هذا بالفعل سؤال مهم وصعب في نفس الوقت، خصوصا في هذه الأيام التي تتكثف فيها الجهود الدولية بقيادة الولاية المتحدةالأمريكية لتقييد انتشار الأسلحة النووية وحصار الدول التي يسمونها ''مارقة'' داخل محور الشر مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا الشقيقة باعتبارها خطرا على السلام والأمن الدوليين· لكن السؤال صعب هو ''لماذا لا تملك الجزائر أيضا السلاح النووي'' لحماية أمنها وسط غابة من الترسانات النووية الموجودة اليوم في العالم، ولردع القوى المعادية التي تملك هذا السلاح دون أن يردعها الضغط الدولي إياه، سؤال يظل قائما وتظل إجابته مفتوحة على كل الاحتمالات لأنه يظل سؤال الضرورة· فمبررات امتلاك الجزائر وضروريات الحصول على الرادع النووي قائمة وواضحة لمعادلة موازين القوى المختلفة، ولردع المخاطر النووية الرابضة لدى أعدائنا اليهود ومن يسير في طريقهم، أما إمكانيات الحصول على الرادع النووي فهي متاحة وكثيرة إن توفرت الظروف وفي مقدمتها القرار السياسي الأعلى، وهو قرار استراتيجي من الدرجة الأولى تحكمه إعتبارات داخلية كثيرة، وقد سبق لعدد من الدول العربية اتخاذ هذا القرار والمضي قدما في تنفيذه، لكن التوقف أو الفشل أو التسليم كان مصيره، لأسباب باتت معروفة وفي مقدمتها الضغوط الأمريكية الإسرائيلية الهائلة· هذا مع علمنا أن العراق وليبيا قد بذلتا في السابق جهودا لبناء مشروع نووي مستعينان بخبرات علمية ودولية إلا أنه إصطدم كالعادة بحائط الصد الأمريكي الإسرائيلي، فتم قصف المفاعل العراقي الوليد عام ,1981 ثم تم فرض الحصار على العراق بسبب الاندفاع الطائش للسياسة الصدامية وصولا لإجهاض أي إمكانية للتقدم على المسار النووي وكل أسلحة الدمار الشامل كما هو معروف، أما ليبيا فقد سلمت ''الجمل بما حمل''، وتخلت عن ''حملها'' الذي أنفقت عليه كثيرا، وقدمت للولايات المتحدة كل ما لديها من أجهزة ومواد ومعلومات في سابقة شهيرة طمعا في تخفيف الضغوط الدولية عليها، وكسب العطف السياسي السامي· وفي الحين الذي وافقت فيه الدول العربية على تمدد الاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووي عام 1995 تحت ضغوط أمريكية مشهودة رفضت كل من الهند وباكستان الخضوع والتوقيع بحكم ما بينهما من صراع ضارٍ، ومضتا في التقدم بإنجازاتهما العلمية والعسكرية النووية إلى الأمام، بينما توافقت الإرادة الأمريكية الأوروبية على استثناء إسرائيل من الالتزام بهذه الاتفاقية الدولية رغم كونها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة عسكرية نووية تضم الآن أكثر 500 رأس نووي جاهز· وبينما كان العرب غارقين في هاجس السلاح النووي الإسرائيلي وخطورته العظمى عليهم، فإذا بالمشروع النووي الإيراني يظهر إلى العلن بعد سنوات من ''الغموض النووي'' الذي مارسته إسرائيل من قبل، وإذا بالدنيا تنقلب رأسا على عقب بحجة أن إمتلاك إيران للقوة النووية يمثل خطرا على أمن إسراذيل أولا، وعلى دول الخليج العربي المجاورة بكل ما تملكه من مخزون من النفط والغاز ثانيا، وعلى الأمن والسلام العالمي ثالثا· وفي حين تركزت الجهود الدولية بقيادة الولاية المتحدةالأمريكية على محاصرة المشروع الإيراني قبل أن يكتمل، بما في ذلك إحالته