طوابير طويلة بدأت تتشكل أمام المخابز منذ الساعات الأولى للصباح، مع وجود معظم عمال المخابز في عطلة الصيف· وبعض المخبزات أغلقت أبوابها بشكل نهائي مع المشاكل المتراكمة التي تعرفها المهنة المهددة بالانقراض·· ''الجزائر نيوز'' استطلعت آراء المواطنين وأصحاب المهنة، وبدا الكل شاكيا من الوضع الذي لم يعد يطاق، ويبدو أن الأزمة ستعرف تطورات خطيرة في شهر رمضان الذي هو على الأبواب· خلال الجولة التي قامت بها ''الجزائر نيوز'' إلى بلدية باب الزوار، وبرج الكيفان بحثا عن المخابز المتواجدة في هذا المكان لاستطلاع أسباب ندرة الخبز والطوابير الطويلة التي أصبحت كابوسا يطارد المواطنين، كلما اقتربت ساعة الغذاء أو العشاء لأن المواطن أصبح يجد عناء كبيرا من أجل اقتناء هذه المادة الأساسية التي لا تفارق المائدة الجزائرية· وكان من الصعب علينا إيجاد مخبزة واحدة مفتوحة في هذه الأحياء، ففي حي الجرف وجدنا مخبزة، لكنّها مغلقة، اقتربنا من أحد المواطنين لنسأله عن سبب غلق هذه المخبزة، فقال أن صاحبها كان مجبرا على غلقها نظرا لما كلفته من مصاريف كبيرة· وبعد ذلك عاودت ''الجزائر نيوز'' البحث عن مخبزة أخرى في هذا الحي لكن دون جدوى، وهذا ما دفعنا لطرح السؤال: من أين يقتني أصحاب هذا الحي الخبز؟ وقد لاحظنا أن الكثير من الأطفال والنساء يحملون في أيديهم بعضا منه، فاقتربنا من إحدى السيدات لنسألها من أين اقتنت الخبز..؟ فردّت بالقول: نشتري الخبز من محلات المواد الغذائية المتواجدة في الحي، خاصة أن معظم المخبرات أُغلقت، إما لأنها في عطلة أو تخلّى أصحابها عن هذا النشاط، كاشفة بالقول: إننا نعاني من أجل اقتناء هذه المادة خلال هذه الأيام، خاصة أن هذه المحلات تبيع الخبز بكميات قليلة (سلة واحدة في النهار) إضافة إلى افتقادها لأدنى شروط النظافة وتعرضها للشمس، وهذه الكميات لا تكفي، فكثيرا ما أجد نفسي أعجن الخبز في البيت لكي يتمكن الأبناء من تناول العشاء· وبعد الانتهاء من الجولة في حي الجرف بباب الزوار تنقلنا إلى برج الكيفان، أين استطعنا التحدث إلى أحد الخبازين وهو عمي كمال الذي يمتهن الحرفة منذ 45 سنة، وقد وجدنا رفوف محلّه شبه فارغة من الخبز، وأكد لنا: نحن نبيع الخبز في الساعات الأولى من الصباح، ولكن بكميات قليلة· مشيرا أنه يصنع 200 خبزة فقط، وهذا ما يجعل المواطنين يعانون من أجل إيجاد هذه المادة خاصة في المساء، ويجبرهم ذلك على البحث عن البدائل كعجنه في البيت أو التنقل للمحلات المتواجدة في العاصمة· مهنة تختنق كشف لنا أحد الخبازين المتواجدين بالحي الشعبي ''بلكور'' بالعاصمة، أن المهنة تختنق وهي مهددة بالزوال، و كل الشباب ينفر منها خاصة في فصل الصيف، نظرا لحرارة الفرن التي لا تطاق، وأن الدخل الذي يكسبه الشاب من هذه المهنة ضعيف جدا، كاشفا: ''إننا مضطرون كأصحاب محلات لتزويدهم بالمال من جيوبنا لكي يبقوا في هذه المهنة، فليس هناك أي محفزات لكي يبق الشاب في هذه المهنة''· وأضاف المتحدث أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في غلاء المواد الأولية التي أصبح يتحكم فيها الخواص كالفرينة والزيت، فخلال هذا الأسبوع ارتفعت كل هذه المواد التي يحتاجها الخبازون في تصنيع الخبز، كاشفا أن مادة الخميرة هي التي عرفت فقط انخفاضا مقارنة بالمواد الأخرى، ويؤكد