أليس أعظم أحلام المرء أن يعيش في حياته أكثر من حياة، أليست الرغبة في الخلود أكثر ما يجعلنا نتناسى الموت ونتمادى في حياتنا بكل حب؟·· هذه ربما ما جعلني أحب القراءة حبا شبيها بالإدمان، إدمان لا يجعلني أحس بسطوته، أو بخروج حياتي بسببه عن سكة /المعقول/ الذي لم يكن ذات يوم و لن يكون أبدا فردوس أي كاتب يرغب في حلمه الطفولي الذي لا يرشد أبدا· علاقتي بالكتاب كعلاقة المريد بالمعلم، تبدأ بالاحترام لتنتهي ب/الحب/، لتصير بعد سنوات من التتيم غير المعلن أو المعلن باحتشام، الى علاقة إدمان ضروري ل/الحياة/، ومع تمادي هذه العلاقة يصبح كل مهم في مواجهتها مجرد تفاهة ينتهي بوصف جائر غالبا /لا يهم/، وكأن الحياة وأنا منكب على القراءة، تمسخ جملا وكلمات تصطف على مرمى بصري في ذلك الحيز الضيق غير المتناهي الذي نسميه /الكتاب/· أتكون هذه لعنتي التي ليس لي أن أفر منها إلا بها؟·· ربما، ولكنها في آن جنتي التي لا أحب أن تخرجني منها رغبة تافهة في أكل تفاحة /الحياة/، لأنها عندي أعظم من تلك الحياة التي تضطرهنا بروتينها، بمنطقها الجسدي أن نتخلى عن /ملائكيتنا/ و/عصمتنا/ التي تمنحنا القراءة الحق فيهما، حتى الشعور بالتميز يصبخ حقيقة مع كل سطر تلتهمه عيناي من قدر الكلمات ذاك· إلا أن علاقتي بالقراءة غاية في الأنانية·· أعترف، فأنا لا أقرأ إلا لأشحذ بطاريات الكتابة، أرغب أن أقول أنه حب خالص للحب، ولكنه في الحقيقة غير ذلك تماما، إنه حب منفعي /مقزز/، حب يجعل الكاتب الذي فيّ يريدني أيضا، أقرأ لأجعله يغار، فلا أكاد أضع كتابا انتهيت منه، حتى تجدني أبحث عن إجابة مقنعة عن السؤال المتكرر، المتجدد دوما /ما الذي يجعله متميزا؟/، ولا هدف لي من معرفة الجواب الا لأكون أنا كذلك، متميزا مثله·· لهذا فأنا لا أحب القراءة بقدر ما أغار منها، ولست مدمنا عليها بقدر ما أنا مدمن على البحث عن إجابة لذلك السؤال المتكرر دوما، المتجدد مع كل كتاب،والذي لسبب لا أفقهه يجعلني منتشيا في كل مرة أقع عليه، لهذا ربما حسبتني مدمنا واقعا في الحب· والآن وقد شرحت علاقتي بهذا الكائن الورقي، هل سأفهم أخيرا سبب العلاقة وأقطعها،فرغم كل شيء أشعر وأنا فيها وكأنها تسحب روحي مني كلما تماديت فيها، أشعر ب/لا حياتي/ رغم حياتي، فبين دفة كل كتاب أجدني أسحب رغما عني داخله لأكون فيه ومنه كأنه يكتب للتو، بل وأحس أحيانا أنني شاركت أو أشارك في كتابته، وكلما قاومت تزيد قوة السخب وكأنني وسط رمل متحرك يسخر من قوتي ووزني، بل وكلما زادتا، أصبحت القوة أكبر، لتبتلعني أولا ك/لاشيء/، ثم تلفظني وأنا بجد غير جلدي·· إنه /الخلق/ بصورته الإنسانية، المحدودة ربما في التجسد المادي، ولكنها في عالم المعنوي،عالمي، لا محدودة ولانهائية· وفي عملية /الخلق/ تلك أشعر بنفسي تماما كما أشعر بها وأنا أكتب شيئا جديدا، لا يهم جماله من بشاعته، ما دام الخلق لي، ما دمت عند آخر لفظة من الكتاب، أخرج وبرفتي من أحببت دوما وأحب دائما، هؤلاء الذين نخب أن نصفهم بقولنا /مخلوقات ورقية/· الكتاب سلطان و القراءة معشوقة