الدولة الجزائرية قطعت أشواطا كبيرة في محاربة الفساد والمفسدين    عطاف يترأس اجتماعا وزاريا لمجلس الأمن حول القضية الفلسطينية    ضرورة أن تخلص الجلسات الوطنية للسينما إلى مخرجات وتوصيات    هل فلتت منا صناعة التاريخ..؟!    اختتام أشغال الملتقى الوطني حول أمن الذاكرة الوطنية    الجزائر لا ترضخ للمساومات والابتزاز    بوجمعة يجتمع ببن مولود    الجزائر ملتزمة بدعم تحقيق أهداف الطاقة النظيفة إقليميا ودوليا    4 معطيات تفرض إحياء "الحرب الدوليةّ" على الإرهاب    دومينيك دي فيلبان ينتقد بشدة الحكومة الفرنسية    الاحتلال المغربي يطرد ثلاثة إسبان من مدينة الداخلة المحتلة    سوسطارة في الصدارة    كرة القدم/كأس الكونفدرالية: ''مباريات مثيرة منتظرة في الدور ربع النهائي''    توقيف طالب جامعي بغرداية    رئيس الجمهورية ينهي مهام والي بشار    رئيس حزب صوت الشعب يؤكد على أهمية تقوية الجبهة الداخلية    مواقف شجاعة في مناهضة الفكر الاستعماري    كرة اليد الجزائرية "مريضة" منذ سنوات    أولياء تلاميذ متوسطة "جعبوب" بقسنطينة يناشدون الوزير التدخل    استشارة الأبناء تأسيسٌ لأسرة متوازنة    الدرك الوطني.. انتشار في الميدان لفك الاختناق وتأمين السياح    ارتفاع في منسوب المياه الجوفية والأودية والينابيع    الصحراء الغربية : صحفيون وناشطون عرب يتبرؤون من موقف اتحاد الصحفيين العرب    "الكناري" لتعزيز الصدارة وبلوزداد للتصالح مع الأنصار    توقع داربي جزائري ومواجهة بين المولودية وبلايلي    تعزيز آليات التمويل وترقية الإطار التنظيمي والرقمنة والتكوين أهم توصيات الجلسات الوطنية للسينما    البطولة الوطنية العسكرية للعدو الريفي : تألق عناصر مديرية الإدارة والمصالح المشتركة لوزارة الدفاع    نص القانون الجديد لتسيير النفايات: تحويل مفهوم النفايات من إشكالية إلى مواد أولية قابلة للتثمين    العاب القوى/ البطولة الافريقية 2025 لأقل من 18 و20 سنة : مدينة وهران مرشحة لاحتضان الحدث القاري    المجلس الشعبي الوطني: وفد عن البعثة الاستعلامية المؤقتة للجنة الشؤون الاجتماعية في زيارة إلى باتنة    وهران..ترحيل إحدى عشرة عائلة إلى سكنات لائقة بوادي تليلات وبئر الجير    ممر الهيدروجين الجنوبي: السيد عرقاب يشارك غدا الثلاثاء بروما في اجتماع وزراء الطاقة المعنيين بالمشروع    بورصة الجزائر: انطلاق عملية فتح رأسمال بنك التنمية المحلية ببيع 44.2 مليون سهم جديد    تلمسان.. جمع أزيد من 25 ساعة من الشهادات الحية حول الثورة التحريرية المجيدة    الحماية المدنية: اجتماع اللجنة الثنائية المشتركة الجزائرية-تونسية بولاية الوادي    صحبي: خطاب رئيس الجمهورية التاريخي في الجلسات الوطنية للسينما يؤسس لثورة ثقافية حقيقية للفن السابع    الجوية الجزائرية: على المسافرين نحو السعودية تقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بدءا من ال10 فيفري    منظمة أطباء بلا حدود تدعو إلى زيادة سريعة وواسعة النطاق للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة    الجوية الجزائرية: المسافرون نحو السعودية ملزمون بتقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بداية من 10 فبراير    وقف إطلاق النار مصلحة كبرى للجميع    سكان غزّة يحتفلون ببدء الهدنة    فاتورة استيراد زيوت المحركات تتراجع    الجزائر تخسر أمام تونس    مسابقة لتوظيف الطلبة القضاة    الجزائر تشهد حركة تنموية رائدة    صهاينة يدنّسون الأقصى    رمضان في القصر خلال مارس    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    سينمائيون يشيدون بعناية رئيس الجمهورية لقطاع السينما    الأسواق الإفريقية والآسيوية وجهات واعدة للتصدير    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آسيا جبار المرأة••المقاومة
نشر في الجزائر نيوز يوم 28 - 06 - 2010

