احتفالات المولد في تيميمون.. "مرحبا بك.."، أكثر ما تردد على مسامعنا طيلة تواجدنا بين أحضان أهل قورارة وهم يحتفون بأسبوع المولد النبوي الشريف للقرن الخامس على التوالي، تحت ظلال نخيل الواحة الحمراء الضاربة جذوره في عمق التاريخ الذي صنع من تيميمون قبلة يحُج إليها آلاف الجزائريين قادمين من 48 ولاية، يتقدمهم كبار الساسة والمسؤولين في الدولة. * كما تستقطب مئات الضيوف الأشقاء من دول الجوار وتجذب سواح أجانب تحدوا الأزمة المالية العالمية وجعلوا من اكتشاف الصحراء الجزائرية بحضاراتها وجغرافيتها أولوية من أولويات الحياة.. ولكن عندما تتلاحم الجموع في 'الحفرة' ويختلط الحابل بالنابل تخترق عصابات محلية ومنظمات أجنبية وعاهرات مبتذلات المحفل الديني المقدس لتشوهه.. فلأي أغراض يُدنس ملتقى تعلوه راية "لا إله إلا الله" وتُطمس فيه قدسية المصطفى عليه السلام.. وهل وراء هذه المؤامرة جهات خارجية خفية..؟! * * منظمة فرنسية تستخدم المال والإغراء لنشر أفكار يهودية خالصة * بكرم يُماثل كرم حاتم الطائي أو يتعداه، استقبلتنا عائلة "ديبة" وجميع أهل قورارة الذين لم تنسهم التحضيرات المكثفة لأسبوع المولد النبوي الشريف عاداتهم وطقوسهم في استقبال الوافدين عليهم، خاصة وأن تعداد ضيوف أو "زوار السبوع"، كما يلقبون، يُقارب العشرة آلاف.. وإن تعددت أسباب زيارتهم واختلفت أغراضهم وراء المشاركة في المحفل الكبير ب"الحفرة" يوم 18 من ربيع الأول، إلا أن تجمعهم بصعيد واحد قبيل صلاة المغرب يصنع الحدث وبامتياز ليجذب بذلك عدسات تلفزيونات العالم.. * * ما حقيقة السبوع..؟! * تحتضن مدينة تيميمون خلال الأسبوع الجاري محفل "السبوع" أو أسبوع المولد النبوي الشريف.."الشروق" شدت الرحال إلى الواحة الحمراء لترصد احتفالات أهل قورارة رفقة آلاف الضيوف والزوار القادمين من الجزائر وخارجها لإحياء ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أوضح لنا الشيخ "ايدا محمد السلام" القائم على زاوية "الحاج بلقاسم" المتواجدة بضواحي مدينة تيميمون: "قبل خمسة قرون استخار الشيخ الورّع الزاهد "الحاج بلقاسم" (925 ه 997 ه) الله عز وجل بأن يُقيم محفلا كبير لمدة سبعة أيام تخليدا لمولد المصطفى عليه السلام، بعد أن تعلق قلب الشيخ بالمصطفى الحبيب، خاصة وأن الشيخ كان مولعا بالسيرة النبوية ومختلف علوم الدين"، مضيفا "واستجاب المولى عزوجل لدعاء عبده "الحاج بلقاسم"، حيث رأى في منامه تلك الليلة النبي صلى الله وعليه وسلم وهو يخبره بالموافقة الإلهية ب»صدقت يا بلقاسم«". وقال محدثنا "كما أخبر النبي محمد عليه صلوات الله وتسليمه الشيخ الحاج بلقاسم في المنام بأن روحه وروح الشيخ بعد وفاته ستحضر الأسبوع وتحوم فوق رؤوس الزوار وكل من يحضر"السبوع"، ومن ذاك اليوم والشيخ "الحاج بلقاسم" ومن بعده أبناؤه وأحفاده يُحيون "السبوع" بمشاركة آلاف الجزائريين والأجانب ابتداء من 18 ربيع الأول على مدار خمسة قرون". * * تصارع الأولياء الصالحين أم تصالحهم..؟! * وانطلقت الاحتفالات ب"السبوع" ليلة السبت الماضية بقرية "ماسين" على بُعد بضع كليومترات من مدينة تيميمون، حيث يستقبل الشيخ عبد الحي بزاوية "احمد بن يوسف" الوافدين من أطراف المدينة وخارجها ويقيم لهم مأدبة عشاء واحتفال استقبال شعبي لجميع الوافدين الحاملين لأعلام تُمثل المنطقة القادمين منها، كما يشرع المشايخ والضيوف بعد صلاة المغرب في "السلكة" وهي