لا تزال قرية ثرمنت التابعة لبلدية مكيرة والواقعة حوالي 55 كلم غرب مدينة تيزي وزو تعاني من التهميش والإقصاء بسبب العزلة المفروضة عليها، فهي تفتقر لأدنى ضروريات الحياة الكريمة كاستفحال ظاهرة البطالة وأزمة السكن وغياب المرافق الترفيهية والحيوية وانعدام الأمن وأزمة العطش وتفشي ظاهرتي الانتحار والأمراض العقلية·· وغيرها من النقائص التي جعلت السكان يكابدون مظاهر التخلف ويعيشون يوميا واقعا مرا تحت وطأة البؤس والحرمان· ملامح حزينة ·· وجوه بائسة ·· ''الميزيرية'' ·· الفقر ·· والتخلف ·· صور ومظاهر اجتماعية تقشعر لها النفوس ·· هي أولى المشاهد التي تشد انتباه الزائر لقرية ثرمنت، هذه الأخيرة التي لم تنل حقها من التمنية، وسكانها يعيشون مرارة الحياة وهي أثقل من أن يتحملها بشر، يحدث ذلك في ظل تجاهل المسؤولين المحليين لانشغالات ومعاناة السكان، ليبقى الحرمان والإقصاء سائدين مما يعمق بؤس وشقاء السكان، ومع ذلك يبقى الحلم والأمل في حياة كريمة قائما، ينتظره السكان، ربما يتحقق يوما ما· أزمة السكن الهاجس الذي يؤرق السكان أول مشكل طرحه علينا سكان قرية ثرمنت خلال الزيارة التي قادتنا لهذه المنطقة هو مشكل السكن الذي يفرض نفسه بقوة، حيث أكد العديد منهم أنهم يعيشون مشاكل حادة في هذا المجال، وأنهم لم ينالوا حقهم من السكن ومن المساعدات التي تقدمها الدولة، وأشاروا إلى أن عدد العائلات التي استفادت من مساعدات السكنات الريفية لا يتجاوز العشرة بالرغم من أن القرية قدمت أكثر من 50 ملف للسلطات البلدية للحصول على المساعدات الخاصة بالسكنات الريفية، وقد اكتشفنا أن أزمة السكن في هذه المنطقة تشكل مصدر قلق حقيقي للسكان وينمي شعورهم بالإحباط واليأس، وفي هذا الصدد يقول ''محمد'' (47 سنة) وهو رب عائلة ''أعيش مع عائلتي التي تتكون من 7 أفراد في بيت قصديري، فمشكل السكن هو الوحيد الذي يجعلنا نعيش يوميا حالة قلق ويأس'' ويضيف قائلا ''حلمي الوحيد هو حصولي على سكن لائق أحمي فيه أبنائي من البرد ومن حرارة الشمس''· كما صرح بعض المواطنين الذين استفادوا من المساعدات الخاصة بالبناءات الريفية أنه يستحيل بناء سكن بمبلغ 70 مليون سنتيم، من جهة بسبب الطبيعة الجبلية للقرية حيث يتم إنفاق كل الأموال في الأساسات، ومن جهة أخرى بسبب الفقر الذي تفشى في المنطقة، وكذا ارتفاع أسعار مواد البناء خصوصا مادة الإسمنت التي بلغت 1700 دج للقنطار الواحد، حيث وجدنا عائلتين استفادتا من مساعدة في مجال السكن الريفي منذ مدة والتي كانت قيمتها تقدر آنذاك ب50 مليون سنتيم، لكن إلى حد اليوم لم تنته من إنجازه فالأشغال متوقفة في الأعمدة ·· وفي هذا الصدد يقول عمي أعمر ''يمكن أن تشيد فقط الأرضية ب 70 مليون سنتيم، فأنا استفدت من هذه المساعدات لكن لا أخف عليكم أنه بعدما انتهيت من إنجازه وجدت نفسي قد اقترضت 30 مليون سنتيم، أما مساعدات 50 مليون سنتيم فحدث ولا حرج'' ·· هذا وقد اكتشفنا خلال زيارتنا أن هذه القرية تعيش حقيقة أزمة سكن حادة بدليل تواجد سكنات عديدة يعود تاريخ إنجازها إلى العهد الاستعماري، إضافة إلى كثرة البيوت القصديرية التي تنمو كالفطريات· إستفحال ظاهرة البطالة وانعدام المرافق الترفيهية دفعت بالشباب إلى الإنحراف والتفكير