خلافا للخطاب الذي تمّ تداوله، وعكس ما كان متوقّعا لم تكن سنة 2008 امتدادا لعام 2007 حيث احتضنت الجزائر تظاهرة العواصم الثقافية العربية، إذ دخلت مختلف المؤسّسات الثقافية في سبات عميق أكّد مرّة أخرى أنّ الثقافة في الجزائر تعيش أجواء المناسباتية، فما حملته "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" من حركية ثقافية وفنية لم يدم طويلا ولم تجسّد الوعود على ارض الواقع اللّهم إلاّ بعض المحطّات التي تحسب على أصابع اليد الواحدة. ومن بين هذه المحطّات اختتام احتفالية "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، الاجتماع الثاني لوزراء ثقافة دول الاتحاد الإفريقي، ملتقى الجزائر الدولي الأول حول الترجمة الأدبية، إعادة فتح قاعة "الأطلس"، وكذا إقامة الفنانين "دار عبد اللطيف"، إضافة إلى بعض المواعيد الثقافية والفنية. اختتام.. ثمّ لا شيء رئيس الجمهورية في رسالته بمناسبة اختتام تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" بالمسرح الوطني "محي الدين بشطارزي" أكّد على ضرورة إحلال الثقافة في صلب الأولويات العربية، وجعل التجدّد الثقافي تمهيدا لا مناص منه ووسيلة لا غنى عنها للتأهل وفق معايير العالم المعاصر، دون الانسلاخ عن هويتنا، حتى نتبوّأ فيه المكانة التي تليق بنا في السباق العالمي من أجل الرقي، مشدّدا على ضرورة العمل من أجل إحياء تراثنا حيث تغوص جذورنا، و"إجلاء ما فيه من تليد وطارف، والحرص بكل تواضع وبلا أيّة عقدة على تدارك تأخّرنا". وأشار الرئيس إلى أنّه "لا مندوحة لنا عن تحريك نشاط الترجمة على أوسع نطاق لأنّه من دونه ستؤول لغتنا العربية، التي ما انفكّت الهوة تتّسع بينها وبين المعارف الحديثة ويزداد هجرانها من قبل النخب المثقفة، إلى اضمحلال قد لا تحمد عقباه بعد أمد"، وأضاف أنّه إذا أردنا الانفتاح على ثقافات مختلفة والتعاطي معها، دون التفريط في التمسّك بهويتنا وقيمنا الجوهرية، فلابدّ من التخلي عن السلوكات الدفاعية "بما فيها الانطواء على النفس تهيُّبا أو النفور العدائي من الغير" . ووصف القاضي الأوّل للبلاد اللغتين العربية والأمازيغية، اللسانين الناقلين للتراث الثقافي الوطني، إلى جانب العقيدة الدينية ب"الحصون التي على أسوارها تحطّمت محاولة محو الهوية ومسخ الثقافة، والتي كانت الموئل حيث لاذت روح الأمة فكُتِب لها البقاء"، وشدّد على تمسّك الدولة الجزائرية بهذا التنوّع الذي تقوم عليه هويتنا الذاتية، ويعدّ مصدر ثراء لنا "نحرص على الحفاظ عليه عاملين على تثمين تراثنا الأمازيغي إلى جانب مسعانا المتضامن ضمن الوطن العربي خدمة للغتنا العربية ولتراثنا المشترك" . وعزفت الجزائر في اختتام تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" سيمفونية الخلود والصمود، فطوّقت المسرح الوطني أطياف موسيقية كلاسيكية وكلمات راقية تخلّد الجزائر المحروسة وتصرّ على صمودها حاملة شعار "الجزائر، قصيد سنفوني للسلام"، فتباينت النوتات وتمازجت، اختلفت الحركات وتقاطعت لتؤكّد على أنّ الموسيقى لا تحمل أيّة جنسية وإنّما موطنها الجمال والحلم الدائم وعمادها السفر