ختم ترتيل القرآن إلى غاية صلاة الفجر متجمعين بمسجد القرية، وتتواصل الاحتفالات في اليوم التالي والمصادف للثامن عشر من ربيع الأول حين تبلغ الاحتفالات ذروتها، حيث يتوافد جميع تلاميذ الشيخ والبالغ عددهم 12 تلميذا متوزعين في مختلف مناطق تيميمون لنشر العلم متبوعين بأهل المنطقة التي يتواجدون فيها، ويحمل كل تلميذ علما خاصا بالمنطقة القادم منها، حيث تمشي بعض الوفود أكثر من 10 كليومترات لبلوغ "الحفرة" وهي رقعة جغرافية واقعة بين أربعة جبال ومجموعة كثبان رملية بمحاذاة زاوية الحاج بلقاسم، وهي مكان الملتقى الذي يجمع تلاميذ الشيخ وتلتحم فيه الأعلام قبيل صلاة المغرب من يوم الأحد. إلا أن السؤال الذي لم نجد له جوابا ورفض تلاميذ الشيخ التعليق عليه إلا ب"سر وحكمة لا يعلمها إلا الله" هو تلاحم وتصادم الأعلام بمجرد وصول الوفود إلى الحفرة، ففي حين رجح البعض أن يكون الأولياء الصلاحين في صراع حول المجلس الأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال آخرون أنهم في تعانق وتلاحم بعد طول فراق.. * * عصابة "الهارد".. إرهاب جديد * ولملتقى 'الحفرة' أهمية كبرى عند أهل قورارة، حيث يغادر جميع سكان تميميون بيوتهم ليشهدوا وقفة "الحفرة" والتحام الأعلام من على الجبال المحيطة بزاوية "الحاج بلقاسم" والتي تغطيها الحشود البشرية في صورة أقرب ما تكون بوقفة عرفة، إلا أن اختراق هذه الجموع من قبل شباب وافد من خارج المدينة يُعرفون بمعاطفهم السوداء التي يرتدونها رغم الحّر يُفسد بهجة الزوار وفرجتهم، حيث تكثر السرقة والاعتداءات رغم التعزيزات الأمنية والطوق الأمني الذي تفرضه السلطات العسكرية بالمنطقة خلال أسبوع الاحتفالات.. غير أن "عصابة الهارد"، كما يلقبونها أبناء تيميمون، يعرفون مداخل ومخارج المدينة جيدا، ويتسللون في العادة ليلا على متن دراجات نارية. والعجيب أنهم يدخلون المدينة ثلاثة على متن كل دراجة نارية ويخرجون منها كل واحد على متن دراجة نارية محملة بصناديق مغلقة...!! * * منظمات فرنسية تنشر سموما يهودية.. * وفي الظلام أيضا ينشط مجموعة من الأشخاص تُثبت الشهادات المتطابقة أنهم ينتمون إلى منظمة فرنسية تتكفل بتمويلهم لنشر أفكار يهودية تُشكك في المعتقدات الإسلامية وخلق الإنسان، حيث تسعى لإقناع أهالي المنطقة والوافدين عليها بمعتقدات يهودية خالصة وتستغل مثل هذه المحافل والتجمعات التي يقصدها البسطاء والأميون، كما تغريهم بالمال مقابل نشر هذه الأفكار السامة التي تُمجد اليهودية في مختلف مناطق الجزائر التي ينحدر منها الوافدون على محفل السبوع بتيميمون. * وأما في واضحة النهار فتنشط مجموعة من الباحثين التابعين للزاوية العلوية على نشر أفكار باحث فرنسي من الأقدام السود في الجزائر إبان حقبة الاستعمار الفرنسي، يزعم أنه وجد جمجمة إنسان يُشبه القرد في تركيبته الخلقية وُجد على سطح الأرض قبل أن يُخلق آدم عليه السلام، وذلك في منطقة "تيغنيف" بالغرب الجزائري بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، في محاولة لتجسيد النظرية الخاطئة للفيلسوف اليهودي "داروين" للتطور البشري والتي تصور الإنسان في شكل قرد تطور عبر الزمن ليصير مخلوقا آدميا. * * شابات بملابس فاضحة تخترقن المحفل ل... * ووسط بهجة الاحتفال ونشوته رغم الغبار المُثار بسبب تجمهر الآلاف في صعيد واحد وفي الجبال المجاورة لل"الحفرة" تستعرض فتيات وسيدات جئن من خارج