خلال اليومين الماضيين نزل المطر مدرارا في هذه الصحراء التي لا حدود لها·· نزل في نهايات صيف ملتهب، والمطر في الصحراء يأتي هكذا مفاجئا بلا مقدمات، ولا إشارات، قبل الأمس بيوم كان الصيف مقيما، منذ الصباح الأول تشتعل الشمس في السماء كملكة لا حدود لسلطانها تسيطر على الانسان والحيوان والجماد والسيارات، وكل ما يدب على الأرض·· بعدها بيوم وفي الظهيرة هبّت ريح بارزة، واختفت ملكة السماء خلف حجاب الغيم، وبدأ نشيد المطر··· نزول المطر في الصحراء في حد ذاته يعتبر حدثا يؤرخ به الناس لسنوات، إنه بشرى خير، فالأرض الجدباء ترتوي وتخرج عشبها وترفاسها، وحيواناتها المدفونة في أعماقها من ضبٍ وأفاع وأرانب برية وقنافذ··· أما الثعالب فبعيد المطر تخرج للصيد مرحة فرحة بالصيد الوفير··· الطيور أيضا، المقيمة منها والمهاجرة تعاود دورة حياتها·· إنه عرس الطبيعة في تزاوج عناصرها الفاتنة·· الطبيعة أمٌ تجدد ولاداتها بعد المطر·· وبشر الصحراء يجدّدون معه الأمل في استقرار قطعان الإبل الهائمة في أديم الصحراء بحثا عن الماء والكلأ، وفي تحدد سلالات الغنم والماعز·· وفي امتلاء الضايات والغدران بالماء العذب الذي لا حدود لعذوبته، إنه كذلك بالنسبة للبدو الرحل إيذان باستقرار طويل في نجعهم، فلبن الماعز يكون وفيرا، ومعه السمن الحر الطبيعي ومعه الصوف والوبر··· مطر الصحراء حدث لا يتكرر كثيرا··· إنه يأتي بعد الجدب ليجدد في الإنسان الأمل بإمكان الحياة في القفر والمفازات مجاورا للجن والأرواح الخفية التي ألف وجودها معه، مطر الصحراء أغنية الطبيعة الخالدة·