إلى مجلس الأمن لتوقيع عقوبات قاسية على إيران، فإن العرب الذين أصبحوا محاصرين بين نارين إنقسموا كالعادة إلى قسمين، واحد متحمس لامتلاك إيران السلاح النووي لردع إسرائيل ومواجهة الغطرسة الأمريكية الاستعمارية الهاجمة باعتبار أن السلاح النووي الإيراني هو ''سلاح إسلامي'' في الأول والأخير، وهو ما سبق ترديده بخصوص القنبلة النووية الإسلامية الباكستانية، وينسى هؤلاء أن هناك ضوابط داخلية ودولية تتحكم في هذا السلاح دون النظر إلى المعايير العاطفية والدينية، واسألوا باكستان تحديدا، أما القسم الثاني، خصوصا دول الخليج الهشة البنية البشرية والجغرافية والدفاعية، فترى أن السلاح النووي الإيراني خطر مباشر عليها قبل غيرها، وقد كان هذا رأيها ربما غير المعلن تجاه محاولات صدام حسين امتلاك سلاح نووي أيضا، الأمر الذي دفعها إلى طلب الحماية الأمنية الدولية التي تزاحمت أخيرا في المنطقة، برا وبحرا وجوا عبر القواعد والتسهيلات والأساطيل وبعضها يحمل أسلحة نووية بالطبع· فإذا ما دققنا النظر في الخريطة، وجدنا أنفسنا محاصرين بالأسلحة النووية من كل جانب، القوة النووية الإسرائيلية من ناحية، والقوة الإيرانية البازغة من ناحية أخرى، بينما القوى النووية الهندية والباكستانية تطل علينا من الشرق، فيما تطل علينا القوى النووية الأوروبية والأمريكية من الشمال والغرب عبر قواعد ثابتة في دول مثل تركيا وقبرص، وعبر أساطيل سابحة في المياه المحيطة بنا في البحر المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي، محملة بالسلاح النووي والتكتيكي، غالبا فوق الأسلحة التقليدية الحديثة، بينما السلاح الروسي النووي غير بعيد· فماذا بقي لنا من ثغرة في الفضاء المحيط لنتنفس عبرها هواء الأمن والآمان والإستقرار والسلام، بينما أيدينا خالية من كل الأسلحة النووية والتقليدية مقارنة بكل هذه الترسانات والأرمادة الرأسية الراسخة والسابحة المتحركة تفرض علينا حصارا ناريا رهيبا· إستشعارا لهذه المخاطر المحدقة، يجب علينا أن نطرح مبادرة عالمية لإخلاء العالم من كل أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها النووي والكيمياوي والبيولوجي، لكن لا أظن أن العالم يسمح لمثل هذه المبادرات والهدف من وراء هذا قد يكون حماية الترسانة النووية الإسرائيلية، خصوصا العضو الخامس في النادي النووي الدولي بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وبرايطانيا وفرنسا والصين القادرة على قمع العرب وفرض الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على مجمل الدول العربية دون جدال أو نزاع· والبلد العربي الوحيد الذي حاول في نهاية الخمسينيات بعد أعوام قليلة من المشروع الإسرائيلي المدعوم أوروبيا وأمريكيا ''مفاعل ديمومة''، بل وقبل المشروع النووي الهندي والمشروع الباكستاني، وبالطبع قبل أن يظهر للوجود المشروع الإيراني المثير للجدل هذه الأيام، ورغم التقدم الكبير الذي أحرزه المشروع المصري في سنواته الأولى بفضل توافر البنية الأساسية خصوصا الإمكانات العلمية والعدد الوفير من الخبراء والعلماء، فضلا عن المساعدات الأجنبية في ذلك الوقت رغم محدوديتها، فإن هزيمة 1967 وحرب الاستنزاف وانفجار الصراع السياسي مع الدول