أن محلّه يستهلك في اليوم الواحد 20 لترا من الزيت و 6 قناطير من الفرينة، إضافة إلى الأعباء التي يسددها صاحب المخبزة والضرائب، مشيرا أن فاتورة الكهرباء تصل 13 ألف دينار خلال السداسي· ويضيف: ''هذا ما جعلنا نبيع الخبز العادي الذي يباع ب 50,7 دينار لأنه لا يستهلك الزيت والفرينة كثيرا، أما باقي أنواع من الخبز، فهي ليست في متناول الجميع نظرا لسعرها المرتفع وهي لا تُستهلك إلا في شهر رمضان في الأسبوع الأول فقط· فالخبز المحسن يباع ب50,8 دينار، والخبز الخاص ب 9 دنانير''· إنقاص 50 غراما من الخبز الذي يباع في المحلات للكسب أكثر وكشف لنا المتحدث ذاته أن الكثير من الخبازين اضطروا لغلق محلاتهم، لأنهم لا يغشّون في الميزان، ولم يستطيعوا إيجاد حلول لمشاكلهم· مؤكدا أن بعض الخبازين لجأوا إلى حيل للربح، فهناك الكثير من الخبازين يتفقون مع أصحاب المحلات التي تبيع الخبز، بأن ينقصوا من ميزان الخبزة الواحدة مقدار 50 غراما لتصبح 200 غرام، وهذا ما يجعل الخباز وصاحب المحل يربح أموالا من وراء هذه الحيلة بغش المواطنين، متسائلا عن دور الرقابة الغائبة التي لا بد أن تراقب الخبز الذي يباع خارج المخبزات خاصة التي لا تراعي أدنى شروط الرقابة· أسعار المواد الأولية ترتفع في سوق الجملة تركنا الخبازين وهم متأسفين بسبب ما تعيشه هذه المهنة من مشاكل كبيرة تهددهم بغلق محلاتهم في أي وقت، لننتقل إلى تجار الجملة في واد السمار لاستطلاع أسعار المواد الأولية التي تدخل في تصنيع مادة الخبز، فكشف عمي علي وهو تاجر جملة أن هذه المواد الأولية عرفت ارتفاعا منذ أسبوع فقط حيث تتراوح الزيادة من 10 إلى 15 دينارا، فيما تراوح ثمن كيس الفرينة 50 كيلوا غراما ب 105 دينار، الدقيق 900 دج إلى 920 دينار لكيس 25 كلغ، الزيت ب550 دينارا لخمس لترات، السكر ب750 دينارا للكيلوغرام الواحد، مؤكدا أن سعر مادة السكر سيعرف انخفاضا خلال شهر رمضان المقبل حسب ما أكدته شركة سوفيتال· تجارة المطلوع تنتعش قال أحد الخبازين ل''الجزائر نيوز'' خلال جولتها الاستطلاعية، أن المواطن أصبح مضطرا لاقتناء المطلوع المصنوع من طرف النساء الماكثات بالبيت عندما لا يجد مادة الخبز، خاصة في الفترة المسائية، فهو مضطر لشراء المطلوع الذي يباع ب30 دينارا من المحلات، رغم أن وزن الخبز يساوي وزن خبزة المطلوع، ورغم ذلك نجد أن مادة الخبز مازال سعرها كما كان· ولكن لا يمكن للمواطن أن يقتني هذا المطلوع يوميا، لأنه سيكلفه كثيرا، وهنا لابد على السلطات أن تضع استراتيجية لإحياء مهنة الخبازين وحلّ المشاكل العالقة مند سنوات طويلة· أزمة الخبز مرشحة للاشتداد في رمضان المواطن الجزائري لن يستطيع تجنب أزمة الخبز في المستقبل القريب مع بقاء مشاكل هذه المهنة عالقة لتزامنها مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، والكثير منهم يضطر لغلق محلّه من أجل قضاء العطلة، وهي كلها مؤشرات تنبئ أن الوضعية ستتأزم خلال شهر رمضان، وعلى السلطات أن تجد الحلول لتفادي الوقوع في هذه الأزمة خاصة خلال هذا الشهر الكريم الذي لم تعد تفصلنا عنه إلا أياما معدودات، وأزمة الطوابير على الخبز عادت لتذكّرنا بأيام الندرة في عهد ''أسواق الفلاح''، ويبدو أن الطوابير ستطول أكثر في رمضان الذي يشهد إقبالا متزايدا على هذه المادة الأساسية·