مدينة تيميمون وولاية أدرار لممارسة أقدم تجارة في تاريخ البشرية وعرض أجسادهن شبه العارية، بعد أن ارتدين ملابس تصف وتشف وتكشف أكثر مما تستر، وأقل ما يمكن قوله أنها ملابس لا تليق بمناسبة دينية يُحتفى فيها بمولد المصطفى عليه السلام. * وفي رمشة عين يلتف بعض الشباب بإحدى الفتيات ليستقر المزاد على الذي يدفع أكثر من أجل قضاء ليلة حمراء بأحد القصور الخالية في أطراف المدينة والتي لم يبق منها إلا الأطلال، أو في أحد فنادق المنطقة المعروف بتسامحه مع نزلائه بإدخال كل ممنوع إلى الغرف التي توصف بأنها عائلية، وإن كان هذه الفندق الذي نترفع عن ذكر اسمه حالة شاذة تُذكر ولا يقاس عليها، فإن جميع فنادق تيميمون تتميز بالاحترام والسمعة الطيبة وفي مقدمتها فندق 'اغزير'. * * معارك دموية تتحدى التعزيزات الأمنية.. * كما تحدث بين الفينة والأخرى مشادات كلامية بين الحاضرين في التجمع الكبير، تتطور تدريجيا إلى معركة دموية تستدعي تدخل قوات الأمن وإن يصف البعض الأمر بالطبيعي، حيث كل تجمع ضخم يجذب عشرات الآلاف من ضمنهم أجانب وزوار من خارج المنطقة تحدث فيه مثل هذه المناوشات، تماما كما يحدث في حشود جماهير كرة القدم. * واستوقفنا مشهد دموي لشيخ بعمامته البيضاء لطختها الدماء الحمراء بعد أن ضربه أحد الشباب الطائش بذراع "بندقية البارود" بعد أن منعه الشيخ من الدخول إلى ساحة العرض، حيث المشاركة في عرض "صحاب البارود" الذي يُشكل جزءا من الاحتفالات ب"السبوع" يجب أن تكون في إطار فرقة منظمة من قبل حتى لا يختل تناسق العرض، ورفض الشيخ أن يتوجه للمستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية حتى لا يُفوت على نفسه فرصة حضور المحفل والتجمع الضخم. * ويبقى الحل الوحيد لمواجهة مثل هذه السلبيات التي تشوب المحفل وتشوهه فرض تعزيزات أمنية أكبر وترجيح سلطة المشايخ التي تعتبر سلطة نافذة في المجتمعات القبلية وفي مثل هذه المحافل التي تُعقد تحت راية الاحتفالات الدينية. * * أحاديث حول الرئاسيات والأزمة العالمية.. * وإن تطفو بعض الشوائب على سطح محفل "السبوع" لتُشكل الاستثناء والحالات الشاذة ليس إلا.. وإن اختلف البعض في شرعية وجواز مثل هذه الاحتفالات التي تُدخل المرء إلى دائرة الشرك أحيانا، فإن محفل السبوع يُعتبر بمثابة ملتقى سنوي يجمع شيوخ وأقطاب الزوايا في الجزائر والدول المجاورة للناقش وتبادل الآراء وتوحيد الرؤى حول القضايا الجوهرية في الجزائر والعالم، حيث ينتهز مشايخ الزوايا المجتمعين بمساجد تيميمون خلال الاحتفالات بأسبوع المولد النبوي الشريف الفراغ من السلكة وترتيل القرآن للحديث في السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والمحلية، فتحت قبة شيخ الحاج بلقاسم اختاروا مرشحهم الذي سيدعمونه في رئاسيات أفريل المقبل وطرحوا تخوفاتهم من الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على الجزائر في المستقبل، كما عالجوا مشاكلهم الاجتماعية والمحلية.. وفوق هذا وذاك يجذب محفل "السبوع" قوافل التجار منذ القدم وإلى غاية اليوم، حيث ينتظم بالموازاة مع الاحتفالات معرض للصناعات التقليدية وسوق ضخمة تتوسط المدينة.. وتبقى المظاهر اللاأخلاقية واللاإسلامية الوافدة مع الداخلين إلى مدينة تميمون لأغراض خفية تديرها جهات أجنبية وخارجية تؤرق أهل قورارة وسكان تيميمون وشيوخ الزوايا وإن كان هذا المحفل نقطة استفهام كبيرة في ديننا الحنيف.