبشرية كحصيلة أولية تمثلت في وفاة شخصين عجوز عن عمر يناهز الخمسة والستين سنة وشيخ في السبعين، أما الإصابات ف 25 جلها خفيفة، حسب قائد الحماية المدنية· أما المصدومين، فكان أرفع عددا 35 شخصا· ماديا، خسرت بني يلمان 172 بناية متفاوتة الأضرار ومتوسطتين وثلاث مدارس ابتدائية ومقرالبلدية وعيادة والمركز الثقافي الوحيد، بالإضافة إلى ثلاثة مساجد كاملة· من حيث الإمدادات كانت ولايتي البويرة وبومرداس الوحيدتين اللتين أنجدتا سلطات المسيلة·· مركبات وشاحنات نقل وتدخل لرجال الحماية المدنية ومولدات كهربائية ووسائل اتصال لا سلكية وسلكية وسيارات إسعاف، علاوة على وجود 158 عون حماية مدنية منهم أكثر من 20 ضابطا وضابط صف· يقول رئيس البلدية إن فرق الدراسات التقنية بدأت تنتشر منذ الساعات الأولى بين 11 حيا لبني يلمان لإحصاء مدى تضرر السكنات وعددها، كان بين الفينة والأخرى يقطع حديثنا معه ليرد على هاتفه النقال الذي لم ينقطع عنه الرنين للحظة واحدة·· كان يقول بملء فيه ''نحن في حاجة إلى أقصى عدد ممكن من الخيم ونحتاج إلى استراتيجية عمل لتوزيعها''·· بدا نقص الخبرة والتجربة كبيرين لدى عناصر البلدية· قال المير في تصريح بأنه ''تم توزيع 129 خيمة وتم قطع الطريق أمام إحدى الشاحنات التي كانت تقلها وتم تحويل عدد منها بالقوة من طرف المواطنين الذين أعاقوا عمل توزيعها بسبب الفوضى''·· المير أضاف بكل وضوح أن السلطات العمومية التي يمثلها الوالي هي الوحيدة التي تعلم عدد الخيم التي ستصل، ليعبّر بذلك عن الانفراد الذي يعمل به كل طرف بين الإدارة والمنتخبين· خيمة قيادة العمليات كانت بالأمس عبارة عن خلية نحل حقيقية لكن لا تعكس حيويتها أي اطمئنان في الخارج· فالشارع يغلي والسب والشتائم تسمع من مكان بعيد، كان لزاما أن نذهب للاستماع إلى أصحابها والسبب الذي يجعلهم يتلفظون بها· فور الخروج من تحت الخيمة التي منحتنا كل المعلومات وأول الإحصائيات التي كانت تتغير بسرعة رهيبة، حاصرونا وأراد المئات أن يعبّروا لنا واحدا واحدا عن رأيهم، وأمام عجزنا وسط تلقفنا من هنا وهناك بين جموع المواطنين تدخل عقلاء ''إنهم صحفيون وليسوا سلطات لتقسيم الخيم لننتظم ونروي لهم الفضيحة التي طالتنا بسبب سوء تسيير الأزمة''· لقد لخص أحدهم رغبتنا في كيفية الحديث معهم· لقد كان مطلبهم الضروري قبل الخوض في أي تصريحات شعبية أن نقوم بجولة بين الأحياء لرؤية حالة عائلاتهم ووضعية العجائز والشيوخ والنساء والأطفال·· لم يكن بوسعنا الرفض، وكادت أن تتحول عملية انتداب شخص واحد ليتنقل معنا في السيارة كمرشد لنا عبر الأحياء المتضررة إلى أحداث شغب عارمة، لقد أراد كل واحد أن تتجه عدسة المصور إلى منزله العائلي لنقف على مدى الأضرار، ومرة أخرى حل الإشكال صوت مجهول من أصوات العقلاء، لقد انتدبوا طاكية الميلود·· شاب خفيف الحركة حيوي ذو بشرة شاحبة، يبدو أنه ذو نفوذ وسط الشباب يعمل كبناء ويعرف كل صغيرة وكبيرة عن خصوصيات العائلات وبني يلمان·· يعرف المنطقة بيتا بيتا بين الذين انهاروا بل ويعرف حتى وضعياتهم التقنية'' لقد ساهمت في بناء معظم مساكن بني يلمان بيدي هاتين، وأكلت وشربت عند معظم أهل المنطقة'' وشقت بنا السيارة، الطريق إلى ما بين الأحياء، فتارة ترى فيلات متراصة وتارة أكواخ طوبية مرصعة العمران، كان فوضويا في ثياب ريفي ويبدو التوسع العمراني غير خاضع لأي معيار تقني أو هندسي·· الكل بنى متى شاء وكيفما شاء والنتيجة هزة بخمس درجات أتت على الفيلا والطوب معا، الخسائر مقدرة بالملايير، كانت النساء التي تخمرن وبين أيديهن أمهاتهن أو أولادهن ينتشرن عبر الأحراش ومضايق الأحياء وأزقتها منهم من كان قد أصاب حظه من الخيم ومنهم من ينتظر ومنهم أيضا من وجدناه ينصب البعض الآخر·· إنهم جماعات وفرادى يترصدون شاحنة البلدية التي تطوقها قوات الأمن للاستيلاء على ما تحمله من خيم· يقول دركي كان يرمق تحركاتنا لو كنتم مكاننا وسط هذه الهيستيريا كيف كنتم ستتصرفون؟