هي إحدى ولايات الجزائر التي تشتهر بتاريخها العريق، شهدت تعاقب العديد من الحضارات وكانت دوما ملتقى الثقافات، الأمر الذي جعلها تكتسب سيرة عبقة تفوح بعطور التراث وتجلب اهتمام الشغوفين للارتواء من مشارب فنونها وإبداعاتها، عاداتها وتقاليدها الأوراسية الأصيلة، خنشلة هي اليوم تدعوكم للتعرف عليها واكتشاف روائعها في هذا التحقيق الذي أعدته ''الحوار''. خنشلة.. التاريخ والجغرافيا تقع ولاية خنشلة في الشمال الشرقي للجزائر في عمق السلسلة الأوراسية على بعد 500 كلم عن العاصمة يحدها من الشمال ولاية أم البواقي ومن الجنوب ولاية الوادي ومن الشرق ولاية تبسة ومن الغرب ولاية باتنةوبسكرة. تتربع الولاية على ساحة 9715 كلم 2 يقطنها أزيد من 400 ألف ساكن. ذات تضاريس متنوعة مرتفعات (جبال وهضاب) سهول وسهوب والمنطقة الجنوبية الصحراوية. تضم الولاية إداريا 8 دوائر و21 بلدية تحتل المساحات الفلاحية والغابية النسبة الأعظم من مساحة الولاية الإجمالية، حيث تبلغ مساحتها 963396 هكتار. وتضم غابات ولاية خنشلة التي تعتبر الأكبر على المستوى الوطني 145611 هكتار عدة أنواع من الأشجار الغابية أهمها الصنوبر الحلبي الذي يمتد على مساحة 112950 ه وأشجار الأرز الأطلسي ذات الجودة العالية والمحمية عالميا ب 11027 هكتار فيما تتوزع مساحة الحلفاء على 42000 هكتار. يسود ولاية خنشلة مناخ قاري جاف وحار صيفا وبارد وممطر شتاء. لمحة تاريخية تكتسب خنشلة تاريخا عريقا يعود إلى عصور غابرة، بحيث استقر بها الإنسان في فترة ما قبل التاريخ، وتشهد على هذه الحقبة المهمة الآثار المكتشفة مثل المغارات إلى جانب المصاطب dolmen براس متوسة.امتزج تاريخ خنشلة بتاريخ البربر الذين سكنوا الشمال الافريقي منذ القدم وبذلك تمركزوا بخنشلة وضواحي الأوراس، حيث كانت مستقرهم نظرا للمزايا التي تخص هذه الماطق في مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أقام الفينيقون مرافئ على طول السواحل الشمالية لافريقيا ثم توغلوا نحو الداخل وربطوا علاقات تجارية مع بربر خنشلة فأصبحت خنشلة ملتقى تبادل تجاري جد هام. في بداية القرن الأول الميلادي وصل الرومان إلى مشارف الأوراس وشيدوا مدينة ماسكولا (خنشلة) التي كانت في بادئ الأمر مستعمرة عسكرية شيدتها الفرقة الثالثة ''أوقيستا''. من معالم هذه الفترة حمام الصالحين ''اكوافلافيانا''، الكتابات اللاتينية التي تمجد ''فيسباسيان'' وابنه تيتوس ودومياس والطرق العسكرية التي تربط بين تيمقاد، ماسكولا وتيفاست. نشبت العديد من الصراعات بين الرومان والبربر المشبعين بقيم الحرية إلى غاية طرد الرومان سنة 455م ليحل محلهم الوندال بقيادة ''جنسريق'' الذي هدم المنشآت الرومانية انتقاما من المسيحية. دخلت خنشلة العهد البيزنطي سنة 534م والذي استمر إلى غاية 646م، حيث تلاشت السلطة البيزنطية بخنشلة. وخلال القرن السابع الميلادي دخلت عهد الفتوحات الإسلامية على يد حسان بن النعمان وبعد صراعات عديدة انتهت باعتناق البربر للإسلام وأصبحوا بدورهم فاتحين. وعند حلول الأتراك بالجزائر كانت خنشلة تابعة إلى بايلك قسنطينة وخضعت إلى حكم غير مباشر للسلطة العثمانية. في ربيع 1842م احتلت فرنساخنشلة بعد مقاومة شرسة من طرف سكان المنطقة، وفي الفاتح نوفمبر 1954م اندلعت الثورة التحريرية وكانت خنشلة من بين المدن التي عرفت أحداثا تمثلت في الهجوم على أهم المراكز الحيوية كالثكنة ومقر ''الجندرمة''، ''الشرطة'' و''دار الحاكم''. خنشلة.. آثار ومعالم وفسيفساء سياحية تعتبر ولاية خنشلة منطقة