في''الحرفة'' ''مشكلنا العويص يتمثل في غياب فرص العمل وانعدام المرافق الترفيهية'' ·· هي العبارة التي رددها العديد من شباب المنطقة، حيث صرحوا أن ظاهرة البطالة تفشت بشكل واسع في صفوفهم، فالقرية، حسبهم، تفتقر لكل فرص التشغيل، في ظل حرمانها من الإستفادة من مختلف المشاريع التنموية، ولأجل الحصول على لقمة عيش يمارس بعضهم المهن الحرة كالعمل في ورشات البناء والبعض الآخر يمتهن الفلاحة ويستغل فرص الشغل الموسمي، لكن ما يلفت الانتباه في هذه القرية هو شعور الشباب الجامعي الذي أنهى دراسته منذ سنوات باليأس وخيبة أمل كونه لم تتح له فرصة شغل بعد مشوار دراسي مليء بالطموحات والتطلع لمستقبل أفضل ''الحصول على شهادة جامعية هو الحلم الوحيد الذي راودني منذ صغري، كنت أعتقد أنه بعد تخرجي من الجامعة سأحقق بعض أحلامي وطموحاتي وأعيش مستقبلا زاهرا، لكن الواقع يحمل عكس ذلك، فأنا بطال خائب الأمل'' حسب تعبير ''سعيد'' المتحصل على شهادة ليسانس من جامعة الجزائر· كما أكد العديد من الشباب في تصريحاتهم ل ''الجزائر نيوز'' أن افتقار قريتهم لدار شباب لقضاء أوقات فراغهم وتنمية مواهبهم الإبداعية جعلهم عرضة لمختلف الآفات الاجتماعية، ولم يخفوا أن تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية فاق كل الحدود في المنطقة، فهي الحل الوحيد، حسبهم، لنسيان مشاكلهم· ''حتى في الشتاء قتلنا العطش، فماذا ينتظرنا في الصيف؟'' ''في الشتاء نعيش العطش، فماذا ينتظرنا في الصيف؟'' ·· هي العبارة التي رددها السكان، حيث كشفوا أنهم يواجهون أزمة حادة في ماء الشرب، وأن عملية تزويدهم بهذه المادة الحيوية تقتصر على ثلاثة ساعات كل 20 يوما، ويقول أحد السكان ''في اليوم الذي تم ربط قريتنا بقنوات ماء الشرب ظننا أن المشكل إنتهى، لكن العكس، فالحنفيات جافة على مدار فصول السنة''، وهو الأمر الذي دفع بالسكان إلى جلب الماء من الينابيع الطبيعية المتواجدة في الجبال، وقد شد انتباهنا تواجد الحمير بكثرة في المنطقة وعندما سألنا أحد المواطنين عن سبب ذلك قال لنا ''الحمير لا تزال مقدسة في هذه المنطقة، فنحن نستخدمها كوسيلة لجلب الماء من الجبال'' وما زاد من استياء وتذمر السكان هو استفادة بلدية مكيرة من غلاف مالي معتبر في إطار المخطط القطاعي للتنمية لأجل تحسين خدمات ماء الشرب لكن معاناة قرية ثرمنت مستمرة· التحركات المريبة للعناصر الإرهابية وكثرة عصابات الأشرار تزيد من مخاوف السكان إنعدام الأمن في القرية جعل السكان يعيشون يوميا حالة خوف شديدة حيث أكد العديد ممن التقينانهم أن العناصر الإرهابية تقوم بصفة متكررة بتحركات مريبة وتجردهم من ممتلكاتهم، خصوصا وأن المنطقة محاذية للشريط الغابي لمنطقة تيمزريت التابعة لولاية بومرداس، وفي هذا الصدد يقول أحد السكان ''العناصر الإرهابية أصبحت تقتحم قريتنا بصفة متكررة، ويقومون بتجريدنا من الأموال ومن ممتلكاتنا، فحتى زيت الزيتون أصبح ملك لهم، فنحن نعيش يوميا الخوف والرعب'' ويقاطعه مواطن آخر حيث يقول ''هذه القرية أصبحت محرمة على من لا يسكن فيها لأنها معروفة بتحركات الإرهابيين، والعديد من العائلات هجرت القرية للبحث عن الأمن وحياة أفضل''، ويشتكي السكان كذلك من انتشار جماعات الأشرار في القرية، والذين