في وقت تبنت فيه العديد من المشاريع الحكومية المبرمجة في السنين الأخيرة عملية إدماج مواطني المناطق النائية في الحياة اليومية وتمكينهم من كل ضروريات الحياة ما زالت وإلى يومنا هذا عدة مناطق بعاصمة الغرب الجزائري تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الإنسانية. وقرية الخروبة المسماة الأمير خالد الواقعة شرق وهران والتابعة إداريا لبلدية حاسي بونيف هي واحدة من هاته المناطق الأكثر فقرا بعدما بلغت مؤشرات " الميزيرية" الذروة بين جنبات سكانها. تعاني هذه المنطقة الفلاحية الرعوية والتي تضم حوالي 15010 ساكن حسب إحصاء 2008 وضعية مزرية ومشاكل عويصة منذ نشأة المجمع السكني من حوالي 34 سنة والذي شهد خلال العشرية السوداء أكبر مجزرة جماعية راح ضحيتها 21 شخصا شهر أكتوبر 1997 ليصطدموا بواقع أكثر مرارة من ذي قبل لم يتغير فيه شيء، بل ازداد سوءا أكثر من ذي قبل. وأثناء زيارتنا الميدانية للقرية شدتنا أنظارنا إلى المفرغة الفوضوية الشاغرة لمساحة معتبرة والانتشار الواسع للحيوانات الضالة والحشرات السامة، ناهيك عن تجول مجموعة من الأبقار والأغنام بكل حرية لنواصل بعدها سيرنا بصعوبة كبيرة جراء انعدام الطرقات وامتلائها بالحجارة والحصى والغبار المتطاير منها، وفي طريقنا اهتزت مشاعرنا واقشعرت أبداننا من تفاقم مظاهر الفقر والحرمان المطبوعة في السكان والبعيدة كل البعد عن التدمن والحضارة فتوقفنا للاستماع إلى انشغالاتهم التي أنهت مداد الأقلام وكل الأوراق، فالقرية وإلى حدكتابة هذه الأسطر تعيش وضعية كارثية وحياة مهينة لا صلة لها بالإنسانية جراء التهميش والإقصاء المفروض عليهم من السلطات المحلية والمركزية على حد تعبيرهم. وباعتراف سكانها فإن القرية تعاني من عزلة خانقة وندرة في مجال المرافق العمومية فهي تفتقر لأدنى شروط العيش الإنسانية فإلى حد كتابة هذه الأسطر لم يخصص لها أي مشروع في مختلف البرامج. وفي هذا الموضوع صرح جمع من قدماء المنطقة بأن معظم مواطني القرية يعتمدون على وسائل بدائية للطهي والتدفئة كالفحم والحطب في ظل غلاء قارورة غاز البوتان وفي هذا الإطار صرح السكان بأن شبكة الغاز قريبة من قريتنا ولكننا لم نستفد منها وأكثر من هذا فالسكان يعانون أزمة ماء حادة رغم تجسيد مشروع ربط خزان البلدية بالقرية وإيصال الأنابيب بالمنازل منذ 7 سنوات والتي تبدو واضحة للعيان اهتراؤها وتآكلها بالرغم من أن المياه لم تزرهم يوما، وما يجبر السكان للاعتماد على الصهاريج المتنقلة غير المراقبة وأحيانا كثيرة لا يجد السكان قطرة ماء ما يجبرهم على قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، ما جعل البعض يضطر إلى اقتناء صهاريج المياه رغم غلائها، وفي نفس السياق عبر المتحدثون عن مدى استيائهم وتذمرهم من الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي سواء كانت على مستوى المنازل أو الإنارة العمومية والتي كثيرا ما تتوقف لأكثر من أسبوعين وهو المشكل الذي وجدناه أثناء زيارتنا حيث أننا وجدنا السكان من دون كهرباء منذ 7 أيام والإنارة العمومية توقفت عن خدماتها أكثر من 18 يوما والقرية حسب اعترافات السكان ينتهي النهار فيها قبل غروب الشمس خوفا من الاعتداءات في ظل انعدام الأمن ناهيك عن تدهور شبكة الطرقات والتي يطبعها الاهتراء الشديد بل عدو وجودها أصلا، الأمر الذي فشل الحركة تماما وزاد من شدة العزلة المفروضة على المنطقة. وما زاد الطين بلة عدم توفر خدمات النقل والتي دعمها مؤخرا أحد المواطنين بأربعة مركبات للنقل الجماعي لا تقدم خدماتها أثناء الصباح والمساء وأيام الخميس والجمعة حيث تشتغل بالشواطئ، في حين يقطع المواطنون يوميا خاصة منهم الطلبة البالغ عددهم 700 طالب 3كلم سيرا على الأقدام إلى مقر البلدية. أما في مجال الصحة العمومية فالبلدية لا تتوفر سوى على صيدلية وطبيب خاص واحد حيث أن السكان يدفعون فاتورة ملتهبة مقابل خدمات صحية خارج حدود القرية. من جهة أخرى عبر الشباب عن مدى استيائهم من التهميش والإقصاء الذي يعاني منه بسبب حرمانهم من عقود تشغيل الشباب وحصص التوظيف التي تتحصل عليها الولاية ناهيك عن عدم استفادة شباب القرية من المحلات التجارية ذات الطابع المهني المخصصة للبلدية والمقدر عددها 10 محلات من حصة البلدية حاسي بونيف والمقدرة ب 120 محل متهمين السلطات المحلية بالمحسوبية