إن الولاياتالمتحدةالأمريكية في سياساتها تغذي العمليات التي تسميها بالإرهاب عليها أكثر مما تقضي عليها، وما تقوم به في الشرق الأوسط والعراق وفي مناطق أخرى بإيجاد الظروف التي تؤدي إلى الصراع بين الحضارات، هذا الصراع الذي تؤكد دائما عليه، يجب علينا رفضه لأنها تريد أن تنقل العالم إلى حرب رابعة لأنها تأتي بعد ثلاث حروب عانت كثير من شعوب العالم من ويلاتها، فالحرب الأولى من 1914 إلى 1918 والثانية من 1939 إلى 1945 والثالثة كانت من 1947 إلى 1991 وهي الحرب الباردة· وإن كانت للحروب السابقة كلها نهاية، فإن الحرب الرابعة هذه ستكون بلا نهاية· ومن أجل تفادي هذه الحرب الرابعة، فعلى العالم أن يأخذ بجدية وحسم تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن هذا الصراع أصبح اليوم هو المنشأ أو المنبت الذي تخرج منه الصراعات الأخرى، والسؤال الذي يطرحه كل عاقل اليوم نزيهة الفكر هو كيف انتقل العالم من الحرب الثالثة إلى الحرب الرابعة أو من الحرب الباردة بين الكتلتين الشيوعية والرأسمالية التي أطلق عليها ''الخطر الزاحف من الجنوب'' ثم تغير التعبير إلى العالم الإسلامي ثم إلى الإسلام المتطرف ثم أخيرا إلى ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وكيف وجد العالم نفسه مضطرا إلى أن يوحد جهوده ويشكل كتلة واحدة تسير كلها خلف الولاياتالمتحدةالأمريكية، طبعا، ومن هذه الدول الجزائر، فبدون سابق إسرار وتعمّد -كما يقول رجال القانون- يشن الرئيس الشهيد صدام حسين حربه ضد شركة من شركات البترول الخليجية ''الكويت''، وبعدها المقاطعة 19 في جمهورية العراق عام 1990 أي غداة سقوط الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفياتي في عام 1989 ويصبح صدام حسين فورا بعد أن ساندته الدول الغربية عسكريا في حربه ضد إيران العدو الأول وصاحب رابع أكبر جيش في العالم، ولكن صدام حسين بعد أن ضم دولة بالكامل إلى بلاده، وهي أول سابقة في التاريخ، أصبح يملك أكبر مصادر للبترول، وهكذا بدأ الحديث عن الخطر المقبل من الجنوب، ولكن هذا التعبير الأوروبي اليوم عن الجنوب غير مقبول من طرف كثير من دول الجنوب، لأن دول الجنوب سواء أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو في جنوب آسيا أضعف من أن تكون كتلة تحارب الشمال، كما أن لا شيء يربطهم بعضهم ببعض في هذا الزمان، الآن البعض يرى هذا الصدام هو صدام حضارات مع أن الحضارات هي عبارة عن كيانات ثقافية تضم تاريخا وثقافة ولغة ودين وتقاليد ومؤسسات، والإنسان الذي يعش في حضارة يصبح جزءا منها ويكتسب هويتها، لذلك أصبح السؤال المطروح على الإنسان المعاصر هو من أنت وليس إلى أي معسكر تنتمي؟ مع أن الجواب سيكون عند الإنسان المسلم هو إنني مسلم أنتمي إلى الحضارة الإسلامية، وهؤلاء الغربيين يرون أن الإسلام دين يتخذ الحروب وسيلة للانتشار خاصة بعد عملية 11 سبتمبر .2001 لكن لكي تؤكد وتقنع الإعلام الغربي بأن الإسلام شن حربه على العالم الغربي، واستعمل الرئيس جورج بوش تعبير ''الحرب الصليبية'' لكي يعلن حربه ضد الإسلام وأعربت بعض الدول الغربية مثل إيطاليا وإسبانيا عن قناعتها بأن الحضارة الغربية التي تتمتع بالتميز والتفوق على الحضارات الأخرى يجب أن تدافع عن نفسها ويبقى في نهاية المطاف أن سبب هذا الصدام هو ''الصراع الفلسطيني الإسرائيلي''، فالواقع الذي فرض على الفلسطينيين وعدم احترام القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن بالأممالمتحدة الخاصة بالصراع في الشرق الأوسط والشعور بأن الابن المدلل (إسرائيل) للولايات المتحدةالأمريكية لن يتعرض أبدا لضغوط من حلفائها الأمريكيين مهما كانت تصرفاتها، وهي المشاعر التي تسود ليس فقط العالم العربي بل أيضا العالم الإسلامي الذي أصبح يتحدث عن المعايير المزدوجة