جاء الافتتاح في ديسمبر 2007، بالموازاة مع تنظيم ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية'' ليتضح أن متحف الفنون العصرية والحديثة لا يشبه في شيء المتاحف الكلاسيكية الموجودة في الجزائر العاصمة، أولى مميزات المكان هي تلك الهندسة المعمارية الموريسكية الحديثة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية··· مع العلم أن الوظيفة الأولى للمبنى كانت بعيدة كل البعد عن الفن، من أروقة فرنسا، تلك العلامة التجارية واسعة الانتشار تحول المكان إلى أروقة الجزائر عقب الاستقلال دون تغيير النشاط التجاري، ليعرف فترة جمود بعد غلقه بداية من مطلع الثمانينات إلى غاية إعادة فتحه سنة ,2007 يعود بناء المبنى لسنة ,1909 حيث قام بتصميمه المهندس المعماري الفرنسي ''هنري بوتي'' وفقا للطراز الموريسكي، الذي كان قد أمر الحاكم الفرنسي العام بالجزائر، شارل سيليستان جونار، الالتزام به، كان هذا الأخير يطمح لوضع أسس سياسية إدارية استعمارية تمجد فرنسا من خلال زعم حمايتها واحترامها للهوية المحلية· من هذا المنطلق لا يمكن اعتبار القرار الرسمي لتحويل المكان إلى متحف مجرد افتتاح لفضاء عرض وحفظ فني، ليتأكد أنه قرار يحمل في طياته الرغبة في تأكيد السيادة الوطنية الثقافية، جاء هذا القرار بنتيجة مثمرة للقاء القرار السياسي بالثقافة، قرار يحمل معاني على أكثر من صعيد، على اعتبار أنه بداية إعادة قراءة وإعادة امتلاك للعمران الموروث عن الحقبة الاستعمارية· خطوة تملك هذا العمران من جديد ومنحه الطابع الثقافي المحلي تتأكد في كل يوم في كل البلدان التي عرفت الاستعمار، حيث بات يمتد ليشمل كل المباني والمعالم التاريخية على غرار، فيلا عبد اللطيف، قصر مصطفى باشا، الذي تحول إلى متحف وطني للخط والمنمنمات· متحف الفنون العصرية والحديث مكان يجمع بين الهندسة المعمارية الموريسكية، التي اشتهرت لدى عرب الأندلس، وبين فعالية العمران الأوروبي العصري، هذا الخيار العمراني جاء منافيا للأعراف المعمارية الأكاديمية المتعارف عنها في بناء المتاحف، الأمر الذي أربك وأبهر الرأي العام، يجمع المكان بين خصوصية القصر الموريسكي الفخم، الرواق التجاري الضخم والمتحف المعماري، ما جعل البناية في حد ذاتها تحفة فنية تلفت انتباه الزوار، سيما وأنه نموذج مذهل لأعمال وحرف الديكور على الخشب، المنمنمات وغيرها لأسماء حرفيين جزائريين رحلوا عن عالمنا، على غرار حميمونا، بلخزناجي وغيرهم· المثير للاهتمام أن التزاوج بين عوالم الهندسة المعمارية الموريسكية والأوروبية التي توقع الكثيرون أنها لا تتماشى فيما بينها، جاءت منسجمة بشكل متكامل بديع· من جهة أخرى جاء قرار إنشاء متحف الفنون العصرية والحديثة استجابة لمتطلبات عاصمة في تحرك دائم، وتماشيا مع منطق يسعى لإعادة الاعتبار لأحياء وخلق ديناميكية تساهم في خلق صورة جديدة للعمران، على عكس بقية المتاحف التي توحي بأنها بعيدة ومعزولة عن محيطها المباشر بفعل الحواجز الرمزية والحقيقية، يأتي موقع متحف الفنون العصرية والحديثة أقرب من الخطاب الجمالي المحلي، مجانية الدخول وانفتاحه على كل العاصمة والعاصميين يجعل منه بمثابة المتحف الجواري· من جانب آخر فإن موقعه يندرج ضمن مسار ثقافي يحمل الكثير من المعاني: حصن الرياس وهو قصر عثماني، القصبة، المسرح الوطني وصولا إلى متحف السينما، كلها معالم في ذات المحور العمراني، بفضل تلك الفتحات الكبيرة التي تسمح للمارة بإلقاء النظر لما يحدث في الداخل، تحول المكان المطل على أحد أهم الشوارع التجارية وأكثرها اكتظاظا بالعاصمة إلى مكان يعج بالفضوليين سواء تعلق الأمر بمن يرغب في رؤية العمران المميز أو من أجل الوقوف على العروض الفنية المبرمجة· يشير مدير المتحف، محمد دشيش للهدف الرئيسي وسبب وجود المتحف بقوله: ''إنه مكان لعرض الإبداعات الوطنية والعالمية، إنه فضاء مفتوح لكل العروض والتظاهرات ذات بعد دولي، حيث يسمح المكان للفنانين المحليين بالاحتكاك مع الفنانين العالميين، ومن جهة أخرى هو فضاء يفتح المجال أمام أنواع جديدة من الابداع والتعبير الفني على غرار فن التصوير، حيث بات ينظم المهرجان الوطني لفن التصوير والمهرجان الدولي للفنون الحديثة''· هو إذن فضاء لعرض إضافي على الساحة الفنية الجزائرية يدشن سياسة ثقافية جديدة، أحد عوامل تغير أنماط الحياة الحضرية في الأحياء المجاورة، من خلال إدخال علاقة جديدة بين ثقافة المساحات العمومية وفضاءات حسية· منذ افتتاحه احتضن المتحف ما يقارب من 12 عرضا من بينها معارض دولية بمناسبة تظاهرات ثقافية هامة من قبل، الجزائر عاصمة الثقافة العربية ,2007 المهرجان الدولي الأول للفنون الحديثة بالجزائر2009 والمهرجان الثاني الإفريقي، لم تنته عمليات ترميم وإعادة تأهيل المتحف البالغ مساحته 13 ألف متر مربع، فقد تم فتح مساحة ما يقارب 3000 متر مربع في انتظار أن يتم افتتاح بقية المساحة المقدرة بحوالي 10 آلاف متر مربع في غضون سنة .2013 إن إنشاء مثل هذا المتحف الفريد من نوعه في القارة الإفريقية وفي المنطقة العربية، بالنظر لجماليته المعمارية وحجمه، أعاد طرح أسئلة حوله مرتبطة بمكانة المتحف في المدينة وفي المجتمع، أسئلة بخصوص الهوية المتحفية أوالعلاقة بين الذاكرة، المتاحف والمكان، أسئلة تشهد على الرغبة في استعادة امتلاك التاريخ الثقافي وكتابة تاريخ الفن الجزائري· هو مكان حيث تعاد الحياة للفنون، مفتوح على الجمهور العريض ومنفتح على العالم، إذ يسمح بالتعرف على أنواع جديدة من الخطابات الجمالية·