بداية، فإننا نؤكد أنه مع التسليم بأوجه القصور التي تشوب عمل الأممالمتحدة فإنها تبقى أهم محفل للدبلوماسية متعدد الأطراف على سطح هذا الكوكب إلا أن الاعتراف بهذه الصفة المهمة للمنظمة الدولية لا ينفي حقيقة أن أكبر منظمة في العالم تبشر بالديقمراطية قد أفقدتها دول كبرى الكثير من مقومات الديمقراطية، ولعل تلك النقيصة الكبرى كانت ومازالت المحرك الرئيسي للإصلاحات المقترح إدخالها على المنظمة الدولية ومن بينها وعلى رأسها توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن ومنحه حقا احتكاريا في اتخاذ قرارات التدخل باستخدام القوة في مناطق النزاع والاضطراب في العالم، خاصة بعد ما ثبت من إساءة استخدام هذا الحق خلال غزو العراق عام ,2003 وحتى يمكن استيعاب أهمية الإصلاح المراد إدخاله على المنظمة الدولية فإنه يجب الإستعانة بأحد تعريفات الدولة في علم الاجتماع حيث الدولة هي الكيان الوحيد الذي يحتكر لنفسه الإستخدام المشروع للقوة داخل نطاق جغرافي محدد· وبناء على مقترحات الإصلاح للأمم المتحدة بما في ذلك توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن التي كانت تهدف ضمن ما تهدف إلى منح مجلس الأمن احتكار حق اسخدام القوة، فإنه يمكن القول أن دول العالم تطمح إلى تنصيب المنظمة الدولية كحكومة للعالم وهو ما يتصادم مع رؤية الولاياتالمتحدة لنفسها، بحق أو بغير حق، كحكومة غير متوجة رسميا للعالم، وقد دفع عدم رغبة الدول الخمس دائمة العضوية في محلس الأمن في كسر احتكارها للعضوية الدائمة ناهيك عن احتكارها لحق النقض (الفيتو) إلى استغلالها التنافس الشديد بين الدول الأربع غير الإفريقية المرشحة للحصول على العضوية الدائمة وهذه الدول هي الرازيل والهند وألمانيا واليابان، وبين عدد من الدول المنافسة لها كل في إقليمه، فإيطاليا مثلا شكلت مجموعة من دول أوروبا أطلقت على نفسها الإتحاد من أجل التوافق عارضت دخول ألمانيا، كما تقود الأرجنتين حركة في أمريكا اللاتينية لمنع البرازيل من دخول المجلس، في حين تقف باكستان بالتعاون مع الصين ضد دخول الهند، أما بالنسبة لليابان فقد عارضت عضوية الصين بسبب عدم تقديم الأولى الإعتذار الكافي عن المجازر التي ارتكبتها أثناء احتلالها لها، وإذا كان هذا هو الموقف على صعيد الدول الأربع غير الإفريقية فإن مواقف الدول الإفريقية لم تسهم في تعزيز فرض تمثيل دائم متوازن وعادل للقارة السمراء في مجلس الأمن، فالتمثيل العادل والمتوازن للقارة لا يمكن أن يتحقق سوى بدخول الجزائر ممثلة لشمال إفريقيا حيث الجزائر البوابة الرئيسية لشمال إفريقيا ودولة جنوب إفريقيا ممثلة لنصف القارة الجنوبي، وذلك بصفتهما دولتين إفريقيتين سواء على صعيد حجم الاقتصاد أو القوة العسكرية، كما لا ننسى بأن الجزائر تتفوق على الكثير من الدول الإفريقية في المجال الديبلوماسي، مجال ديبلوماسي ضخم ضارب في أعماق التاريخ ويليق بدولة كالجزائر والمؤشرات السياسية والديبلوماسية تقول إذا حظيت إفريقيا بمقعد دائم في مجلس الأمم فإنه لا يمكن استبعاد فرص قوية لجنوب إفريقيا لأسباب لها علاقة بأفضليتها على الجزائر وإنما لها علاقة بمصالح واستثمارات ضخمة لعدد من الدول دائمة العضوية في المجلس مثل الصين والهند وبريطانيا، كما أن في جنوب إفريقيا بالإضافة إلى وجود جاليات هندية وصينية وبريطانية كبيرة وقوية في تلك الدولة الإفريقية وفي حالة تخصيص مقعدين لإفريقيا فإنه من المفترض أن تكون هناك فرصة للجزائر أمام نيجيريا مع أن نيجيريا سوف تلعب ورقة المصالح الاقتصادية البترولية الغربية بعنف لكي تستميل هذه الدول أيضا، هذا في وقت تحاول فيه نيجيريا لعب ورقة الديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان، هذا في وقت يشاع فيه أن نسبة الأفارقة الذين يعتقدون بعدم أمانة زعمائهم السياسيين تصل إلى 80%، زيادة على مظاهر مختلفة من الفساد· وإذا أردنا أن نعرف من يجب أن يحمل مسؤولية قضية مثل هذه القضية المهمة في عالمنا المعاصر اليوم، فمع أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وزارة الخارجية والدبلوماسية الجزائرية في الخارج وهذا لعدم قيامها بدورها في مثل هذه القضية، فتشعب قضية تمثيل الجزائر الدائم لقارتها في مجلس الأمن يجعل العديد من الوزارات والهيئات مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر خاصة وأنها تمثل ذراع الجزائر في الخارج· والسؤال المطرح: هو: هل عدم تحرك ديبلوماسيتنا في هذا المجال راجع إلى قصور في مواصفات القائمين على رأس الديبلوماسية الجزائرية أم أنه بسبب عدم إعطاء هذه الديبلوماسية التوجيهات اللازمة في هذا المجال·