ما من مثقف جزائري لا يعرف الجاحظية؟ وما من شخص يسمع هذا الاسم إلا ويدفعه الفضول لمعرفة سرّ ما وراء ذلك؟ وما من شاب يراوده بصيص الإبداع إلاّ وأن تلقى مباركة الجاحظية؛ وكم من مبدع احتضنته الجاحظية وصنعت منه حكيما في ثوب فنان من الدرجة الأولى، غير أن تساؤلات عديدة لوجهات نظر مختلفة لمثقفين ومبدعين ومفكرين لا تزال تراود أفكارهم عن من سيتزعم الجاحظية بعد رحيل ''طاهر وطار'' الرجل الذي أضاء الأدب الجزائري· حين توجهنا إلى مقر الجاحظية الواقع بوسط العاصمة، الساعة كانت تشير إلى الثانية بعد الزوال، ونحن في طريقنا إلى المقر راودتنا الكثير من التساؤلات عن موقع هذا المنبر الثقافي من الإعراب بعد رحيل الطاهر وطار، كما تساءلنا عن مواصفات الرجل الذي سيخلف شخصية ثقافية وفكرية بحجم شخصية وطار الروائي والكاتب والمثقف والمناضل والمجاهد، لكن بمجرد أن وطأت أقدامنا مدخل المقر الذي اعتدنا التوجه إليه ككل أسبوع لتغطية الحدث الثقافي، شعرنا أننا غرباء عن المكان وأنه لا يعرفنا أحد بعد رحيل وطار المسؤول الأول عن الجمعية الثقافية، ونحن نتصفح أوراق الجاحظية الفارغة من حركتها الثقافية ونشاطها المعتاد باحثين عن شخص يفك طلاسم أسئلتنا، لكنه لم يكن أمامنا سوى التوجه إلى سكرتيرة الطاهر وطار ''نسيمة ''التي وجدناها جالسة برواق محمد خدة في جو مليء بالملل والحزن، وما شد نظرنا أنها لم تكن أنيقة في لباسها كما عودت ضيوف الجاحظية، وأنها لم تكن تضع حتى البعض من مستحضرات التجميل مثلما كانت في الأيام الماضية، وأعتقد أن حزنها كان واضحا لفقدان الأب الروحي للجاحظية طاهر وطار، فبعد أن اقتربنا منها للاستفسار عن أربعينية المرحوم أو عن الشخص الذي سيخلف المرحوم، لم تستطع أن تفيدنا بشيء وأخذتنا مباشرة إلى فوزي بولحيّة عضو بالجمعية ومسؤول على إدارة الجاحظية بصفة مؤقتة بعد وفاة وطار· فوزي بولحية مسؤول عن الجاحظية بعد رحيل الطاهر وطار كشف فوزي بولحية ل ''الجزائر نيوز'' أنه المسؤول الأول عن إدارة الجاحظية بعد رحيل الطاهر وطار، بعد أن أجمع أعضاء مكتب الجمعية خلال إجرائهم أول اجتماع بدون الطاهر وطار يوم 14 من الشهر الجاري، وأكد لنا أثناء حديثه أنه لا يمكنه أن يكون صورة طبق الأصل للمرحوم، مرجعا ذلك إلى أن كل شخص مستقل عن الآخر، ليضيف أن الطاهر وطار أديب وروائي ومجاهد لا يمكن أن يُعوض بآخر. أما فيما يخص برنامج الجاحظية، فقد أكد بولحية أن المنبر سيبقى دائما محافظا على نشاطاته الثقافية التي يقوم بها ككل أسبوع من ندوات فكرية وأمسيات شعرية ومعارض تشكيلية، كما أكد نفس المتحدث أنه سيعاد النظر في الملتقيات الخاصة بالمناسبات، إلى جانب إحياء النشاطات الثقافية الأخرى كاستضافة بعض المفكرين والمبدعين من دول أجنبية. لا تغيير في هيكلة الجاحظية ستبقى الجاحظية من الناحية القانونية مكتبا قائما بذاته، حسب ما أكده لنا فوزي بولحية المسؤول المؤقت عن الجمعية، وبعد 06 أشهر سينعقد مؤتمر يضم أعضاء