لطالما شكلت الحلبة الرومانية ديكورا للضفة الجنوبية من حوض المتوسط، في حين أنه على طول ساحل شمال حوض المتوسط. كانت المدن على مر العصور فضاء يصدح فيه الغناء الأوبرالي في كل المعالم التي تركتها حضارة موطن جول سيزار. في الوقت الذي ظلت فيه الضفة الجنوبية تجهل فنون هذا الغناء الأوبرالي. فيما يخصنا في الجزائر لطالما كان يحلو لنا أن نسمي المسرح الواقع بحي بورسعيد بأوبرا الجزائر، أو على الأقل هكذا كنا نحلم، تماما كما حلمنا أن تكون فيروز مطربة عربية أوبرالية، فقد كانت ولا تزال تملك كل مقومات المطربة الأوبرالية من طراز كبريات المغنيات في هذا النوع، على غرار ماريا كالاس التي تركت بصمتها في عالم الغناء الأوبرالي أكثر من غيرها من المغنيات، لدرجة أن ''لاسكالا'' دار الأوبرا بإيطاليا، أشهر أوبرات العالم باتت تضم ما أصبح يعرف ''بنقطة لا كالاس''. ماذا عن فيروز إذن؟ نعلم أن المجد الذي حظيت به لا كالاس لم يكن ليحدث لولا اكتشافها من طرف المخرج الفذ، لوشينو فيسكونتي، الذي كشفها لنفسها قبل أن يكشف عن مواهبها للعالم. لم تحظ، من جهتها، فيروز بهذا القدر من الاكتشاف، عدا ذلك الذي منحها إياه الإخوة الرحباني، بالرغم من أنها ألهبت مسرح بعلبك الأثري إلا أنها لم تجد من يفجر طاقاتها الإبداعية الكامنة. كان من الممكن أن تحول فيروز لأيقونة على غرار لاكالاس العربية. صحيح أن المخرج يوسف شاهين سعى لتقديمها بشكل جديد، غير أنه لم ينجح سوى في تقديم أوبيرات في فيلم ''بياع الخواتم''، كان للمخرج الفضل في إبراز قدراتها في التمثيل. ما يذكرنا أن في الأوبرا الأداء مهمّ بذات درجة أهمية الغناء، لنتذكر أوبرا ''لا ترافياتا''، ''عايدة''... الخ. لا شك أن فيروز كانت تملك القدرة على النبوغ في هذا النوع وأن تكون مغنية أوبرا الأولى أو ما يعرف ب ''بريما دونا''، فقد كانت ما يطلق عليه الخبراء الصوت المزماري، الذي يمكن تمييزه في رائعة ''يا قدس''. الجدير بالذكر أن هذه التقنية الأوبرالية تعتمد على نطق الحروف الفينيقية القريبة من فيروز، والمتمثلة في القدرة على ضبط الحبال الصوتية دون اهتزاز. تقنية ليس من السهل التحكم فيها والتي كانت سهلة بالنسبة لفيروز. كانت فيروز تملك كل مقومات الغناء الأوبرالي، ما أكدته حين بلغت الذروة سنة ,1966 في مهرجان بعلبك حين أبدعت في ''أيام فخر الدين''، في ذاك الحفل انبهر الفنانون الغربيون الذين حضروا الحفل، لكن ما من أحد فكر في المضي في هذا النوع الذي كان من الممكن أن يقود فيروز على درب الغناء الأوبرالي. بالرغم من أن فنانة بلد الأرز لم تجد طريقها لعالم الغناء الأوبرالي إلا أنها تظل سفيرتنا إلى النجوم.