والنفاق الغربي كل ذلك من شأنه أن ينمي مشاعر الكراهية بين العالم الإسلامي والعربي ضد العالم الغربي، ومع ما قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق مع حلفائها باسم تطبيق قرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية وضد انتشار الأسلحة ذات الدمار الشامل وحقوق الشعوب في تقرير المصير ودعم الديمقراطية وهي نفس سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ولا تتعرض للعقاب من أجلها· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن عملية طمس المعالم الإسلامية في فلسطين وزيادة الهدم للأقصى الشريف يمكن أن تكون شرارة حرب بين الإسلام والغرب لما له من تداعيات جيواستراتيجية كبيرة، فرغم أن الشعب الفلسطيني يضم مسلمين ومسيحيين يناضلون بنفس القوة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، فإن هذا الصراع سيعبء مشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم على الغرب بشكل عام وعلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل خاص لعدم معاقبة الإبن المدلل ''إسرائيل'' التي لم تعد تحفل بالقرارات الدولية أو احتجاجات المجتمع الدولي بدليل أن إسرائيل لاتزال مستمرة في احتلالها ببناء المستوطنات وهدم الأقصى الشريف من جهة، وقمع الفلسطينيين من جهة ثانية· ومعظم الشعوب الإسلامية في العالم تلوم الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل خاص لمساندتها لإسرائل في تجاهلها لكل القرارات الدولية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني· كما أدى تدهور الأوضاع الفلسطينية في القطاع والضفة خاصة منذ الانتفاضة الأخيرة التي أدت إلى تزايد كراهية الشعوب الإسلامية للولايات المتحدةالأمريكية بسبب مواقفها الموالية دائما وبدون حق إلى إسرائيل ·أما بالنسبة للعالم الغربي، فإن الشعوب الإسلامية تلومه على مساندته السياسة الأمريكية أو على الأقل صمته إزاء تلك السياسة· هذا من جهة، ومن جهة ثالثة، فإن الصراع بين الفلسطينيين واليهود لا يحل بالطرق الدبلوماسية أو السياسية، لأنه موجود داخل جذور الشعبين اللذين يتصادمان وهما الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي، وبالتالي فإن فقط الحل العسكري هو الذي يجب أن يسود، وبالتالي على الدول الإسلامية أن تساند الشعب الفلسطيني الذي يقف مع جميع المسلمين ضد عدو مشترك وهم اليهود، والحقيقة أن الصراع بين المسلمين واليهود لا يشكل صراع حضارات، لأن الشعب اليهودي لا يشكل حضارة سواء من ناحية العدد أو من الناحية الجغرافية، حيث أن اليهود عاشوا دائما داخل مجتمعات وحضارات أخرى ولم يكونوا يعرفون معنى الحضارة إلا بعد أن أقاموا الدولة الإسرائيلية، حيث يرون أنهم أكلموا عناصر الحضارة التي في رأيهم هي اللغة والدين والتقاليد والآداب والمؤسسات والهوية الجغرافية والسياسية، هذا مع إقامة المنظمات اليهودية المختلفة في أنحاء العالم بإقامة الصلة الرابطة بينهم وبين إسرائيل بتأكيد استمرار هويتهم اليهودية الإسرائيلية وتلك المجتمعات اليهودية تقوم في نفس الوقت بالتأكيد دائما على تميزهم عن المواطنين الآخرين أبناء نفس المجتمعات وتميزهم عن الحضارة التي يعيشون في كنفها· ومع هذا يبقى هذا الصراع له أثره وقد يقود العالم إلى كارثة حقيقية، إن لم يتم تسويته بشكل يقبله الجميع، فإيجاد حل للشعب الفلسطيني عن طريق إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام بجانب الدولة الإسرائيلية ذات حدود آمنة ومعترف بها قد يكون إحدى المهدئات لفترة زمنية محدودة ولا ينهي الصراع، ولكن بدون استعمال هذه المهدئات قد يذهب العالم إلى حرب عالمية رابعة سوف تصبح حقيقة، وأن القرن الحادي والعشرين سوف يشهد كوارث لم يشهدها القرن العشرين الذي وصف بقرن الحروب·