الغربية أدى إلى تباطؤ كبير في تقدم المشروع المصري، ثم تراجع كثيرا بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتقلب التوجهات السياسية وتغير اتجاهاتها في عصر الرئيس أنور السادات وحرب 1973 وما أعقبها من دخول في عملية التفاوض السياسي مع إسرائيل، والدور الأمريكي النشيط في إعادة تأهيل المنطقة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إغلاق الملف النووي المصري في نهاية السبعينيات ولا يزال إلى اليوم هذا في وقت كان الشيطان النووي كامنا على الناحية الأخرى من الخليج الإسلامي في غموض نووي خدع جميع أجهزة المخابرات، وربما حتى بعلمها ومساعدتها حتى تمكنت إيران من قطع معظم الطريق الصعب ولم يبق الآن سوى الخطوة الأخيرة، وربما تكون قد انتهت بتخصيب اليورانيوم في مراحله النهائية بما يعني أن إيران قد أفلتت من الضغوط والحصار، تماما كما سبق أن فعلت باكستان والهند دون معارضة خشنة أو ممانعة ناعمة من جانب الغرب· الآن تدافع الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مصالحها الاستراتيجية الرئيسية، مخازن النفط والغاز، أمن إسرائيل، السيطرة على أنظمة الحكم العربية المستسلمة للهيمنة المنفردة على هذا الحزام الاستراتيجي الطويل العريض الذي ترى أنه بات تحت تهديد الخطر الإيراني القادم من دولة ''مارقة''، والواقع في أيدي أصوليين مسلمين متطرفين يعادون سياساتها ويهددون مصالحها ووجودها في منطقة الخليج الإسلامي، ويكرهون الغرب علنا، ولذلك فهي تبذل كل الجهود متضافرة مع الضغوط الأوروبية والهواجس العربية والمخاوف الإسرائيلية والمراوغة الروسية والصينية لإجهاض المشروع النووي الإيراني، إما باستمرار الحصار الدولي والجهود السياسية، وإما بالضرورة العسكرية الإستباقية بيدها أو بيد إسرائيل الإبن المدلل· وفي المقابل، تناور إيران حتى تنجز خطوة تخصيب اليورانيوم، مناورات متعددة الأطراف والاتجاهات إبتداء بالخطاب المتشدد لرئيسها أحمدي نجاد ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والغرب عموما، وحشد الرأي العام والإسلامي بنبرة مستثيرة ومساندة متزايدة لكل الأطراف المعادية للغرب من حركة حماس في فلسطين وكذا الجهاد وسوريا وحزب الله في لبنان، وقبل ذلك وبعده، الإعتماد على تعبئة الداخل الإيراني المتميز بالقوة البشرية (أكثر 70 مليون) وبوفرة الثروات النفطية وبالموقع الإستراتيجي الملائم وباللعب النشيط في دول الجوار مثل العراق ودول الخليج العربي وبالقوة العسكرية المتصاعدة بما فيها صواريخ (شهاب) طويلة المدى القادرة على حمل القنبلة النووية إلى آلاف الأميال، في حين وقفنا نحن العرب جميعا نشتكي من المخاطر النووية المحيطة بنا، أو نتسلى ونتلهى برفع الشعارات اللفظية الفارغة حول إخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل، بينما الحقيقة الناصعة تقول أنه لم يعد أمامنا إلا أحد الخيارين: الأول: أن نمتلك سلاحا نوويا رادعا لنبقى أحياء في هذا العالم المتوحش· الثاني: أن يتخلى كل العالم من حولنا عن أسلحته النووية، فنتساوى على الميزان· فأي الخيارين أقرب إلى الواقعية وإمكانية التحقق· لكن الواقع المعاش يقول: لماذا نملك سلاحا نوويا؟ نحمي به بلادنا ولا نوجهه ضد شعوبنا؟