المستمر إلى عوالم الحبور والإبداع والجزائر كانت ولا تزال "مبعث البهجة في النفوس، وراسمة الابتسامات" . المشاريع الثقافية الكبرى ولعبت تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية على إظهار أهمية المرافق الثقافية الحالية والتعريف بالفضاءات الثقافية التي ستنجز أو التي انطلق إنجازها خلال عام 2007، وهي المشاريع الثقافية الكبرى لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة والتي من شأنها أن تعزّز المشهد الثقافي والفني الجزائري وتمتّن مكانة الجزائر على الصعيدين العربي والعالمي، وهذه المشاريع عددها تسعة تتوزّع على مجالات الآثار، الفن السابع، فن المنمنمات والزخرفة، الفنون الحديثة، الكتاب والموسيقى، إذ من بين الانجازات التي تمّ انجازها "إقامة الفنانين" بدار "عبد الطيف"، المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر،"متحف المنمنمات، الزخرفة وفن الخط"، وذلك في انتظار المكتبة العربية- جنوب أمريكية، المركز الوطني لترميم الممتلكات الثقافية "دار الصوف"، إضافة إلى المركز الوطني للبحث في علم الآثار بدار الحمراء، مدرّج "فضيلة الدزيرية" والمعهد الوطني العالي للموسيقى، وكذا المعهد العربي للآثار ومشروع الفيلم الضخم "الأمير عبد القادر"، وجلّ هذه المشاريع كان من المفترض أن ينطلق انجازها خلال شهر فبراير 2008 . "ألف عنوان وعنوان".. لم يبرح مكانه ومن بين المشاريع التي حظيت بدعم ورعاية من الرئيس بوتفليقة مشروع "ألف عنوان وعنوان" الذي يعكس الأولوية المولاة لخير جليس في الأنام، إذ قرّر رئيس الجمهورية خلال جلسة الاستماع التي خصّصها لقطاع الثقافة شهر رمضان1428ه مواصلة نشر نفس العدد من العناوين لتتدعّم بذلك المكتبة الجزائرية ويجد المبدع السبيل لتجسيد ملكاته على أرض الواقع، فبعد رعاية احتضان الجزائر للمعهد العالي العربي للترجمة، عملت الدولة على تخصيص ميزانية كبيرة للكتاب مع العمل على تحقيق مشروع "مكتبة في كلّ بلدية"، وكذا العمل على إنشاء "المركز الوطني للكتاب" الذي يعدّ مشروعا واعدا، كلّ ذلك بهدف "ترقية ثقافة الكتاب في الجزائر"، لكن مشروع" ألف عنوان وعنوان" لعام 2008 لم ير النور بعد إذ بقي حبيس أدراج مصالح وزارة الثقافة لأسباب إدارية في الغالب، وسط تساؤلات عديدة ستلقى الإجابة ربّما مع 2009 . وجدّدت الجزائر للمرّة الثالثة عشر الوصال مع خير جليس في الأنام من خلال الصالون الدولي للكتاب الذي أشرف على انطلاقه رئيس الجمهورية الذي أكّد وهو يطوف بأجنحة بعض المشاركين الأربعمائة على ضرورة دعم صناعة الكتاب في الجزائر وكذا تعزيزها بالترجمة من وإلى اللغة العربية مع إعطاء القارئ الجزائري فرصة للاقتراب أكثر غذاء الروح، وحثّ الرئيس لدى افتتاحه للصالون بقصر المعارض بالصنوبر البحري الناشرين الجزائريين والأجانب على دعم القارئ الجزائري بمختلف الإصدارات الجديدة، وكذا وضع ما يكتب في الخارج عن طريق الترجمة في متناوله. "الأطلس".. مركب بلا روح على صعيد آخر أعادت قاعة "الأطلس" فتح أبوابها في حلّة جديدة تساير من حيث الإضاءة والصوت وكذا معايير الأمن المقاييس العالمية