سياحية تسعى السلطات العمومية إلى توسيع مجال الاستثمار فيها بشكل يسمح باستقطاب السياح على المديين المتوسط والطويل من خلال ترقية الحركة السياحية، ومن أهم المعالم السياحية محطة حمام الصالحين المعدنية، محطة حمام لكنيف البخارية، قرية تبردقة السياحية والغابية بالمنطقة الجبلية التي تضم جبال الأوراس، جبل ششار وجبال تافرنت، وتضم هذه الأخيرة أعلى قمة جبلية بالشمال الجزائري وهي قمة رأس كلثوم التي يبلغ ارتفاعها 2322م، ومنطقة الهضاب العليا التي تتمثل في سهول ''السبيخة'' سهل ''قارت'' بزوي وسهول متوسة، الرميلة، وبوحمامة إلى جانب ''الرومية'' ببلدية لمصارة و''الكهف المثقوب'' ببلدية يابوس والمناطق المعلقة بمنطقة جلال والمغارة العجيبة بمنطقة ''فرينقال'' والتي تقع بصدر جبل ''حريقت'' وكأنها ياقوتة بصدر حسناء. والمتأمل لهذه المغارة المصنفة منذ 1928 يكتشف منظرا طبيعيا خلابا يضم بداخله مآثر سياحية تشكل لوحات شعرية، فتلك الرواسي الكلسية بسقوفها والبحيرات الصغيرة الموجودة في أسفلها تمثل هي الأخرى مشهدا ساحرا يشد الأنظار، إضافة إلى غابات الأرز الأطلسي التي تعد من أحسن غابات الأرز بحوض البحر الأبيض المتوسط كغابة بني وجانة وبني ملول وأولاد يعقوب ومساحات وادي العرب وبني بربار..هذه التشكيلة الرائعة الطبيعية قابلة لاستقطاب الزوار والسياح. سيدياس يسمى أيضا قصر الجازية يتواجد هذا المعلم بقرية أولاد عز الدين على الطريق الرابط بين خنشلة وأولاد رشاش، هو في الأصل قبر أو ضريح لأحد أكابر الرومان سداسي الشكل يصل طول ضلع فيه إلى 2,18م ويبلغ طوله 7 أمتار. تمثال الكاهنة يتواجد هذا المعلم ببلدية بغاي وهو للملكة البربرية الكاهنة التي تنتمي إلى قبيلة جراوة، ظهرت الكاهنة كزعيمة ذات ولاء كبير لدى البربر خاصة بعد مقتل كسيلة سنة 67 هجري، اشتهرت بحبها لأرضها وعندما دخل الفاتح حسان بن النعمان بجيشه منطقة الأوراس لفتحها، خاضت ضده معركة دامية بوادي نيني مما أدى إلى تراجعه وظلت حاكمة مدة خمس سنوات. وفي سنة 78ه بعث له الخليفة تعزيزات وعاد لمقاومة الكاهنة وتراجعت إلى جبال الأوراس حيث لحقها ثم قتلها بالمكان المسمى اليوم ''بئر العاتر'' أو بئر الكاهنة. موقع تبردقة يقع بششار ذات الأصول البربرية، تتميز بتصميمها الهندسي الذي يحتفظ بلمسات البرير وعبقريتهم في تسخير الطبيعة والتكيف معها، هذه المدينة تقع في قلب جبال حلزونية الشكل تمنحها منظرا متميزا، صنفت كموقع طبيعي كما أشرنا سابقا سنة .1928 موقع حمام الصالحين هو من بين المعالم الرومانية التي تحتفظ بها خنشلة إلى اليوم يعود تاريخه إلى القرن الثاني ميلادي وشيد إبان حكم الأباطرة من سلالة ''فلافينيا''، يتميز هذا الحمام الروماني بهندسته الرائعة بالنظر إلى أحواض السباحة الدائرية الشكل والمستطيلة وأعمدته السميكة وشبكة مياهه المحكمة الإنجاز، كما يقع في وسط منظر طبيعي جذاب هو من بين مرافق المدينة الرومانية ماسكولا. عثر في هذا الموقع على كتابات لاتينية تمجد ''فيسباسيان'' وابنيه ''تيتوس'' و''دوميسيان''. بغاي هي مدينة عريقة ذات تصميم بربري عرفت توسعا خلال الفترة الرومانية والبيزنطية، ازدهرت في أيام الكاهنة التي جعلت منها حصنا منيعا وعاصمة لمملكتها، وبعد الفتوحات الإسلامية أصبحت إحدى القلاع الإسلامية الهامة على مستوى الشرق الجزائري. محطة حمام لكنيف البخاري هي محطة بخارية تمتاز بمياهها الحارة والعذبة في نفس الوقت لها دور فعال في علاج الأمراض الجلدية والروماتيزم. ينتمي هذا المركب اقليميا لبلدية بغاي