في حوار أجراه لدى حلوله ضيفا على جريدة البلاد، تحدث القيادي في حركة المقاومة الإسلامية ''حماس''، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني وصهر الشهيد نزار ريان، عبد الرحمن يوسف الجمل، عن واقع غزة بعد أقل من أربعة أشهر على العدوان الهمجي الإسرائيلي على سكان القطاع. وتطرق بإسهاب إلى تقييم الموقف الجزائري الرسمي والشعبي من ذلك العدوان، معتبرا الجزائر شريكة في النصر المحقق، خاتما كلامه بالكشف عن دقائق ومستجدات الحوار بين حركتي حماس وفتح.بداية وأنتم قادمون من قطاع غزة، كيف تصفون الوضع الميداني هناك، سيما وأن حجم الاهتمام الإعلامي خف كثيرا مقارنة بالزخم الذي كان عليه أثناء العدوان؟ الحقيقة أن الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة، لازال يعيش آثار العدوان الهمجي الأخير الذي لم يستثن من دائرة أهدافه الشجر ولا الحجر في القطاع، هناك 20 ألف منزل مهدم عن آخره أصحابها ينتظرون إعادة إعمارها، إلى جانب 1400 شهيد وأكثر من 5000 جريح معظمهم يعانون إلى الآن من مفعول الأسلحة الفتاكة التي استعملها الصهاينة طيلة أيام عدوانهم الشرس على أهلنا المحاصرين، فعلا هناك أموال ضخمة رصدت كما يقولون لإعادة الإعمار، لكن واقع الأمر أن هذه الأموال منعت من الدخول إلى غزة بسبب الحصار القاسي المفروض على جميع معابرها البرية والبحرية وحتى الجوية.. إن دخلت هذه المساعدات، ألا ترون أن استمرار الحصار سيعرقل عملية إعادة الإعمار في ظل حالة الإغلاق الحاصلة؟ بالطبع، استمرار الحصار الحالي سيمنع انطلاق أي مشروع إعمار أو مخطط إنماء لمحو آثار الهجمة الصهيونية، غزة الآن ليس فيها الإسمنت و لا الحديد ولا أي شيء من مواد البناء الأساسية التي لم يدخل منها شيء منذ ما يقارب السنتين، بل حتى مقومات الحياة البسيطة وإمكانات العلاج الضرورية من أدوية ومعدات طبية يمكن القول إنها منعدمة عدا النزر اليسير الذي يسرب إلى القطاع. وماذا عن متابعة القادة الإسرائيليين أمام الجهات القضائية الدولية؟ نحن الآن في مرحلة التوثيق وجمع الأدلة.. صحيح أن هناك بعض الوفود التي لها علاقة بتوثيق جرائم الحرب قد دخلت إلى غزة، لكن الغالبية الساحقة من هذه الوفود تم منع دخولها من المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، على مستوانا في غزة نحن نوثق من خلال شهادة الأطباء المشرفين على علاج الحالات المصابة بشظايا الصواريخ والأسلحة المستعملة إبان الضربة العسكرية، وكذا الاحتفاظ ببعض الشواهد المادية عن عينات ومخلفات من هذه الأسلحة، بالإضافة إلى توثيق شهادات الضحايا أنفسهم الذين تعرضوا بصفة مباشرة إلى الإصابة بهذه الأسلحة المحرمة دوليا. ولدينا عدد هائل من الصور الموثقة التي توضح حجم التشوه الذي طال المصابين والشهداء سواء، ما تعلق ببتر أطراف أو الحروق المريعة التي استغربها حتى الأطباء الغربيين والعرب الذين اعتادوا العمل في أجواء حرب مماثلة لما جرى في غزة.. قمنا بتوفير هذا الكم من الأدلة الحسية والمادية حتى نرسلها إلى اللجان المهتمة بمتابعة الملف أمام جهات قضائية دولية أو إقليمية لتستخدمها كشواهد مادية يمكن عن طريقها إدانة قادة الكيان الصهيوني. وهل لديكم أمل في أن تلقى هذه التحركات صدى في المحافل الدولية؟ بالتأكيد نحن لم نفقد الأمل يوما في عدالة قضيتنا، لأننا متفائلون بأنه سيأتي اليوم الذي يحاسب هذا الكيان على جميع الجرائم والمجازر التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني عموما وسكان غزة على وجه التحديد. كيف تصفون وضع المقاومة وتحديدا كتائب الشهيد عز الدين القسام، عقب العدوان الأخير؟ وهل لازالت تحتفظ بنفس الجهوزية التي كانت عليها قبلا؟ من المؤكد أن الشعب الفلسطيني يعاني من مخلفات المحرقة وأيضا من انعكاسات الحصار الجائر، لكننا نطمئن جميع المتعاطفين في الجزائر أن إرادة الصمود والتحدي زادت ترسخا بعد العدوان الأخير، كما أطمئنه على حال المقاومة التي ازدادت ثقتها بعد الله بنفسها، بحيث استطاعت بفضل الله أن ترسم خطا إستراتيجيا ثابتا للشعب الفلسطيني قوامه التمسك بخيار المقاومة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، المقاومة طيلة أيام الحرب لم تستخدم إلا جزء بسيطا من قدرتها وجهوزيتها، فقد استعادت قوتها وعافيتها وهي تملك من الأسلحة ما تستطيع أن تقف به في وجه أي عدوان محتمل علينا كشعب وكمقاومة و كقضية... وتقارير الاستخبارات الصهيونية التي نقلتها وسائل إعلام عالمية خير دليل على ذلك، حيث ذكرت أن حماس استطاعت بعد العدوان إدخال كميات كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى وذات القوة التدميرية الكبيرة مقارنة بتلك الصواريخ المصنعة محليا. بعد مرور أكثر من مائة يوم على اعتلاء أوباما سدة الحكم في البيت الأبيض، وإعطائه مؤشرات تعامل ايجابية حيال عدد من القضايا العالمية وعلى رأسها ملف العلاقة مع ايران، كيف تقيمون حتى الآن دور إدارة أوباما وتعاطيها مع الملف الفلسطيني؟ الموقف الأمريكي معروف بانحيازه الواضح والمطلق للكيان الإسرائيلي منذ قيام هذا الكيان الغاصب باحتلال فلسطين سنة 48، ودوره في تقوية ومساندة العدو بالسلاح والمال والدعم السياسي والدبلوماسي معروف لدى الجميع، وبالتالي التعويل على الموقف الأمريكي في نصرة القضية ووضع حد للغطرسة الإسرائيلية غير سديد، صحيح نحن سمعنا بتوجهات جديدة للرئيس باراك أوباما لكنها لحد الآن لا تتجاوز حد التصريحات الفضفاضة، والشعب الفلسطيني سئم من الاستماع لوعود وأماني جديدة، هو الآن يريد أفعالا وليس أقوالا لأنه إذا أردنا الحكم على الموقف فيجب أن تكون هناك أفعال على الأرض تثبت صحة هذا التوجه الجديد كما يزعم البعض.. لكننا بصراحة بتنا من خلال التجربة والحراك الحاصل الآن غير واثقين تماما من الدور الأمريكي بل وحتى تعامل المجتمع الدولي مع القضية المعروف بانحيازه الدائم لصالح الأطروحات الصهيونية بعيدا عن النظر في مدى توازنها مع المصلحة الوطنية الفلسطينية في بناء دولة على حدود 67 تتمتع بكافة مقومات السيادة والبقاء. بالتّأكيد أنكم تعرفون جيدًا موقف الجزائر من الحرب على غزة، ومن قبل موقفها من القضية الفلسطينية ككل ومن حركة حماس... فما هو انطباعكم عن الموقف الجزائري الرسمي والشعبي؟ نحن نعلم أن الجزائر من أوائل الدول التي أعلنت رفضها للحرب على غزة وطالبت بوقفها فورًا، كما كانت في مقدّمة الدول التي سارعت لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الحرب، وتقديرنا الكبير للموقف الجزائري الرسمي والشعبي المساند دائما لنا يجعلنا نؤكد أن الجزائر تعيش القضية الفلسطينية في وجدانها، وما المسيرات المليونية التي جابت ولاياتها تضامنا مع اخوانهم المظلومين في غزة إلا دليل واضح على هذا الكلام.. وقفة الشعب الجزائري كان لها أثرها الإيجابي في رفع معنويات المقاومين والصامدين داخل غزة أثناء العدوان وبعده، فقد كانت تشد من أزرنا وتعطينا ثباتا وصبرا وقدرة على الصمود، لذلك فنحن نعتبره شريكا للمقاومة وللفلسطينيين في النصر الذي تحقق بفضل دعمهم المادي والمعنوي لنا. ونحن نشكر الدولة الجزائرية على ما قامت وما تقوم به من تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة، ولكننا نأمل وننتظر منها المزيد.. ماذا تريدون على وجه التحديد من الجزائر؟ نحن نطمح من الجزائر أن يكون التجاوب أكبر من المساعدات الإنسانية، نريد منها - ومن كل دول العالمين العربي والإسلامي- مواقف أكثر تطوّرًا، بما يتوازى مع مكانة الجزائر وثقلها الدبلوماسي والتاريخي على الساحة العربية، لأننا كنا ولا زلنا نشعر بموقف الجزائر المتميز حيال فلسطين، نحن حريصون وطامحون في أن تلعب الجزائر دورا مثمرا في دفع الأمور نحو لملمة الصف الفلسطيني وتوحيد الموقف الوطني بما يكفل وضع حد لحالة الانفصام الحاصلة والتي تسببت كثيرا في تشتيت الموقف العربي. لذلك فمن منطلق قناعتنا بدور الجزائر وتأثيرها، نحن نرحب بأي تحرك لها يسهم في رأب الصدع من خلال التنسيق مع الدول التي تحمل ملف الوساطة والحوار، لأن توحد الصف الداخلي الفلسطيني سيساعد الجزائر على التقدم خطوة باتجاه الفلسطينيين.ربما بالانتقال إلى محور آخر، هل يمكن أن تضعونا في صورة النتائج التي توصلت إليها جولات الحوار بينكم وبين حركة فتح؟ بداية نقول إننا حريصين على وحدة الشعب الفلسطيني، وذهابنا إلى الحوار يأتي تجسيدا لهذا الأمل ولاقتناعنا أن شعبنا لا يمكنه أن يحقق النصر والتحرير أمام العدو الصهيوني إلا بوحدة الصف. في الحقيقة نقاط الاتفاق بين المتحاورين كثيرة ونقاط الخلاف قليلة، إذ تم الاتفاق على كثير من القضايا وبقيت بعض الأمور عالقة، وهي التي نحن الآن بصدد العمل على تقريب وجهات النظر حيالها. ولعل من أهم نقاط الخلاف هي الجملة السياسية أو البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، لذلك في اعتقادي، فإن تمسك حركة فتح بضرورة اعتراف حركة حماس بشروط الرباعية وأن تلتزم باتفاقات منظمة التحرير والاعتراف هو المعطل الرئيسي الحائل دون التوصل إلى اتفاق نهائي، لأن الاعتراف بشروط الرباعية بالنسبة لحماس يعني الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة التي تسمى عندهم بالإرهاب وهذه القضية لا يمكن لحماس أن تتنازل عنها. لذلك فنحن نؤكد على وجهة نظرنا بأنه ممكن أن يعتمد برنامج سياسي لحكومة الوحدة الوطنية على ضوء ما تم التوصل إليه في اتفاق مكة. لكنني أوضح أن جولات الحوار الآتية قد تصل إلى اتفاق حول البرنامج السياسي الذي يلبي رغبة شعبنا وطموحاته، وأملنا معقود على ذلك لأنه ليس أمامنا إلا أن نتفق وسيكون ذلك. وهل ترون أن العودة إلى اتفاق مكة كفيلة بإنهاء حالة الانقسام الواقعة؟ منظمة التحرير التزمت أمام الرباعية وأمام العالم بشروط معينة والمنظمة قبل الحكومة العاشرة أعطت المجتمع الدولي والرباعية كل ما يريدون ومع ذلك لم تنجز المنظمة أي أهداف ولم تقم الدولة الفلسطينية التي وعدوا بها الشعب الفلسطيني، لذلك نحن نقول إننا كفلسطينيين يجب أن نتحرر من الضغط الخارجي، يجب أن لا ننظر إلى المجتمع الدولي، بل يجب أن ننظر إلى واقعنا الداخلي فعندما نكون لحمة واحدة فاننا سنرغم المجتمع الدولي على الاعتراف بنا وأن يستجيب لمطالبنا. العنوان الأبرز لتعثر الحوار هو البرنامج السياسي، ألا توجد هناك مطبات أخرى حالت دون التوصل إلى اتفاق؟ هناك قضايا أخرى غير البرنامج السياسي لحكومة التوافق الوطني منها قضية الانتخابات، فنحن نصر على أن النظام الانتخابي السابق المعروف بالنظام المختلط هو الأصلح للحالة الفلسطينية، لأن هذا الأخير يقصر التمثيل على فتح و حماس فقط بل هناك مستقلون، لذلك نحن نقول إن النظام المختلط هو النظام المناسب للشعب الفلسطيني ونريد أن يبقى معتمدا في الانتخابات اللاحقة، لكن أقول هذه القضية وغيرها من الملفات الأخرى على غرار مسألة الأجهزة الأمنية تبقى مسائل خلافية يمكن أن يتوصل فيها إلى اتفاق، حتى حماس تتعامل بمرونة مع هذه الملفات، لكن تبقى الإشكالية الكبيرة هي البرنامج السياسي، يعني الحكومة المقبلة ستعرض برنامجها على المجلس التشريعي، الذي أغلبيته من حماس، فهل يعقل أن نوافق على برنامج سياسي فيه الاعتراف بالاحتلال على ا