تعتبر آسيا جبار الكاتبة الجزائرية التي وظّفت أكبر قدر من الشخصيات النسائية، وذلك ابتداءً من روايتها الأولى ''العطش'' سنة 7591. كتبت هذه الرواية في ظرف شهر وهي لا تزال طالبة في المدرسة العليا للأساتذة في (سافر) الفرنسية· وقد عرفت هذه الرواية عند صدورها رواجا كبيرا وتوّجت بجائزة أدبية· الشخصية الرئيسية (نادية)، عشرون سنة، تقضي صيفا في محطة سياحية، أغلب زوارها من المعمرين· فتاة شقراء، ميسورة الحال، أمها فرنسية وأبوها جزائري عربي· من البداية، مَوْقعَت أسيا جبار نفسها في صف النساء المتحديات، المقاومات، الرافضات لوضعهن، الطامحات إلى عالم الجديد، يعتقهن من قيد التقاليد الأسرية واستبداد الذكورة، باسم قداسة ثقافة الأجداد التليدة· في السنة الموالية، أي في 8591, تنشر أسيا جبار رواية ثانية (المتلهفون)، وتضع شخصيتها الرئيسية في السياق نفسه، بتغيير الفضاء· تركّز على العمران الداخلي لعائلة عربية مسلمة محافظة· دليلة، الشخصية المحورية، تنتفض ضد الانغلاق وتتحدى محيطها، وبالأخص والدة زوجها·
تشترك الروايتان في توظيف شخصيات نسائية شابة، تتقاسمها عواطف متناقضة ولكنها متجاذبة: ثقافة الجماعة التقليدية التي تصقل هوية مُتجذّرة في التاريخ والثقافة الوافدة عبر الفرنسي الغازي، المختلفة، الحاملة لرياح التغيير وإن كانت قاسية ومدمرة· صراع مرير بالنسبة للمرأة الشابة المتعلمة التي تختلط بثقافة الغير، هذه الثقافة التي حرّرت المرأة من التقاليد البالية، ولكنها تدرك اختلافها مع هذا االأجنبيب، ثقافة ودينا وتاريخا·
تَعمّق هذا الشرخ في روايتها الثالثة ''أطفال العالم الجديد''، حيث تتحدّث عن رجال ونساء يشتركون في الكفاح من أجل تحرير الجزائر· تتشكل الرواية من خمس فصول تحمل عناوين أسماء نسائية· تنبني القصة على تداخل حيوات ومصائر شخصيات عديدة· إنها أصوات متعددة، تتعايش وتتصارع· ابتعدت الكاتبة هنا عن القوالب الجاهزة، خاصة منها السياسية· أعطت أهمية كبرى لأصوات النساء، نساء متفرجات على اشتعال نار الثورة، يردن المشاركة ولكن أغلب الرجال يرفضون إقحامهن في الحرب الدائرة، لا يرونها قادرة على ذلك، بل يرون أن أفضل مكان لها هو البيت والشؤون المنزلية وتربية الأولاد·
تروي آسيا جبار قصصا عن المرأة الجزائرية العامة، ولا تنساق خلف الحالات الفردية النادرة لنساء شاركن جنبا إلى جنب مع الرجل في الكفاح المسلح ضد الاستعمار· هن قليلات مقارنة إلى ما كان ممكنا، لو سمح الآباء والأزواج والإخوة للمرأة أن تحقق اندفاعها وحماسها في أرض الواقع الملتهب·
لم تهمل أسيا جبار ذاتها وحياتها الخاصة كأول فتاة عربية في قريتها تعتب باب المدرسة الكولونيالية وسط أبناء وبنات المعمرين· السرّ في ذلك أن أباها كان يشتغل مدرسا في تلك المدرسة· فسمح لابنته البكر بالتعلّم ودرس الخروج بلا ''حايك'' حتى وهي فتاة مراهقة نمت أنوثتها التي تعوّد حراس شرف القبيلة إخفاءها داخل أسوار مسيّجة· ومع ذلك لم يسمح لها بقيادة الدراجة، حتى وهي صغيرة لا تزال في الابتدائي وفي ساحة المدرسة، بسبب بروز فخذيها، تقليدا لبنات المعمرين· هناك شعرت الطفلة الصغيرة بالاختلاف وقيد الانتماء· في الثانوية، كانت فتاة جزائرية تأتي إلى المؤسسة متوشحة بحايك أبيض إلى غاية الساحة، وغالبا ما تأتي برفقة حارس من العائلة ولو كان طفلا صغيرا· ولكن آسيا جبار وجدت أبا متفهما وأما حضرية مدينية تقدّس العلم والمعرفة، مما كسّر جميع الحواجز، حتى وجدت نفسها طالبة في المدرسة العليا للأساتذة بفرنسا وهي لم تخرج بعد من المراهقة·
آسيا جبار مؤرّخة، فكانت أوّل من حفر في أرشيف الاستعمار الفرنسي لتحدّثنا عن محرقة أولاد رياح التي قام بها الجيش الفرنسي في 5481 في منطقة الونشريس، حيث أبيدَت قبيلة بأكملها· لم تكن هذه الجريمة النكراء، البشعة، معروفة على المستوى العام· وحدهم المؤرخون يعرفون تفاصيلها المأساوية· استعانت بالأرشيف وروت الحكاية بتفاصيل الروائية القادرة في روايته (الحب، الفانتازيا) التي صدرت سنة 5891.