·· لم يسعن سوى قولي ''ربي يعطيكم الصبر والشجاعة ومصابهم هو الذي يتصرف الآن وليس جريرتهم''· كان الديكور في أحياء عميرات والجبل والظهراوي والثورة وبوضياف والمنظر الجميل، شبه خراب·· لقد أقسم معظم الشباب بأن وقع الزلزال رغم درجته غير الكبيرة ''كان رعبا لم يروه من قبل، نقسم بالله أنننا رأينا الجبل ينشق وخرج من صلبه دخان كثيف انتشر عبر الأجواء، لقد خلناه بركانا سينفجر وكانت الأرض ترقص تحت أقدامنا كما ترقص الريح بالأشياء''، أكد المواطنون أنه ''لولا توقيت الزلزال الذي ضرب ظهرا لكانت الحصيلة أثقل بين الموتى والجرحى·· لماذا سب وشتم السلطات؟ يقول طاكية، مرافقنا في بني يلمان، ''السلطات تتلاعب بنا''، ويقول آخر ''إنهم يريدوننا أن نشرب الحليب ونأكل الخبز بدل أن نكون مأويين في الخيم، وهذا مرفوض'' وتتعامل السلطات مع كل تلك الاحتجاجات الصاخبة بشكل كبير من الحكمة والتريث وتتفهم غضب الشعب المنكوب بل هناك من المنتخبين من يساند الغاضبين ضد السلطات المحلية، إذ يقول المنتخب في البلدية، العمري عبد القادر، الذي التقيناه بعد خروجنا من بين الأحياء سالمين داخل الملعب البلدي ''السلطات لم تتعاون معنا بشكل جيد، هناك خيم تم خطفها ولحد الآن لم نستلم سوى 100 وحدة جديدة، بينما أنتم ترون ما يحدث أمام مدخل الملعب''··· ويقول بن مبارك رابح، أحد أعيان المنطقة وعضو اللجنة الدينية في بني يلمان ''نحن أمانة في رقاب السلطات، نريد خيما لا أكلا، نريد أن ننصبها أمام بيوتنا، نحرس أملاكنا لا أن يتم حشرنا في الملعب''· ويضيف آخر: ''لقد أخذوا 10 آلاف إلى السودان وعجزوا عن تزويد بضع عشرات من المنكوبين في قرية بالخيم''، ويزيد آخرون دفعة واحدة ''إنها فضيحة لقد تاهوا بسبب كرة القدم''· المنتخبون والإدارة·· لا سمن ولا عسل قالت مصادر منتخبة محليا إن صراعا خفيا اندلع بين أنصار ''المير'' السابق جاجة علي والحالي سعيد أوعيل، والفرصة الآن مواتية للشعب كي يحكم على أهلية ''المير'' الحالي في قيادة البلدية، ويقول منتخب آخر: ''نحن نفكر في الاستقالة وسنناقشها بعد هذه الأوضاع التي أصبحت كارثية ومفلتة من بين ''يدينا''، ولقد حدث خلاف أمام مرأى منا وجميع الحاضرين، أمس، في الملعب البلدي بين مدير التجهيز والعمري عبد القادر بسبب منع الأول توزيع الحليب والخبز بين المنكوبين تحت إشراف المنتخبين، وهو ما دفع المواطنين ومعهم منتخبين محليين في البلدية يقاطعان المدير ويمتنعان عن أخذ المؤونة إلى المواطنين بعد اشتراط المسؤول وجود إداريين، وقال أحدهما: ''إنهم يريدون أن يظهروا للوزراء إذا جاؤوا بينهم يوفرون الخبز والحليب لتغليط الحكومة''· وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لم يتم دفن الضحيتين بسبب حالة الفوضى التي تعرفها المنطقة مع الاحتجاج والمطالبة بالخيم، وكان الوزير المنتدب للجماعات المحلية دحو ولد قابلية، ووزير التضامن جمال ولد عباس، قد تنقلا أمس إلى المكان وقاما بتعزية أقارب الضحيتين. وعلى هامش زيارتهما للمنطقة، قال الوزير المنتدب للجماعات المحلية إنه على المنكوبين تنظيم أنفسهم حتى يتسنى للسلطات مساعدهم وتقديم الإعانة إليهم، في حين قال الوزير ولد عباس أن الدولة وفت كل الإمكانيات اللازمة لتجاوز هذه المحنة، لكن يبقى ذلك بلا معنى مع الفوضى التي تعرفها المنطقة·