بعد أن انقطعت طويلا عن فومبيطا، قررت عباسية أن تأتي إلى فومبيطا، كانت تعرف أن فومبيطا أصبحت ترتاب منها، تحقد عليها·· عيون فومبيطا الصامتة كانت تفصح عن ذلك··· استيقظت باكرا، كانت تنام وتقضي حياتها في مبنى تابع لثكنة اللفيف الأجنبي·· نظرت إلى وجهها في المرآة·· أثار تعب ؟؟؟؟؟ كانت بادية على ملامحها، صوت داخلي يموج في أعماقها·· أثار كابوس كانت تتردد في مغاور ذاكرتها كالصدى المبحوح والمليء بالصدأ·· لكنها حاولت تمحو ذلك من داخلها·· ارتدت لباسا كاكيا، ووضعت كحلا بعينيها وأحمر شفاه، ووضعت مسدسا تحت ثيابها، ثم خرجت رفقة سائق على متن سيارة بيضاء تابعة للثكنة·· جالت بالمدينة ثم توجهت إلى فومبيطا·· قالت للسائق أن يذهب ثم يعود إليها بعد ساعة··· كانت بورطاش ترتجف·· صرخت في وجهها·· لكن عباسية ظلت صامتة ثم زعقت في وجه أمها بورطاش·· خرجت إلى الشارع الكبير ثم توجهت إلى محل خالي جلول··· رآهما شهود عيان، يتبادلان كلاما، بدأ هادئا، ثم ارتفعت حدته·· دخلت إلى المحل، لم يكن محمد أخو جلول هناك·· نظرت إليه بتحدٍ، وتكون قد قالت له، كيف تجرأ على تهديد والدتها·· وقد تكون قالت له، أن بحركة منها، يكون مصيره السجن·· يكون قد قال لها·· ''أصمتي يا خائنة·· أصمتي يا فاجرة، ويكون قد حدث شيء كالغضب، كالعاصفة·· بحيث تفتح عينيها، وهي ترتجف، وتحمر وجنتا جلول·· ويعود خطوات إلى الخلف، فيغلق الباب·· أما هي فتكون قد قالت له، أنه لا يخيفها، ولا تخافه·· بل أشفقت عليه عندما لم تبلغ عنه·· وعندها، تكون قد قالت له، ''أترك باب المحل مفتوحا·· بينما هو، كأنه لم يصغ إليها، أوصد الباب، والتفت إليها··· وعندها، امتدت يدها إلى المسدس الذي كانت تحمله، فانقض عليها جلول، بقوة وعنف وهو يحاول أن يحول بينها وبين المسدس·· يرديها أرضا، تصرخ، يضع يده على فمها·· تقاوم، تتعالى أنفاسه·· تحاول أن تشده من شعره، لكن يضع يده الأخرى حول رقبتها·· أما هو فيصعد الدم إلى رأسه·· يتنفس بقوة·· تتحرك رجلاه كالضحية الذبيحة·· يرمي بكل ثقله فوقها، تتخبط، يقول ''يا خائنة'' تزداد مقاومة، ويصر جلول على كتم أنفاسها··· يبقى مصرا على كتم أنفاسها··· ثم ترتخي·· تزداد ارتخاء·· زرقة بعنقها·· لم يعد قلبها يخفق، لم تعد تتحرك، لم تعد حية·· كانت جثة·· مجرد جثة·· وقف جلول أمام الجثة·· كان يعرق·· كان يبصق على الأرض·· جرها إلى مؤخرة المحل باتجاه الغرفة الخلفية·· كان يلهث·· مسح العرق من على جبينه·· كان يريد استعادة أنفاسه··· أغلق باب الغرفة الخلفية·· فتح المحل·· كانت الوجوه تمضي·· أغلق المحل··· ذهب ثم عاد·· كان الليل قد أرخى سدوله·· وضعها في شكارة ترابية اللون·· وضع الجثة على شاطئ وادي فومبيطا··· كانت السماء خالية من النجوم··· هل نام جلول ليلتها؟! المؤلف لا يدري إن كان قد نام·· لكن تخيلت أنه لم ينم·· وتخيلت أن صوتها كان يرن في أذنه، ويركض في مجاري ذاكرته كالعويل، كالنواح·· وتخيلت أنه استيقظ بعد كل غفوة، وخرج إلى البالكون وأشعل سيجارة·· وتخيلت كذلك أنه فكر في الاتصال بجماعته، لكنه تردد، وراح ينتظر قرارهم الغامض تجاهه·· فهم حذروه، وقالوا له، لا تفعلها·· إنها الأوامر، وهو خالف الأوامر·· قد تنتظره عقوبة لا يتوقعها·· وتخيلت كذلك·· أن أمها بورطاش ستفجع بموت ابنتها عباسية·· وكانت تدرك أن جلول هو من قتلها··· لكنها تصمت·· تبكي، وتنوح وهي تنظر إلى جثة ابنتها عباسية وهي عارية·· راح الجيران والجارات ينظرون إليها بصمت، ؟؟؟؟؟؟ في عواطفهم ومشاعرهم·· لم تذهب واحدة لتعزيها، أما كلبها الضخم والشرير، فكان ينظر إلى جسد عباسية وهو صامت كالحزين··· لم ينبح، ولم يعو·· غسلتها، منصور صاحب الكارو وشخص فقط، من ساعدا بورطاش على دفن ابنتها··· بحيث تخيلت أنهما وضعا النعش على كارو منصور·· وجلست بورطاش وهي تنوح، وتندب، والجيران يقفون على الرصيف، ينظرون بصمت إلى مشهد الكارو والنعش وبورطاش··· كان شعرها منفوشا·· وصوتها ناعقا، يدوي في السماء··· وكانت السماء كالحة، مشبوهة، غامضة·· أما المطر فبدأ بالتساقط بعد أن وريت الجثة التراب·· وعادت بورطاش وهي تركب كارو منصور وهي صامتة، بينما تتجمع الدموع كبركة راكدة في ؟؟؟؟·· وكان منصور ينظر إلى وجه بورطاش المفجوعة من جهة، وإلى الوجوه التي كانت تنظر وهي واقفة كالشجر الشاحب على الرصيف·· وتخيلت أن العسكر نزل من جديد إلى فومبيطا وأخذ أناسا كثيرين، من بينهم خالي جلول···