وذلك بعد أن عرفت عملية ترميم، تجديد وتهيئة وتأخّر دام قرابة الثمانية أشهر عند موعد تسليمها للديوان الوطني للثقافة والإعلام من طرف وزارة الثقافة التي سيّرت مباشرة الأشغال التي كلّفت غلافا ماليا مقدّرا ب 800 مليون دينار جزائري. قاعة "الأطلس" المتواجدة بباب الوادي والموروثة من العهد الاستعماري، تحوّلت إلى مركّب ثقافي متكامل بفضل عمليات إعادة التهيئة والترميم، وباتت من بين أكبر مركّبات الثقافة والفنون في الجزائر، وتضمّ قاعة عروض كبيرة بطاقة استيعاب تقدّر ب2500 مقعد، قاعة متعدّدة ب350 مقعدا وكذا جناح موجّه للفنانين يتوفّر على مقصورات وكلّ الظروف الملائمة والمساعدة لتقديم الأفضل، إضافة إلى جناح إداري لتسيير المركّب، كما تتميّز قاعة "الأطلس" بتقنية السقف المفتوح، لم تعرف إلى غاية كتابة هذه السطور أيّ نشاط فني أو ثقافي منذ افتتاحها في 11 جوان الماضي بمناسبة اليوم الوطني للفنان، ليسقط بذلك عذر انعدام الفضاءات التي تستقبل مختلف النشاطات، وفي تساؤل ل"المساء" حول عدم استغلال قاعة بحجم "الأطلس" أوعزت بعض المصادر القريبة من وزارة الثقافة إلى أنّ المستغل وهو الديوان الوطني للثقافة والإعلام لم يسطّر برنامجا خاصا بالقاعة، وهو ما لمسناه في قلّة النشاطات التي برمجها الديوان لعام 2008 فباستثناء المهرجانات كتيمقاد وجميلة وعكاظية الجزائر للشعر، وكذا نادي السينما ونادي المسرح، لم ينظّم الديوان نشاطا كبيرا على خلاف السنوات السابقة. "نترجم ونعيش سويا" "نترجم ونعيش سويا" هو الشعار الذي رفعه الملتقى الذي احتضنته الجزائر من الثاني إلى الخامس من ديسمبر ويتناول بالنقاش موضوع الترجمة الأدبية. ملتقى الجزائر الدولي الأول حول الترجمة الأدبية من تنظيم وزارة الثقافة بالتعاون مع كلّ من المعهد العالي العربي للترجمة وجمعية القلم الدولي ومركز القلم الوطني، جمع مترجمين وكتاب وناشرين ونقاد أدبيين بغية التفكير في التحديات التي تطرح على الترجمة الأدبية وعلى الميكانيزمات الخاصة بتعليمها وترقيتها في عصر العولمة. الموعد الفكري هذا جاء لدراسة السياق الأدبي والثقافي والتاريخي للترجمة الأدبية، فحص العلاقات الموجودة بين المؤلّفين والنصوص وبين المؤلّفين والمترجمين، إضافة إلى مناقشة شراكة محتملة بغية ضمان ترقية الأدب المترجم، تحديد المجالات الملائمة لتعليم الترجمة الأدبية وكذا تطوير إمكانيات الترجمة الأدبية بين اللغات "الصغرى". وتمّ خلال أيام هذا الملتقى التطرّق إلى عدّة جوانب أساسية أهمّها ترجمة الأدب ويتمحور حول الأدب الجزائري والتفاعل بين المترجمين والمؤلّفين والنصوص المترجمة، علاوة على الترجمة والعولمة ويضمّ الترجمة ووسائل الإعلام والنقد، النشر وترقية الترجمة الأدبية، الترجمة الأدبية بين اللغات "الصغرى" واللغات "الكبرى"، الترجمة الأدبية والحوار ما بين الثقافات وكذا مهنة المترجم الأدبي، أمّا تعليم الترجمة الأدبية فيشمل الترجمة الأدبية والترجمة غير الأدبية، الترجمة الأدبية في برامج التعليم وأيضا الأدب المقارن والأسلوب المقارن. وزراء الثقافة الأفارقة يدعمون حسني لليونسكو ومن بين اللقاءات