يوم مات الرئيس هواري بومدين أخبرنا حارس المدرسة عمي سليمان وهو يبكي ويشهق، كانت أول مرة أرى رجلا يشهق ويبكي، كنت أعتقد أن هذه العادة من اختصاص النساء والأطفال فقط· قال لنا اليوم لا تدرسون، طبعا الأمر جعلنا كلنا نصيح من الفرحة، بعدها جاء المدير والمعلمون، وأمرونا بأن نعمل إثنين إثنين ونتبعهم، تبعناهم إلى المسجد، حيث وجدنا كل سكان البلدية هناك، كان البعض يبكي والرجال يلبسون نظارات سوداء وصوت القرآن يدوِّي من بوق الجامع·· بعدها تقدم أحدهم من ذوي النظارات السوداء وأخذ البوق، وبدأ يهدر، واللّعاب يتطاير من فمه، كان المعلم المكي واقفا قربنا كالحارس، وقد كان لقننا تلك الجملة الأثيرة والمكوّنة من حرفين، والتي أصبحت فيما بعد عنوانا لمرحلة من تاريخ طفولتي، وأمرنا أن نقولها ونعيدها عندما يعطينا إشارة من يده. كان الرجل صاحب النظارة السوداء ما يزال يهدر، حتى جاءت الإشارة من يد المعلم المكي، فانطلق الترديد الجماعي ''تحيا بومدين تحيا بومدين'' فسرت الرعدة في الجموع، فرددت معنا ''تحيا بومدين''، ثم توقفنا بإشارة من المعلم وأكمل الرجل المهدار هدرته ونحن وقوف حتى تنملت أرجلنا وحصرنا البول، بعضنا بال في سرواله· في المساء جاءت شاحنة لاكومين الوحيدة ذات الأنف الطويل· أنا كنت أستمتع برائحة المازوت المحترق الذي يخرج من شاطمتها دخانا رماديا رائع اللون والرائحة، تكدسنا فيها، وبدأت تجوب الشوارع المتربة ونحن نصيح ''تحيا بومدين'' والناس في الأرض تصيح معنا ''تحيا بومدين''··