نحو 15 كلم عن مقرها، اكتشف سنة 1912 من طرف خبير فرنسي مختص في الحفريات ''جون ديغو'' حيث كان يقوم هذا الأخير بحفريات في المنطقة التي يرجح أنها كانت منطقة بركانية. تراث وفنون شعبية تشتهر ولاية خنشلة بثراء موروثها الشعبي وتنوع طبوعها الفلكلورية التي تغوص بك في أعماق الشخصية الأوراسية الأصيلة، من بين الطبوع الفلكلورية. الرحابة: هو غناء تشترك فيه مجموعة من الأصوات الرجالية لا يتعدى عددهم العشرة، ظهر هذا النوع من الغناء بمنطقة الأوراس منذ القدم ومن مواضيعه المدح والغزل، أما في الثورة التحريرية التزمت الرحابة بالتعبير عن القضايا الشعبية. الفروسية ارتبطت الفروسية بالمنطقة ارتباطا وثيقا منذ القدم وهي تزخر بتقاليد عريقة في هذا الميدان بالنظر إلى استعراضات الفرسان والفنطازيا بالإضافة إلى الحلة التقليدية العريقة من سرج، لجام، جلال ولباس الفارس الذي يتكون من الشاش، الخيط، الجليكة، القاط، السروال الحوكي وهو منمق بتطريز ذي أصول بربرية. الألعاب التقليدية هي إحدى روافد الموروث الثقافي لولاية خنشلة حيث ورثها الآباء عن الأجداد عبر الحقب المتعاقبة ومن أهم هذه الألعاب. 1 - الخربقة: هي عبارة عن رقعة تتكون من 49 خانة وتكون فيها المنافسة بين لاعبين اثنين لكل منهما 24 بيتا وهي تشبه إلى حد بعيد لعبة الشطرنج. 2 - السيق: يتكون من مقاطع طويلة لستة قطع خشبية لا يتعدى طولها 12 سم وتكون المنافسة بين مجموعتين من اللاعبين. 3 - القوسة ''تاكورث'': تلعب بواسطة عصى مقوسة في ميدان متسع وهي تشبه لعبة الهوكي. 4 - الكرود: هي لعبة تستعمل فيها الحصى الصغيرة منتشرة خاصة بين الأطفال. حرف.. تحف.. عادات وتقاليد تعتبر ولاية خنشلة رائدة في ميدان الحرف التقليدية نظرا لوفرة المادة الأولية من صوف، طين، وخشب، ومن أهمها صناعة الحلي الفضية، النسيج والزرابي بمنطقة بابار المشهورة بزربيتها واللباس التقليدي، فن الطبخ والفن التشكيلي. الهياكل والمنشآت الثقافية تتوفر الولاية على العديد من الهياكل الثقافية نذكر منها دار الثقافة، المتحف التاريخي، متحف المجاهد، مدرسة الفنون الجميلة، مدرسة الموسيقى، ملحقة المكتبة الوطنية، مسرح الهواء الطلق، متحف خاص بزربية بابار بخنشلة وملحق للمركز الوطني للأبحاث الانتربولوجية التاريخية و7 مكتبات وقاعة السينماتيك. حدائق التسلية والترفيه عرفت منطقة حمام الصالحين تغيرات جذرية خلال الأشهر الأخيرة بفضل المشاريع المنجزة على مختلف الاتجاهات المؤدية إلى المحطة المعدنية، مما أعطاها منظرا ومكانة تليق بها كمنطقة سياحية، وتتمثل هذه المشاريع في إنجاز ساحات للتسلية والترفيه وعددها 5 تمت تهيئتها بما يسمح للزوار بالاستجمام والاستراحة والاطمئنان على الأطفال عبر فضاءات اللعب المفتوحة والمزودة بوسائل اللعب والترفيه، إضافة إلى حديقة للتسلية والراحة بحي موسى رداح على الطريق المؤدية إلى بلدية الحامة، وقد سمحت هذه الأخيرة للعائلات بالخروج والتفسح فيها كل مساء لما تحتويه من راحة وهدوء وأمن، مما ساعد على الإقبال الكبير للأفراد والعائلات وسط مناظر طبيعية رائعة، حيث أن مساحات التسلية تم إنجازها وسط وعند مشارف المساحات الغابية إضافة إلى تهيئة كل الطرق المؤدية إليها، كما أن لقرار والي الولاية ''مبروك بليوز'' بمنع كل سلوك من شأنه أن يخدش الحياء ويسيء إلى الأخلاق، ترك أثرا طيبا في نفوس الزوار الذين أصبحوا يتوافدون من كل حدب وصوب حتى من الولايات المجاورة أم البواقي، تبسة، بسكرة، الوادي، وقسنطينة وهو الشيء الذي أعاد للمنطقة زوارها.