والجهوية في توزيع المحلات وعقود الإدماج المهني. أما عن المؤسسات الشبانية الرياضية والثقافية والترفيهية فهي منعدمة تماما بالبلدية ولا وجود لها إطلاقا سوى شبه ملعب مصغر عبارة عن أرضية بلاطها حجارة وأتربة واقعة بمنطقة أكثر عزلة بالقرية. أما في المجال التربوي فالبلدية تتوفر على 5 مدارس ومتوسطة ليبقى الشباب خاصة منهم الفتيات الماكثات بالبيت بدون أية حرفة في ظل عدم توفر مراكز للتكوين المهني، فحسب ما صرحت به إحدى الشابات بأن عقلية المواطن بالقرية لا تسمح للفتاة أن تنتقل إلى أماكن بعيدة للتعلم خاصة وأن القرية لا تتوفر على ثانوية ومركز للتكوين المهني أو حتى دار للشباب. وأضاف شباب آخرون أن تراب القرية لا يتوفر على أية مقهى ولا حتى سوق وتنعدم فيه الحمامات تماما بل حتى المحلات التجارية تعدها على أصابع اليد الواحدة. ليبقى السكان يعيش يوميات صعبة وفراغا قاتلا في ظل انعدام أدنى شروط الحياة. قاطنو "الزنك والطوب" يستغيثون في حين صعد سكان الأحياء القصديرية والطوبية والبالغ عددهم حوالي 500 سكن من لهجتهم ضد السلطات المحلية التي حاولت مؤخرا رميهم بالشوارع وإجلائهم من المنطقة دون برمجة أية مخطط سكني وساء كان في الإطار الريفي أو الاجتماعي، خاصة وأن معظم سكانها لجؤوا إليها خوفا من الإرهاب وقبعوا في هذه البيوت التي تنعدم فيها أدنى شروط الحياة. وحسب سكانها فإن القرية وعلى مر جميع الفترات الانتخابية لم تستفد من أية مشاريع اقتصادية أو اجتماعية أو تهيئية أو مشاريع بإمكانها رفع الغبن على المواطن، فمعظم السكان لم يستفيدوا إلى حد الساعة من برامج البناء الريفي والإعانات الريفية والذي من المفروض أن تعطى فيه الأولوية لسكان المناطق الريفية النائية وأكثر من ذلك فالسكان لم يستفيدوا من أية مشاريع سكنية سواء كانت ريفية أو اجتماعية تخدم المواطن البسيط. وفي نفس الموضوع صرح رئيس جمعية ضحايا الإرهاب السيد محمدي عبد القادر والذي فقد أحد أبنائه خلال العشرية السوداء أنه وكممثل للجمعية أخد على عاتقه كل انشغالات السكان ودونها بعدة رسائل وجهها إلى السلطات البلدية والولائية من أجل الوقوف على الوضعية الكارثية التي يعيشون فيها منذ نشأة المجمع، وكان آخرها رسالة وجهت إلى والي الولاية يوم 8 ماي 2009 وقعها 78 ساكنا إلا أن لا حياة لمن تنادي، فالرد وكالعادة كان عبارة عن مجموعة وعود وأضاف نفس المصدر بأن الاحتجاجات التي قام بها السكان لم تتعد سوى مقابلات ورسائل واعتصامات أمام مقر البلدية قصد لفت الانتباه ولكن السلطات حسب ما صرح به تريد أن نقدم باحتجاجات ساخنة وصاخبة ولكننا شعب مسالم وأول من حمل بنادقه في وجه الإرهاب حين وجدنا أنفسنا دون أمن. أين ذهبت أموال البنك الدولي؟ ولم يتردد رئيس الجمعية في الحديث عن مخصصات البنك الدولي المالية المقدرة ب 44 مليار دج والمخصصة لتعمير المنطقة جراء ما حدث إبان العشرية السوداء، وللإشارة فإن "الأمة" سبق وأن علمت من مصادر مسؤولة أن المبلغ المخصص من البنك الدولي قدر ب 6 مليار والتي لم تعرف وجهتها إلى حد الساعة. وفي هذا الموضوع صرح أحد المسؤولين من البلدية بأن القضية ليست من صلاحياته وإنما هي ذات طابع مركزي وديوان الترقية والتسيير العقاري هي المسؤولة وأمام هذه الوضعية المزرية يطالب سكان البلدية السلطات المركزية بالتدخل العاجل لمعاينة الوضعية والوقوف على التهميش والإقصاء المفروض عليهم ووضع مخطط عاجل للقرية وتوفير خدمات النقل والغاز والكهرباء والتي تعد أكثر من ضرورية من أجل البقاء بالريف وتنشيط المجال الفلاحي كما طالب السكان بالتعجيل بمشروع المركز الصحي الذي حددت مساحته منذ أشهر ولكن الأشغال لم تنطلق به بعد، ناهيك عن مركز البريد والذي انتهت الأشغال به منذ سنتين ولكن أبوابه ما زالت مغلقة. كما تساءل السكان عن المشاريع التنموية التي خصصت للبلدية سنة 2001 ومنها من لم تتحرك قط خاصة تلك المتعلقة بالتهيئة العمرانية والهياكل الاجتماعية والثقافية والرياضية والمؤسسات التربوية ومحال التطهير وكل المشاريع التي من شأنها فك الحصار والعزلة. وفي الأخير طالب السكان بضرورة جلب المجلس العشبي البلدي والذي حجز حجزا تاما في التكفل بانسانيتنا ومعالجة مشاكلنا. وإلى حين ذلك يبقى السكان يدفع فاتورة الإقصاء والتهميش والفقر والتخلف والحرمان بين العزلة والنسيان داخل ما يشبه المحتشد.