الثقافية الرسمية التي احتضنتها الجزائر الاجتماع الثاني لوزراء ثقافة دول الاتحاد الإفريقي الذي أكّدت خلاله وزيرة الثقافة خليدة تومي أنّ الجزائر برهنت منذ الاستقلال على أهمية بعدها الإفريقي من خلال تكريس هذا البعد ضمن أركان هويتها الوطنية وما فتئت تعمل على تجسيده من خلال برامج وإنجازات مختلفة تعمل كلّها على تعزيز جسور التواصل مع شتى الشعوب والدول الإفريقية، مشيرة إلى أنّ الجزائر كانت السباقة للمبادرة في تعزيز العمل الإفريقي المشترك لا سيما من خلال مبادرة النيباد التي شارك في رعايتها ودعمها ونضالها من أجلها رئيس الجمهورية، موضّحة أنّ "بيان الجزائر للثقافة الإفريقية" الذي أعقب تنظيم المهرجان الثقافي الأوّل في الجزائر عام 1969 يبقى مرجعية أساسية للعمل الثقافي الإفريقي المشترك. وتمّ خلال هذا الاجتماع دعم ترشح الوزير المصري فاروق حسني لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، كما خلص اجتماع الجزائر إلى المصادقة بالإجماع على جملة من القرارات على رأسها احتضان الجزائر لمقر المتحف الإفريقي الكبير، وتزكية احتضانها شهر جويلية المقبل لفعاليات المهرجان الإفريقي الثاني، وخصّصت له الدولة ما يقارب خمسة ملايير دينار، والاتفاق على دعم السنغال في تنظيم المهرجان العالمي للفنون الزنجية شهر ديسمبر 2009. 05 ملايير دينار للمهرجان الثقافي الإفريقي بعد أربعة عقود من احتضان المهرجان الثقافي الإفريقي الأوّل، تتأهّب الجزائر شهر جويلية من عام 2009 لاحتضان الدورة الثانية من هذا الموعد الإفريقي، ورصد لتنظيمه غلاف مالي مقدّر بخمسة ملايير دينار وهي نفس الميزانية الأولية التي رصدت عام 2007 لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، والبداية كانت بتنصيب، شهر أوت الماضي، اللجنة التنفيذية للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني التي ترأسها السيدة تومي وتضم 14 دائرة كل واحدة منها مكلفة بمهمة ونشاط معين". كما أعلنت وزيرة الثقافة في تصريح للصحافة للمهرجان أنّ اللجنة الوطنية المكلّفة بتنظيم المهرجان التي يشرف على رئاستها الوزير الأوّل السيد أحمد أويحيى تسعى على قدم وساق إلى انجاز التحضيرات اللازمة وأنّها تسخّر الإمكانيات الضرورية من أجل إنجاح هذه التظاهرة، معتبرة إعادة إحياء المهرجان تجديدا للإبداع الثقافي في القارة السمراء مؤكّدة التزام الجزائر بتوجيه الدعوات قبل نهاية السنة الجارية إلى كلّ الدول الإفريقية من دون استثناء للمشاركة في فعاليات المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، وقالت أنّ الجزائر ستكون في الخامس من جويلية القادم وهو موعد يتزامن مع الاحتفالات بعيدي الاستقلال والشباب قبلة للمبدعين الأفارقة وعاصمة للثقافة الإفريقية. وفي هذا الشأن؛ كشفت السيدة تومي عن إنجاز قرية للفنانين بزرالدة سيتمّ تدشينها بمناسبة احتضان الجزائر للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بعد الأوّل الذي احتضنته الجزائر أيضا عام 1969، وأضافت أنّ الدورة الثانية هذه ستعرف مشاركة 53 بلدا إفريقيا التزمت جميعها بالمشاركة بقوّة.