كما عادت إلى الفترة الإسلامية الأولى في (بعيدا عن المدينة المنوّرة، 2991) لتزور التاريخ الإسلامي، وبالأخص أولئك النساء المقاومات، بشخصياتهن القوية وعلمهن الرصين· إنه جواب على الاتهامات المتسرعة بالاغتراب والانسلاخ عن الجذور العربية الإسلامية· خاصة بعد إنجاز فيلمها الرائع حول ''نوبة نساء جبل شنوة'' حيث عادت إلى الثقافة الأمازيغية العتيقة، عبر الأغاني والأناشيد والمدائح المصاحبة للأفراح والأتراح والتي لا تزال نساء منطقة شنوة تتغنى بها في المناسبات· فجاء الفيلم ليحيي ثقافة شفهية تكاد تندثر أمام زحف تكنولوجيا الاتصال وشلال الهوائيات الغربية بمغرياتها الخارقة·
لم تطفئ أسيا جبار ظمأها للحديث عن المرأة والمقاومة· فنشرت رواية-سيرة (امرأة بلا قبر، 2002)، حول زليخة يمينة عوداي، المجاهدة الشهيدة التي قاومت الاستعمار إلى جانب زوجها، متحدية بطش الجيش الفرنسي واستبداد التقاليد، لترفع السلاح وتختلط بالمجاهدين· حاصرها الجيش الفرنسي في الجبال بأعالي شرشال، قادها إلى السجن· عذّبت وقتلت ودفنت في مكان مجهول، لا يعرف أحد مكانه إلى اليوم· أخفاها العسكريون خجلا من عار جريمتهم البشعة ضد امرأة شجاعة، ربما ذكرتهم ببطلتهم المقدسة جان دارك، فسارعوا إلى إخفاء جثتها صونا للعار والفضيحة· كيف يعذبون امرأة ويقتلونها، هم الذين نصبوا أنفسهم جيشا عاتيا يقهر الرجال الصناديد مثلهم· فكيف ينحط بهم فعلهم الشنيع إلى هذا المستوى، مثلما فعلوا مع المجاهدة إيغيل احريز وغيرها·
وفي روايتها الأخيرة (لا مكان في دار أبي)، عادت آسيا جبار إلى سيرتها الذاتية، لتحدثنا بالتفاصيل الممتعة عن مسيرتها الدراسية، وتلك الحياة المتفردة وسط المجتمع الأوربي وكيف قاومت المتطرفين، تطرف الفرنسيين حتى مع واحدة تريد أن تدخل عالمهم وثقافتهم، وتطرف المجتمع التقليدي الذي لا يرى بعين الاستحسان تعلم المرأة وخروجها إلى فضاء الرجال· ولكن أسيا جبار قاومت وناضلت إلى أن أصبح اسمها متداولا كل سنة في قائمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب، كما انتخبت عضوا في الأكاديمية الفرنسية ضمن الخالدين في معبد العلم والمعرفة· فلنخلدها نحن بدراسة أعمالها وتحليلها وترجمتها (أنوّه هنا بالترجمة التي قام بها محمد يحياتن لروايتها الأخيرة والتي ستصدر في الخريف المقبل) والترويج لها كي يتسنى للجزائريين قراءة رواياتها والوقوف على مواقفها النيّرة·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.