ماذا نريد بالضبط في حياتنا الثقافية الوطنية؟ هذا السؤال يطاردني دائما ويعيش معي باستمرار، وكلّما تأملت حصيلة حياتنا الثقافية، أجدني كمن يحرث في الماء، فالطموح والأحلام في واد غير ذي زرع والواقع في واد آخر، غير ذي زرع هو الآخر· المشكلة في اعتقادي ليست في الأغلفة المالية المرصودة ولا في البرامج التي لا تؤدّي غرضها الإنساني والثقافي، في وعي الناس، في واقع حياتهم اليومية، بل إنها مشكلة ''نوعيات'' الكائنات البشرية التي تفكّر للثقافة في بلادنا، أغلبها لا صلة له بحس جمالي، في الأدب أو المسرح أو الفن التشكيلي أو فلسفة هذا الفن وذاك، ولذلك يأتي كل حديث عن المشاريع الثقافية ضربا من الفوضى والإهمال، لأن العقل الذي يفكّر ويخطّط غائب عن الوعي الوطني والحضاري في هذا البلد الغني الواسع، ولذلك رأينا كثيرا من البرامج الثقافية، أقرب ما تكون للخرافة أقرب منها للعقل العلمي الذي يستطيع تسطير سياسات إستراتيجية · صحيح أن الدولة الجزائرية خلال السنوات الماضية وفّرت الكثير من المال للتنمية الثقافية، لكن مازال ينقصها العمود الفقري الذي هو روح فلسفة البناء الثقافي الوطني القوي والناجح، وأقصد بذلك أهل الثقافة، ولا يمكن الحديث عن أهل الثقافة بلغة التعميم، لأن ثقافة أي بلد، لا ينهض بها المتطفلون على الثقافة وهم أخطر على مستقبل البلاد من كلّ استعمار، بحيث يصبح هذا الأخير - الاستعمار - تحصيل حاصل· أقصد بأهل الثقافة أولئك المنتجين للمعرفة الإنسانية بكتاباتهم ومؤلفاتهم وحضورهم الفكري في حركة المجتمع وتفاعلاته الداخلية والخارجية، من الفلاسفة الوطنيين والأدباء والرسامين والسينمائيين، الحاملين لأفكار التنوير والنقد البناء المجرّد من الأهواء والحساسيات السياسية الظرفية· المشهد الثقافي في الجزائر وإن كان يتوفّر على إمكانات مالية هامة وهياكل ووسائل بيداغوجية، إلا أن عنصر الإنسان في هذه العملية هو أكبر إعاقة في طريقه لأنّ الجميع منشغل بحب الظهور و''شهوة القيادة'' ·· مازال صراع الأشخاص يغتال ''ضمير المؤسسة'' رغم وجود ''بعض الجعجعة'' و''بعض الطحين''، إلا أن الفكر الثقافي، يحتاج إلى مزيد من الحكمة وكثير من الهدوء والصبر، للوصول إلى فهم الطريقة الأنسب، حتى يتمّ النجاح في إخراج ''مشهد ثقافي جزائري بكل ألوان الطيف''، لكن الخوف ليس من قيمة الثقافة في حياة الإنسان - المواطن والإنسان -الدولة والإنسان- المجتمع ولكن الخوف كيف نجد الطريقة العلمية التي تحترم الوسائل الثقافية، في مؤسسات البلاد، وفي نفس الوقت نعاقب ضميرنا ونواجهه لوحدنا، دون خوف من رقيب أو هروب من منافسة، حتى تنتصر في الجميع ثقافة ''الإنسان الجزائري'' على ثقافة ''الإنسان العشائري''، الذي - بكل أسف - يقوم بعملية إبادة جماعية لفكرة ''الثقافة الوطنية'' وإن كان حاملا لشعار الوطنية، مرة باسم ''الحق المشروع في النضال الحزبي والثقافي'' ومرّة باسم ''الحق في التمثيل النيابي''، لكن بكل الوسائل التي تبرّر ''الغاية الخاطئة'' والفهم الخاطئ للسياسة الثقافية في المجتمع · مشكلة المشهد الثقافي في الجزائر التي تتعافى بحكمة على مستويات أخرى، يشارك في إزعاجها أصحاب المصالح ''غير الثقافية''، التي لا تحمل ''مشروع مجتمع'' ولا تتوفّر لديها مؤهلات تمثيل شخصية الثقافة الجزائرية في الداخل، أمام مواطنيها ولا في الخارج أمام الثقافات الأخرى، وطريق التطلّع إلى بناء وتشكيل المشهد الثقافي الجزائري اللاّئق والمشرّف لمكانة الجزائر الطبيعية، موجودة في مثال ''السياسة الرياضية الجديدة''، وأعتقد أن كلامي واضح، فلا حديث عن الثقافة الناجحة إلا عندما يحضر العقل، كونه الوحيد القادر على التفكير الاحترافي والإبداع الراقي، بداية من سياسة ثقافية واضحة، دقيقة وأهدافها مضمونة لكل الجزائريين·