رشيدة .. مس أم معجزة ؟ تعود حكاية المسماة (رشيدة. ب) مع الماء إلى منتصف التسعينيات، حيث نادرا ما تشرب كمية كبيرة وفي كثير من الحالات لا تشرب الماء لمدة تفوق 6 أشهر، مثلما حصل في إحدى السنوات، وقد تمتد إلى عام مثلا هي عليه هذه الأيام، حيث دار حول كامل لم يدخل الماء إلى جسمها ولا أي سائل آخر مهما كان نوعه. تنقلنا إليها بمسكنها الواقع في ضواحي دائرة بوغالة ببسكرة لتحري حقيقة ما سمعناه عنها من مثل هذا الأمر الغريب لنكتشف حكاية غريبة روتها لنا المعنية صاحبة ال 38 عاما وكأنها تعيد شريطا من عمق ذاكرتها، حيث تأكدنا في حضور دليلنا ووالدتها وشقيقها أنها تحفظها عن ظهر قلب. انقلبت حياة الفتاة رشيدة في منتصف التسعينيات وصارت فتاة غير عادية أرّقت حياة أمها وإخوتها الذين يعيشون حياة بسيطة جدا فقدت متعتها ومعناها بعد المنعرج الذي سلكته البنت بدون إرادتها، حيث أصبحت منزوية ترفض الحديث إليهم ثم غادرت المنزل لتقيم في بستان نخل ما اضطر شقيقها وأمها إلى بناء كوخ للإقامة بجانبها. هذه المعطيات كانت متوافرة لدينا قبل زيارتنا إليها، وقد ولّدت فينا شعورا مفاده أنها سترفض الحديث إلينا بل سترفض مقابلتنا، إلا أن الذي حصل بعد مفاوضات بيننا وبين والدتها بدّد شعورنا فكان اللقاء الذي جمعنا في حوش المنزل أو المكان الذي تقيم فيه رشيدة. "ذات صباح كنت بين النوم واليقظة، وإذا بي أرى سحابة تنزل من السماء وتدنو مني شيئا فشيئا لأكتشف فوقها شيخا تعلوه لحية يمتطي فرسا وبيده علم وبالأخرى سيف ناولني إياه وقال: هذا السيف ستحاربين الشياطين"، تحكي رشيدة. قبل ذلك كانت رشيدة تعيش وضعا صحيا غير مسبوق، حيث لا تكثر شرب الماء وإذا شربت تتقيأ في الحين "كنت أشرب 5 لترات عند الفجر وأعيدها في الحين". وكانت عصبية تلوم والدتها حين تحضر إليها الطبيب لفحصها وبعد مرور عدة أيام عن الحلم الذي رأته وهي بين اليقظة والمنام، تحدثت إلى أمها قائلة "ينتابك شعور بأنني مجنونة وأنني فقدت عقلي فردت عليها أمها بالإيجاب، وكان ذلك في حضور شقيقه، فقامت البنت بصفع الهواء بيدها، وقالت لمن كان في المنزل "استنشقوا رائحة البخور المستقدم من قبر النبي محمد؛ لتعم الرائحة أرجاء المنزل". التفتنا إلى أمها لتأكيد هذه الحادثة، فأكدتها لنا كما أكدها لنا شقيقها الذي صار بعدها يخاف من أخته، كما يولد الخوف في نفوس أفراد العائلة زاد حدة بعدما طلبت رشيدة من والدتها إزالة سحر موجود في إحدى أركان المنزل. سألتها لمَ لم تقم هي بإزالته؟ فردت "خوفا من أن أصبح رهينة لعمل إزالة السحر، أريد أن أعيش حياة عادية، ثمة طرف يدفعني إلى إزالته وطرف آخر يدفعني الى العكس"، في إشارة إلى الجن حسب ما فهمناه. ولما لم تقم الأم بإزالته زاد الخناق حدة على نفس البنت فغادرت المنزل للإقامة في بستان نخل بعيدا عن التجمع العمراني تفترش الأرض وتلتحف السماء مدة 3 أشهر، وبجانبها أقام شقيقها وأمها في كوخ لحمايتها ورعايتها، وفي أحد الأيام تحدثت إليهما وقالت لهما "شيئا ما سيحدث هذا المساء" وما كادت الشمس تغرب حتى تهاطلت الأمطار بغزارة أردفتها صاعقة رعدية سقطت بقربهم، وفي هذا الشأن يقول شقيقها "سمعت دويا مرعبا هز الأرض مع شرارة نارية، لكن دون أن تترك أثرا على الأرض". وعن قصتها مع الماء تقول المعنية "كنت أكتفي بكأس حليب صباح وآخر مساء قبل أن أكف عن شربه وسائر المشروبات، أتذكر أنني شربت قبل 4 سنوات زجاجتي مشروب غازي". أما عن وضعها الصحي فيتأزم كلما حل شهر رمضان، حيث بالإضافة إلى الصوم الطويل عن شرب الماء تصوم أيضا طويلا عن الأكل حتى تكون قاب قوسين أو أدنى من الموت مثلما حصل لها خلال شهر رمضان الفائت، أين تم نقلها إلى المستشفى، فاتضح أن ضغطها الدموي يقايس درجة واحدة، ما حير من كان حاضرا، وتم تغذية جسمها بالدم وعادت إلى منزلها، وكانت هذه الخرجة اضطرارية فهي تفضل المكوث في المنزل وتستأنس لطبيب عام يفحصها كلما تأزم وضعها، حدثتنا عنه وقالت لنا ذات مرة قلت له سيأتينا رجل قصير وأشارت بيدها رافعة إياها عن علو قصير، ومعنى ذلك يقول شقيقها إن الرئيس الذي سيحكم الجزائر قصير القامة، كما قالت لطبيبها ستصبح إماما أو مديرا لقطاع صحي، وبعد أيام تحول طبيبها إلى مدرس في الوعظ والإرشاد بمسجد البلدة التي يمارس فيها عمله. ومن غرائبها أنها قضت شهرين كاملين بلا أكل وشهرين كاملين وهي واقفة من السابعة صباحا إلى التاسعة ليلا لم تصب بأي مرض حتى ولو كان نزلة برد، يؤكد شقيقها، مضيفا أنه في إحدى السنوات السابقة كان الجو حارا جد خلال الصيف، وكاتت ترغب في شرب الماء بشرط أن يكون ذلك خارج المنزل، فما كان عليه إلا مرافقتها يوميا بسيارته في زمن معين، حيث تتناول كميات هائلة من الماء ثم تعديها لتعود إلى المنزل وقد استمرت على هذه الحالة طيلة الصيف. ويجزم شقيقها بأنها كانت تقضي ليالي الشتاء بلا فراش ولا غطاء فهي بحسبه تتحمل قر الشتاء وقيظ الصيف عند الهجيرة، تنام حتى ولو كان المطر يتهاطل مدرارا في أحسن الحالات تغطيها أمها بقطعة بلاستيكية. هذه باختصار حكاية رشيدة الغريبة.. حكاية فتاة غير عادية تعرف حالتها بعض التحسن، وهو ما أعاد شيئا من الأمل في نفس أمها مع تمنياتها لها بالشفاء.