يستغلون، حسبهم، غياب الأمن لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية على غرار السرقة التي فاقت كل الحدود والتي تستهدف البيوت وممتلكات السكان، إضافة إلى تناولهم للمخدرات والمشروبات الكحولية على مرأى الجميع· الهجرة، الإنتحار، الإضطرابات النفسية، الأمراض العقلية ·· ظواهر تنتشر بقرية ثرمنت في ظل انعدام أدنى ضروريات الحياة الكريمة في قرية ثرمنت وتفاقم مختلف المشاكل الاجتماعية، إنتشر خلال السنوات الأخيرة في هذه القرية جل الظواهر الاجتماعية المعقدة، وبدأت تأخذ أبعادا جد خطيرة، حسب شهادات السكان ل ''الجزائر نيوز'' وتأتي في مقدمتها ظاهرة الهجرة، حيث تفضل العديد من العائلات ترك القرية والهجرة إلى المناطق الأخرى التابعة لدائرة تيزي غنيف، وعائلات أخرى تفضل الهجرة إلى مختلف الأحياء القصديرية المتواجدة في يسر ببومرداس، بحثا عن حياة أفضل، واكتشفنا كذلك خلال تواجدنا في قرية ثرمنت أن العديد من السكان لاسيما منهم الشباب وأرباب العائلات يعانون اضطرابات نفسية حادة بسبب المشاكل التي يعيشونها يوميا خصوصا جراء تفاقم ظاهرة الفقر وأزمة السكن والتي لم يجدوا لها حلا، وفي هذا السياق أكد أحد الناشطين الجمعويين أن قرية ثرمنت تحتل المرتبة الأولى في عدد حالات الأمراض العقلية على مستوى دائرة تيزي غنيف، مشيرا إلى أن العديد من شباب القرية يمرون عبر مستشفى الأمراض العقلية فرنان حنفي بوادي عيسي، نتيجة للضغوطات والظروف الاجتماعية القاسية، وأن الكثير منهم أصبح لا يستغني عن الأدوية الخاصة بالأمراض العقلية، إلى جانب ذلك كشف محدثنا أن ظاهرة الانتحار أصبحت متفشية بشكل واسع وسط السكان دون أن تستثني أية فئة ومن الجنسين، وحسبه فإن القرية تعتبر الأولى في تسجيل عمليات الانتحار على مستوى دائرة تيزي غنيف، ''قريتنا تسجل أربعة حالات انتحار على الأقل كل سنة، ولعلمكم فهذه الظاهرة مست كل فئات المجتمع ومن الجنسين''، حسب تعبير أحد السكان· السكان فقدوا الثقة في المنتخبين المحليين إعترف العديد من مواطني قرية ثرمنت الذين تحدثنا إليهم بالغياب الفعلي للمسؤولين المحليين، مشيرين إلى أنهم فقدوا الثقة فيهم، كونهم لم يوفوا بالوعود التي قدموها لهم في مختلف حملاتهم الانتخابية، وأكدوا أن هؤلاء المنتخبين لم يستطيعوا إخراج قريتهم من عزلتها، ولم يعملوا على تنميتها، ولا حتى على تلبية أدنى متطلبات السكان ولم تلق انشغالاتهم أية اهتمام، وفي كل المجالات، واتهموا كل ''الأميار'' المتعاقبة على البلدية بالسعي لتحقيق مصالحهم الشخصية، وممارستهم لسياسات الإهمال والحرمان والإقصاء، حيث أكد السكان أنه لم يتجرأ أي مسؤول محلي على زيارة قريتهم، إلا خلال المواعيد الانتخابية، ما جعلهم يفقدون الثقة فيهم· ''وقتاش يفرج ربي'' ''وقتاش إفرج ربي'' ·· هي العبارة التي رددها مواطنو قرية ثرمنت بعدما هيئنا أنفسنا للعودة من زيارتنا، حيث ينتظرون التفاتة السلطات في كل مستوياتها بتجسيد مختلف المشاريع الإنمائية لمنطقتهم التي من شأنها فك الغبن عليهم وإخراجهم من العزلة، والتقليل من حدة معاناتهم اليومية، كما طالبو خصوصا بضرورة تخصيص مشاريع سكنية للقرية، وكذا البحث عن سبل وضع حد لظاهرتي الانتحار والأمراض العقلية التي تنتشر في أوساط السكان·