الجمعية من ولايات بشار، قسنطينة، تمنراست وباتنة، وسيتم تكوين لجان ثم مجلس، أعضاؤه يكونون من المسؤولين على عملية انتخاب الرئيس الذي يترشح وستتم العملية ككل مرة بحضور ممثل وزارة الداخلية ومحضر قضائي. وفيما يخص شروط الانضمام للجمعية، فيجب أن يكون المشارك مبدعا ومثقفا وله المصداقية في العمل الثقافي· النشاطات تبقى قائمة رغم الأزمة المالية بما أن الجاحظية تقوم على أسس ثابتة، فإنها ستحافظ على نشاطاتها الثقافية كما أكد لنا ذلك فوزي بولحية، عضو رئيسي بالجمعية، وسيتجسد ذلك من خلال تنشيط محاضرات وأمسيات إبداعية أسبوعيا إلى جانب إصدار مجلة التبيين التي يعتبرها أعضاء الجمعية مفخرة لهم بعد أن تعدى صداها حدود الوطن، كما أن هذا العدد شهد بعض التأخر عن موعد إصداره، بسبب الظروف المادية الصعبة التي تمر بها الجاحظية، غير أن فوزي يؤكد أن الجمعية ستخرج من المأزق ككل مرة، مرجعا ذلك إلى إيمان الأعضاء برسالتهم اتجاه الفعل والحراك الثقافي· طاهر وطار كان يعلم بجميع التفاصيل رغم الاحترام الذي يكنه له أعضاء الجمعية، غير أن البعض منهم كان يرى في الطاهر وطار الأب الصارم الذي يقدم توجيهات في كل لحظة وفي كل ثانية، فالجميع كان يشهد للمرحوم صرامته أثناء العمل، حيث كان الرجل يدخل نفسه في كل التفاصيل التي تخص الجاحظية، وما كان يلفت انتباه ضيوف الجاحظية أن المرحوم هو من كان يقدم لهم الشاي بشيء من الدعابة، وهذا ما أكده لنا بولحية حينما قال إن رجلا مثل الطاهر وطار لا يمكن أن تعوضه الساحة الثقافية الجزائرية· كيف تأسست الجمعية الثقافية الجاحظية؟ الجميع يدرك أن المنبر الثقافي للجاحظية تأسس في مطلع عام 1989 وحصلت على الاعتماد الوزاري في شهر جوان، غير أنها شرعت في العمل خلال شهر سبتمبر من نفس السنة، أما فيما يخص فكرة تأسيسها فتعود ليوسف سبتي الشاعر والمثقف الذي اغتيل سنة ,1993 في حين فكرة تنفيذ المشروع، كما أكد لنا فوزي بولحية، عضو رئيسي بالجمعية، قام بها المرحوم الطاهر وطار وأثناءها عملت الجاحظية بدون مقر حوالي سنة لتمنح بعدها مقرا بعين النعجة الحي الشعبي، وبعد سنة قامت الأخيرة بشراء شقة في عمارة عتيقة بوسط العاصمة لتهجرها سنة 1993 بعد أن تحصلت على محل تقدر مساحته ب 300 متر وقامت بتقسيمه إلى مكتبين، الأول يتدرب فيه الشباب على الآلات الموسيقية، في حين القسم الثاني تم تحويله إلى قاعة كبيرة أطلق عليها إسم رواق محمد خدة، تقام فيها المعارض الفنية والمحاضرات ومختلف الأنشطة، إلى جانب قاعة أخرى تحمل اسم بختي بن عودة، كما تم إنشاء أوستديو للتسجيلات الصوتية يحمل بدوره اسم المرحوم عبد الحميد عبابسة، أما فيما يخص قاعة عمار بلحسن التي تشكل الإدارة، تمّ إقامة مكتبة صغيرة تعرض باستمرار منشورات الجمعية، أما على يمينها يوجد ناد يحمل اسم مفدي زكرياء، يحتوي على كافيتريا وتجهيزات لدخول الأنترنت ويوجد بداخل الجاحظية مطبعة وأيضا غرفتين متوسطتين تحملان اسم جناح ''عمي الطاهر''.